الخميس، فبراير ١٤، ٢٠٠٨

خصائص مجتمع المعلومات


ماسودا يتحدّث عن
مجتمع المعلومات
من التكنولوجيا إلى السوق إلى الإنسان

الكثير من الغموض و التخبّط الذي نلمسه في كتابات من يتصدّون للحديث عن المستقبل، و عن عصر المعلومات، يرجع إلى عدم وضوح طبيعة الذي يتحدّثون عنه . رغم حديثهم عن التغيير، و عن أثر ذلك التغيير على حياتنا، و عن ضرورة اللحاق بركب التطوّر، إلاّ أنهم ما أن ينتقلوا من التعميم إلى التخصيص، حتّي يقعوا في خظأ تصوّر أن مجتمع المعلومات هو مجرّد تحديث أو تطوير للمجتمع الصناعي الذي عرفوه . إلى هؤلاء أنقل المقارنة الشاملة التي أجراها المفكّر الياباني يونيجي ماسودا بين مجتمعي الصناعة و المعلومات .

أولا : جوهر التكنولوجيا الإبتكارية
كانت الآلة البخارية، هي الإبتكار التكنولوجي الأساسي، و جوهر المجتمع الصناعي . و كانت وظيفتها أن تحلّ محل القوّة الجسدية للإنسان، و أن تضخّمها .
و تكنولوجيا الكمبيوتر، هي التكنولوجيا الإبتكارية لمجتمع المعلومات، و جوهره . وظيفتها أن تحل محلّ العمل العقلي للإنسان، و تعمل على تضخيمه .
و هذا يعني إنتقالنا من العمل الجسدي، إلى العمل العقلي
ثانيا : القوّة الإنتاجية المحرّكة
في المجتمع الصناعي، كانت ثورة القوة النابعة من الآلة البخارية، هي السبيل إلى التنمية السريعة لقوى الإنتاج المادي، و قد مكّنت الإنسان من إنتاج البضائع و الخدمات على نطاق واسع .
أمّا في مجتمع المعلومات، فإن "الثورة المعلوماتية" التي نتجت عن تطوير الكمبيوتر، هي التي تقود إلى التعجيل بانتشار قوّة الإنتاج المعلوماتية، بحيث يمكن إنتاج المعلومات المعرفية المنظّمة و المعارف على أوسع نطاق
أي : الإنتقال من إنتاج البضائع، إلى إنتاج المعلومات
ثالثا : مركز الإنتاج
كان المصنع الحديث، بآلاته و تجهيزاته، هو الرمز الحقيقي لمجتمع الصناعة، و مركز إنتاج بضائعه .
و في مجتمع المعلومات، تحل محل المصنع المرافق المعلوماتية(أي الينية التحتية المعتمدة على الكمبيوتر)، و التي تتضمّن شبكات المعلومات، و بنوك البيانات . و تصبح هذه المرافق المعلوماتية مركز الإنتاج و التوزيع للبضائع المعلوماتية
أي: الإنتقال من المصنع، إلى المرافق المعلوماتية
رابعا : السوق كبنية"إجتماعية-إقتصادية"
إتّسعت الأسواق في المجتمع الصناعي، نتيجة لإكتشاف قارات جديدة، و الإستيلاء على المستعمرات . و كانت زيادة القدرة الشرائية عند المستهلكين، هي العامل الرئيسي في توسّع السوق .
أمّا في مجتمع المعلومات، فالجبهة المعرفية تصبح هي السوق المحتملة . و يكون العامل الأساسي وراء إتّساع سوق المعلومات، هو زيادة فرص حل المشاكل بالنسبة لمجتمع ينمو بشكل دائم و ديناميكي
أي : إنّنا ننتقل من سوق الإستهلاك، إلى سوق المعرفة
خامسا : الصناعات القائدة
الصناعات القائدة في التنمية الإقتصادية بالنسبة للمجتمع الصناعي، هي صناعات الآلات و المواد الكيماوية . و البناء الكلّي لهذه الصناعات، يتضمّن صناعات أولى و ثانية و ثالثة .
و في مجتمع المعلومات، ستكون الصناعات القائدة هي الصناعات العقلية، و التي يكون جوهرها الصناعات المعرفية . و ستضاف الصناعات المتّصلة بالمعلومات، كعنصر جديد في البناء الكلّي للصناعات، بإعتبارها المجموعة الرابعة المضافة على صناعات عصر الصناعة . و بهذا يتضمّن البناء الصناعي، صناعات متّصلة بالمعلومات على المحور الرأسي، و صناعات متّصلة بالصحّة و الإسكان و ما أشبه على المحور الأفقي

