الجمعة، أغسطس ٣١، ٢٠٠٧

الوهم الأول



(1) وهم التصدّي المنفرد للمشكلة

وهم إمكان التوصّل إلى حلول باقية للمشكلة بالتناول المباشر، دون التعرّف على أبعادها و ارتباطاتها، من الأوهام الشائعة التي نلمسها يوميا في تصريحات المسئولين و رجال الأحزاب، في الجرائد و المجلاّت و التلفزيون و الإذاعة، و الندوات و المؤتمرات .. و دعونا ننظر إلى نموذج متكرّر لهذا الوهم، في مجال مشاكل المرور، و ما يترتّب عليها من ضياع للجهد و الوقت و الطاقة، بالإضافة إلى المزيد من تلويث البيئة . و دعونا نتأمّل كيف يجري التفكير في محاولات حلّ هذه المشكلة، بإقامة الكباري العلوية و حفر الأنفاق، لنكتشف بعد قليل أن ذلك الحل قاد إلى تدفّق المزيد من السيارات على الطرق، و أنّها قد فتحت شهيّة الجمهور إلى اقتناء المزيد من السيارات .
مثل هذه الحلول الجزئية المباشرة لا يمكن أن تعالج جذور المشكلة، ذلك لأن حلّ هذه المشكلة يرتبط بعديد من الجوانب التي قد لا نتصوّر علاقة بينها و بين مشاكل المرور .. و التي منها :
المركزيّة الممعنة :
في مصر، ما زلنا نأخذ بالنظام البيروقراطي المركزي، و بالتسلسل الهرمي للرئاسات، في جميع مؤسّساتنا الحكومية و العامة، و في العديد من الخاصّة أيضا . و هكذا تركّزت قيادات ضروب النشاط الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي في القاهرة . صاحب المصلحة ـ أيا كانت تلك المصلحة ـ لا يستطيع أن يبتعد عن قلب القاهرة، حيث تتركّز مراكز اتّخاذ القرار، لكي يكون مطمئنا على متابعة إنجاز أعماله، و حيث تتركّز الخدمات الأساسية و وسائل الترفيه الأكثر جذبا .
محاولاتنا في مجال الحكم المحلّي، و الإدارة المحلّية، لم تصادف نجاحا ملموسا نتيجة لتلك المركزية الممعنة، التي تأبى أن تعيد النظر في نفسها، حتّى بعد أن تخلّت معظم الدول و المؤسّسات المتطوّرة عن النظام المركزي، لتناقضه مع طبيعة و احتياجات مجتمع المعلومات .
اتصل، و لا تنتقل :
مع تطوّر تكنولوجيات الاتّصال و المعلومات، ظهر شعار " اتّصل و لا تنتقل " . إذا كان بإمكانك أن تنجز عمل ما، و أنت جالس في مكتبك أو منزلك، بالاعتماد على وسائل الاتّصال المختلفة من تليفون إلى فاكس إلى كمبيوتر و إنترنيت، فما الذي يجبرك على الخروج إلى الطريق بسيارتك ؟ .
لقد أثبتت الدراسات أنّ 30% من الأعمال، يمكن أن يقوم بها العاملون في منازلهم، دون الحاجة إلى الانتقال إلى مقرّ العمل، إلا في مواعيد متباعدة . و هذا يعفينا من البحث عن سكن في قلب العاصمة، أو قريب من قلبها، أو في ضواحيها اللصيقة، فنختار للسكن مكانا يبعد عشرات الكيلومترات عن مقرّ العمل، أو قيادته، يغلب أن يكون أفضل من الناحية الاقتصادية و الصحّية . وبديهي أن تحقّق هذا رهن بتوفير وسائل الاتّصال المتطوّرة، التي تخفّف الضغط على الانتقالات، و على طرق العاصمة بالتبعية .
وسائل الانتقال العامة :
ومشكلة المرور، تتّصل أيضا بمدى كفاءة وسائل الانتقال العامة، التي تخفّف الضغط على استخدام السيارات الخاصّة . و خير مثال على ذلك التوسّع في شبكات مترو الأنفاق، التي تحدّ من استخدام السيارات الخاصّة و العامّة على الطرق .
سياسات الإسكان :
نتيجة لأزمة المساكن، يضطر المواطن إلى استئجار أي مسكن جديد متاح، بصرف النظر عن مدى قربه من مجال عمله، أو عمل زوجته، أو مدارس أولاده . مع أن الأصل في إقامة المجتمعات السكنية الكبيرة، التي تقيمها وزارة الإسكان، أن يشغلها أولئك الذين يرتبطون بأعمال قريبة منها، لكي لا يضّطرون إلى قطع المدينة من شمالها إلى جنوبها، مماّ يضاعف الضغط على الطرق .
بتأمّل هذه العوامل المختلفة، نرى أن حلّ هذه المشكلة، لا يمكن أن نلتزم فيه بالمأخذ الأحادي الجزئي، فالمشكلة تتصل بمسألة المركزية، و سياسة إقامة المشروعات الإنتاجية الضخمة، و سياسات الإسكان عندنا، و بمدى كفاءة وسائل الانتقال العامة، و بمدى تطوّر وسائل الاتصال المتاحة للأفراد .
و نفس الشيء ينسحب على تفكيرنا في حل باقي مشاكلنا، في التعليم متواصل الهبوط رغم دعايات المسئولين، و الصناعة التي ما زالت لا تتّفق مع حقائق الأوضاع التجارة العالمية التي ستطبق علينا، كذلك الإدارة و الطاقة و الديموقراطية.. وغير هذا من المشاكل التي لا يفيدنا أن نبحث عن حلول لها معزولة عن الواقع العام الذي تنشأ فيه، و دون أن نفهم العلاقات متبادلة التأثير بين الأشياء و بين النشاطات .
و إلى الوهم الشائع الثاني، في الرسالة القادمة .. راجي عنايت

