الأربعاء، مايو ٢٠، ٢٠٠٩

حكايتي مع المستقبل

التصادم مع الواقع


عندما تنتصر السياسة على الفكر


لم تكن هناك مشكلة عند طرحي لأفكاري المستقبلية بشكل نظري، كان البعض يتحمّس و يسعى إلى حوار خاص معي، كتابة أو في لقاء شخصي، و كنّا نتّفق و نختلف، دون أن يفسد هذا للودّ قضية .. و لكن، عندما انتقلت إلى تطبيق ما أفكّر فيه على الواقع المصري، بدأت المشاكل و المخاطر ! .
لقد تحدّثت قبل هذا عن خصوم المستقبل من أصحاب العقائد و الأيديولوجيات، الذين يقعون أسرى افتراضاتهم التي فقدت مصداقيّتها، في ظل التطوّر الذي طرأ على المجتمع البشري، و قلت أنّهم أحوج من غيرهم لممارسة التفكير الناقد .
لكن الخصومة المحتدمة تأتي من السياسيين و المسئولين و الحكّام، الذين يستفيدون من الواقع المصري الراهن، بكل ما فيه من سلبيات . بل إن هذه السلبيات تكون في بعض الأحيان السبيل إلى السيطرة و النفع المادي . قد يفهم بعض الساسة ما أتحدّث عنه، و قد يفهمون أن الأوضاع الحالية تقود إلى كارثة في المستقبل القريب، و هم يقبلون ما أقوله طالما بقي عند حدود الطرح النظري .
في الأحوال العادية و التصرّفات اليومية، لم أكن أتعرّض لهذه الفئة، أو لأقوالها و تصرّفاتها، و لم يحدث الاحتكاك معها إلاّ عندما تقتحم ـ عن عدم علم ـ مجال المستقبل .

استراتيجية سرور لتطوير التعليم

الذي لا شك فيه أن مستوى التعليم عندنا تحت الصفر، حتّى بمنطق نظم تعليم عصر الصناعة، لهذا لم أكن أناقش أقوال و تصريحات وزير التعليم ـ د. فتحي سرور في ذلك الوقت ـ إلاّ عندما عقد مؤتمرا قوميا لوضع استراتيجية مستقبلية للتعليم في مصر .
كتبت في ذلك الحين أقول أن ما جاء في مقدمة التوصيات سليم من حيث توجّهه المستقبلي، لكن ما أن ننتقل إلى التفاصيل حتّى يظهر الخلط، و تبدأ عملية ( لملمة ) للآراء القديمة، و توصيات المؤتمرات السابقة، مع كلّ ما بينها من تناقض، و مع بعدها الواضح عن الشعارات المستقبلية المطروحة .
قلت له، لا بد أن نعترف بحقيقة مرّة، هي أن الذين يتحدّثون عن تطوير التعليم، و يشاركون في المؤتمرات، و يضعون التوصيات، يكون معظمهم من أصحاب الأفكار التقليدية، مع قلّة محدودة من أصحاب الآراء الجديدة، يضيع صوتها وسط صخب و نفوذ التقليديين . و ليس هذا انتقاصا من قدر أصحاب الآراء التقليدية من القيادات التعليمية، أو تشكيكا في إخلاصهم أو خبراتهم، إلاّ أن الآراء و الأفكار التي يطرحونها كان من الممكن أن تفيد فائدة كبرى، لو أن الآتي هو استمرار للماضي و الحاضر .. فخصوصية اللحظة التاريخية النـادرة التي نعيشها، تجعل الحديث عن مسـتقبل التعليم ـ بالذات ـ يختلـف عن كل ما عرفوه و تخصّصوا فيه .

مصير 6 مليون دولار

لقد صرّح وزير التعليم د. فتحي سرور أنّه شرع في تكوين أوّل مركز مصري لتطوير المناهج الدراسية و المواد التعليمية، و أن لديه ميزانية تبلغ 6 مليون دولار، لحساب ذلك المركز .
و قد كتبت أرجوه أن يرصد نصف في المائة من هذه الميزانية لإجراء دراسات مستقبلية، و تجميع مكتبة متخصّصة في فروع علم المستقبل، و بخاصّة مستقبل التعليم، و من أجل عقد حلقات نقاش و ندوات و مؤتمرات .. بحيث يكون الهدف من هذا كلّه، التعرّف على شكل الحياة على الأرض بعد ربع قـرن .. على أن يتم هذا، قبل أن نتكلّم كلمة واحـدة عن التعليم و المناهج و الوسائل التعليمية .
و قلت للوزير " إذا حدث هذا، فستكون قد أسديت أكبر خدمة، ليس فقط للتعليم، بل لمستقبل مصر كلّها " .
للتاريخ، كان د. فتحي سرور واسع الصدر إزاء تعليقاتي على جهوده في التعليم، بل كان في بعض الأحيان يرسل إلىّ خطابا شخصيا، يبدي فيه تقديره لجهدي، و يشرح فيه وجهة نظره فيما اختلفت معه حوله . و أشهد أن نقدي للوزير لم يتحوّل يوما إلى خصومة، بعكس ما حدث مع من تولى المسئولية بعده، دكتور حسين كامل بهاء الدين، و الذي استخدم كلّ ما تحت يديه من أسلحة ضغط ـ شريفة و غير شريفة ـ للنيل منّي .. لكن هذا له حديث آخر، يأتي وقته بعد أن يحين موقعه في الحدوث .
و إلى الرسالة التالية لنرى واقعة ساخنة للصدام بين الفكر و السياسة