أي : الإنتقال من الآلات و الكيماويّات، إلى المعلومات و المعرفة

سادسا : البنيـة الإقتصادية
يتميّز الهيكل الإقتصادي الصناعي بالتالي : (أ) إقتصاد السلع المعتمد على المبيعات، (ب) التخصّص في أقسام العمل لحساب الإنتاج، (ج) الإنفصال الكامل للإنتاج عن الإستهلاك، و للمؤسّسة عن البيت، بالإضافة إلى الإنقسامات الأخرى في مجال المال و العمل .
أمّا في مجتمع المعلومات، فنجد التالي : (أ) المعلومات - التي هي محور التنمية الإجتماعية الإقتصادية- سيتم إنتاجها إعتمادا على المرافق المعلوماتية، (ب) تزايد الإنتاج الشخصي للمعلومات، كنتيجة لإستخدامها، ممّا يقود إلى تراكم المعلومات، (ج) سيشيع هذا التراكم المعلوماتي، من خلال الإنتاج التعاوني، و المشاركة في المرافق المعلوماتية، (د) سيتغيّر الإقتصاد - بنيويّاً - من إقتصاد تبادل أو مقايضة، إلى إقتصاد تعاوني
أي : الإنتقال من إقتصاد فصل الإنتاج عن الإستهلاك، إلى إقتصاد تعاوني
سابعا : المبدأ الإجتماعي - الإقتصادي
في المجتمع الصناعي،يكون قانون السعر، و هو المبدأ الإجتماعي الإقتصادي العام، اليد الخفيّة التي تحقّق التوازن بين العرض و الطلب . و يكون النموّ في الإقتصاد و في المجتمع ككلّ خاضعا لذلك النظام الإقتصادي .
أمّا في مجتمع المعلومات، فيكون مبدأ الهدف ( و هو في حقيقته مبدأ الهدف و الوسيلة معاً)، هو المبدأ الرئيسي في المجتمع . و في هذا المجال تعمل التغذية الأمامية التعاونية، و التي تعيد توزيع الواجبات من أجل تحقيق الهدف العام، هي المسئولة عن توفير النظام في المجتمع

أي : الإنتقال من قانون السعر، إلى مبدأ التعاون
ثامنا : الأداة الإجتماعية - الإقتصادية
في المجتمع الصناعي، يعتبر المشروع الإقتصادي، أو المجموعة الإقتصادية، أكثر الأدوات أهمّية للنشاط الإجتماعي . و المشروع الإقتصادي يعمل في ثلاثة مجالات : المشروع الخاص، و المشروع العام، يالإضافة إلى المجال الثالث الذي يتضمّن ملكية الحكومة من خلال إدارة خاصّة .
أمّا في مجتمع المعلومات، فيكون "المجتمع التطوّعي" أهمّ أدوات النشاط الإجتماعي . و تعبير "المجتمع التطوّعي"، يعني مجموعة إقتصادية، يمكن تقسيمها بشكل واسع إلى مجتمعات محلّية، و إلى مجتمعات معلوماتية

أي : الإنتقال من المؤسّسة الإقتصادية، إلى المجتمع التطوّعي

تاسعا : النظام الإجتماعي - الإقتصادي
النظام الإجتماعي الإقتصادي لمجتمع الصناعة، هو نظام المشروع الخاص، الذي يتميّز بالملكية الخاصّة لرأس المال، و التنافس الحرّ، و تعظيم الإرباح و السعي إلى أقصى ربح .
أمّا في مجتمع المعلومات، فيقوم النظام الإجتماعي الإقتصادي على المجتمع المدني التطوّعي، الذي يتميّز بتفوّق بنيته التحتيّة، باعتبارها جامعة بين رأس المال العام، و رأس المال البشري ذي التوجّه المعرفي . و في إطار أساسي يجمع بين مبدأي التعاون، و المنفعة الإجتماعية
أي : الإنتقال من تعظيم الربح، إلى التعاون و المنفعة الإجتماعية