الخميس، أغسطس ٣٠، ٢٠٠٧

أوهام شائعة

8 أوهام شائعة ..
تعوق جميع جهود سعينا للتقدّم

من خلال اللقاءات و الحوارات حول المستقبل و الرؤية المستقبلية، مع مختلف المفكّرين و أصحاب الاهتمام العام و الساسة، اكتشفت أن سر فشلنا في الوصول إلى حلول مستدامة لمشاكلنا، لا تتولّد عنها مشاكل جديدة في المستقبل، هو أننا ما زلنا نتمسّك ببعض الأوهام الشائعة التي تعتبر السبب الأول في تخلّفنا، و عدم قدرتنا على تجاوز ذلك التخلّف و اللحاق بركب التطوّر العالمي .
كنت أسأل نفسي دائما :
لماذا مع كلّ الجهد و الإخلاص و رصد الأموال، لا نصل إلى حلول باقية لمشاكلنا ؟ .
لماذا ما نكاد ننتهي من مواجهة مشكلة ما، حتّى نكتشف أن هذه المواجهة قد ولّدت مشاكل مستجدة، غير مسبوقة ؟ .
لماذا لا تتراكم الحلول، لكي تدفع بنا خطوة في سبيل التقدّم ؟ .
و أخيرا، من أين نبدأ في مواجهة هذا الوضع المأساوي، الذي يذكّرنا بأسطورة "سيزييف"، الذي ما كان يتصوّر أنّه قد نجح في حمل الحجر إلى قمّة الجبل، حتّى يجده قد تدحرج إلى أصل الجبل، و أن عليه أن يكرّر المحاولة المرّة بعد الأخرى ؟ .

ثمانية أوهام كبرى ..

يبدأ الحلّ ـ في رأيي ـ بالتخلّص من بعض الأوهام الكبرى الراسخة في تفكيرنا جميعا . و سنورد فيما يلي ثمانية منها، نرى أنّها الأكثر أهمية و خطورة، و هي :
( 1 ) وهم إمكان حلّ المشاكل المختلفة، كلّ على حدة في زمن التغيير الشامل .
( 2 ) وهم إمكان الاعتماد حاليا على الخبرات السابقة .
( 3 ) وهم الاعتقاد بثبات معنى الاصطلاحات و الأشياء .
( 4 ) وهم إمكان الانطلاق من عقيدة أو أيديولوجية سابقة .
( 5 ) وهم إمكان الوصول إلى حلول حقيقية في غياب رؤية مستقبلية
( 6 ) وهم صياغة رؤية مستقبلية لا تقوم على أساس فهم جوهر التغيّرات العالمية الحالية .
( 7 ) وهم إمكان التعامل مع المتغيّرات العالمية، دون التعرّف على جذورها، و علاقاتها المتبادلة .
( 8 ) وهم إمكان صياغة رؤية مستقبلية على يد الصفوة عند القمّة .

* * *
فيما يلي من رسائل سنتناولها واحدة بعد الأخرى