عاشرا : شــكل المجتمـع
المجتمع الصناعي، هو مجتمع السلطة المركزية، و تسلسل الطبقات .
أمّا مجتمع المعلومات، فيكون مجتمع تعدّد المراكز و التكامل التطوّعي . و هو مجتمع يعمل أفقيـــاً،
و ليس بشكل رأسي كما في حالة المجتمع المركزي . و هو يحقّق نظامه الإجتماعي، من خلال عمليات الإستقلال الذاتي و التكامل، ممّا يتميّز به المجتمع التطوّعي
أي : الإنتقال من المركزيّة، إلى المراكز المتعدّدة، و من الطبقات إلى التكامل التطوّعي
حادي عشر : الهـدف القومــي
هدف المجتمع الصناعي، هو إقامة مجتمع الرفاهية القومي، ساعيا إلى تحقيق المجتمع عالي الرفاهية، من المهد إلى اللحد .
أمّا مجتمع المعلومات، فيستهدف تحقيق مبدأ "قيمة الزمن" لكل إنسان . و قيمة الزمن، تعني القيمة التي ترسم و تعمل على تحقيق الزمن المستقبلي أو الآتي . هدف مجتمع المعلومات، هو أن يستمتع الإنسان بحياة ذات قيمة، من خلال سعيه إلى إمكانات مستقبلية أعظم

أي : الإنتقال من الرفاهية، إلى قيمة الزمن
ثاني عشر : شـكل الحكـومة
النظام السياسي للمجتمع الصناعي، هو نظام التمثيل النيابي، و حكم الأغلبية .
أمّا في مجتمع المعلومات، فيصبح النظام السياسي هو ديموقراطيّة المشاركة، أو السياسة القائمة على مشاركة الجماهيربنفسها . و سياسة الإدارة الذاتيّة للمواطنين، التي تقوم على الإتّفاق و المشاركة والتعاون. و هي سياسة تدخل في إعتبارها آراء الأقلّيات
أي : الإنتقال من التمثيل النيابي، إلى المشاركة
ثالث عشر : قـوّة التغيير الإجتماعي
تقوم إتّحادات و نقابات العمّال في المجتمع الصناعي، بإعتبارها قوّة التغيير الإجتماعي . و تكتسب الحركات النقابية المزيد من نفوذها، بالإعتماد على النزاعات بين العمّال و أصحاب العمل، كسلاح في يدها.
أمّا في مجتمع المعلومات، فتكون حركات المواطنين هي أداة قوّة التغيير الإجتماعي، أسلحتها هي التقاضي أو الإلتجاء إلى القانون، و تنامي المشاركة
أي : الإنتقال من النقابة العمّالية، إلى قوّة حركة المواطنين

رابع عشر : المشـاكل الإجتماعية
في المجتمع الصناعي، توجد ثلاثة أنواع من المشاكل الإجتماعية، البطالة الناشئة عن الكساد، والحروب الناتجة عن الصراع الدولي و عن الأطماع التوسّعية من أجل دعم الموقف التنافسي الإقتصادي، ثم دكتاتورية النظم الفاشية .
أمّا مشاكل مجتمع المعلومات، فستكون صدمات المستقبل، و عدم قدرة الأفراد على مواكبة التحوّلات الإجتماعية السريعة، و أعمال الإرهاب الفردية و الجماعية، و أزمات سيطرة قلّة على المعلومات
أي : الإنتقال من اليطالة و الحرب و الدكتاتورية، إلىصدمات المستقبل والإرهاب والمجتمع المحكوم

خامس عشر : أعلى تطوّر للبنية الإجتماعية الإقتصادية
أعلى مراحل تطوّر المجتمع الصناعي، هي مرحلة الإستهلاك الجماهيري المرتفع على أوسع نطاق، والتي تنصبّ على السلع المعمّرة (كالسيارات) .
أمّا أعلى مراحل المجتمع المعلوماتي تطوّراً، فهو تأسيس مجتمع خلق المعرفة الجماهيرية، إعتمادا على الإستخدام المتنوّع للكمبيوتر، من أجل إشباع الذات
أي : الإنتقال من مجتمع الإستهلاك، إلى مجتمع خلق المعارف و إشباع الذات
سادس عشر : المعايير القيميّــة
القيم الماديّة لإشباع الحاجات البدنية و النفسية، هي المعايير العامّة في المجتمع الصناعي .
و في مجتمع المعلومات، تنبع المعايير العامة للقيم الإجتماعية من السعي إلى الإشباع، الناتج عن تحقيق الأهداف
أي : الإنتقال من إشباع الحاجات المادّية، إلى تحقيق الأهداف
* * *

حرصنا على هذا الطرح المركّز للمقارنة التي عقدها المفكّر الياباني يونيجي ماسودا، بين المجتمع الصناعي و مجتمع المعلومات، حتّى تتّضح الصورة في شمولها