الثلاثاء، يناير ٠٨، ٢٠٠٨

انتبهوا : اقتصاد جديد .. لمجتمع جديد

في اقتصاد مجتمع المعلومات

" الحيازة " مكان الملكيّة الخاصّة


في ظل الإدارة الذاتية و المشاركة ، الضروريتان في اقتصاد مجتمع المعلومات، ما هي المؤسّسات أو المنشآت المناسبة قانونا لهاتين الخاصّتين، في مكان مؤسّسات الملكيّة الخاصّة التي سادت المجتمع الصناعي ؟ . يقول المفكّر الياباني كاورو ياماجوشي " كما قامت الحياة الصناعية على مضمون الملكية الخاصّة، في مقابل الملكية الجماعية، سيقوم مجتمع المعلومات على مضمون ( الحيازة )، في مقابل عدم الحيازة . لكن، بماذا تختلف الملكيّة الخاصّة عن الحيازة ؟ " .
الملكية الخاصّة، تشير إلى الحقّ المطلق لوضع اليد على أملاك، عبر الزمان و المكان . مثال ذلك، أنّه بإمكاننا أن نمتلك شركة في دولة أجنبية، حيث لا نعيش، و أن نتحكّم فيها حتّى بعد وفاتنا، من خلال ما نوصي به . و قد أتاحت الملكية الخاصّة ـ بهذه الطريقة ـ رسم حدود زائفة بين الملكية الفردية و ملكية الدولة .
و في الجانب الآخر، تشير " الحيازة " إلى الحقّ الخاص بالتصـرّف في الممتلكات، للذين هم في حالة إدارة حقيقية لها، و من ثمّ الذين يشاركون فيها . و بكلمات أخرى، الحيازة هي ملكية خاصّة محكومة بزمن و مكان معيّنين . على سبيل المثال، لا يمكن لحملة الأسهم أو أصحاب رأس المال أن يطالبوا بأرباح من الشركة التي يملكونها قانونيا، إلاّ إذا كانوا داخلين فعلا، و بأنفسهم، في أنشـطة الإدارة و الإنتاج بالشركة .


المبادئ الثلاثة للحيازة


المقتضيات المؤسّسية للحيازة، في حالة الوحدات الإنتاجية، يمكن إن تعتمد على المبادئ التالية :
المبدأ الأوّل : الحيازة الأتوماتيكية لوحدة الإنتاج في زمن المشاركة . و هذا يعني، أنّه عندما ينضمّ العاملون المشاركون إلى المؤسّسة الإنتاجية، يصبحون بشكل آليّ حائزين لهذه الوحدة الإنتاجية، و يشاركون في الإدارة الذاتية بشكل ديموقراطي . و من ثمّ، لا يمكن فصل أيّ عامل مشارك رغم إرادته .
المبدأ الثاني : انتهاء الحيازة أتوماتيكيا بمجرّد ترك العمل . فعندما يترك العامل المشارك وحدته الإنتاجية، يفقد حيازته فيها، كما يفقد صلاحية التحكّم في عملية الإدارة الذاتية من الخارج . و من البديهيّ، يتم فقد الحيازة في حالة الوفاة، أيّ لا يحق أن يورّث حيازته للآخرين، إلاّ إذا كانوا بذاتهم ملتحقين بالمؤسّسة .
المبدأ الثالث : حيازة الوحدات الإنتاجية، كبيئة و ملاذ و موطن . فكلّ فرد في الاقتصاد الجديد يحقّ له أن يخلق، أو يبحث بحرّية، عن أنسب ملاذ أو بيئة طبيعية، في إطار الحيازة . لكنّه من غير المسموح لأيّ فرد أن يكتسب منافع اقتصادية لمجرّد الحيازة في حد ذاتها . و بمعنى آخر، بيع الوحدات الإنتاجية في ظلّ هذا المبدأ، ليس أكثر من تغيّر في شكل الحيازة، دون دفع أيّ مال، و من ثمّ تصبح الوحدات الإنتاجية ـ كسلع مادّية ـ بصفة دائمة ذاتية الإدارة، تتراكم و تنمو أو تنهار و تتبدّد، على أيدي الحائزين الجدد . و على هذا، فليس من الممكن للعامل المشارك أن يحصل على منافع اقتصادية إلاّ من خلال الإنتاج، و صافي التدفّقات ( أي بالاستهلاك و استثمار البضائع )، و لكن ليس عن طريق تبادل ملكية الأسهم، أو تبادل ملكية وحدات الإنتاج .


إعادة توحيد ما انفصل


التكنولوجيا الميكاترونية ( الميكانيكية ـ الإلكترونية )، و المنشآت القائمة على الحيازة، في الاقتصاد الجديد، ستجتثّ أساس عمليات الانفصال الأربع التي أقامها عصر الصناعة، و لنر كيف سيتم التوحّد :
أولا : المؤسّسات الرأسمالية المخطّطة، ستتلقّى ضربة من وحدات الإنتاج القائمة على الإدارة الذاتية، من خلال المنافسة في السوق . و هذا يعني بالتبعية إعادة توحيد العمّال و الإداريين و أصحاب رأس المال، في ظلّ الإدارة الذاتية .
ثانيا : وفقا لهذا التنظيم، سيصبح التمويل الذاتي وسيلة سائدة لرفع الموارد المالية، و من ثمّ فإنّ الذين يتّخذون قرارات الاستثمار، سيكونون هم الذين يتّخذون قرارات الادّخار، و هكذا يعاد توحيد المستثمرين و المدّخرين .
ثالثا : مع بدء مشاركة المستهلكين في عملية إنتاج البضائع/ و التي يتمّ إنتاجها حسب الطلب، ستتحقّق عملية إعادة التوحيد بين المستهلكين و المنتجين . و قد يتأخّر هذا الجانب من التوحيد بشكل نسبي، كما قد يظلّ جزئيا، إلى حين أن يتحقّق الاكتفاء الذاتي للمجتمعات .
رابعا : من خلال عمليات التوحيد الثلاث السابقة، و في إطار منشأة الحيازة، سيبدأ الناس في اعتبار أنفسهم جزءا لا يتجزّأ من الطبيعة . و سيسعون إلى العيش في وفاق معها . ممّا يساعد على تحقيق التوحّد بين الإنسان و الطبيعة .


اقتصاد جديد لمجتمع المعلومات


في ختام تحليله هذا، يدعونا ياماجوشي إلى تصوّر اقتصاد تنتهي فيه عمليات الانفصال الأربع، وتختفي فيه الطبقات العاملة و الرأسمالية، و يبدأ فيه كلّ أفراد المجتمع، بل و أبناء العالم، في "حيازة" ممتلكاتهم و وحداتهم الإنتاجية، و هم يتشاركون في هذا كلّه مع الآخرين . و نتيجة لهذا، من المتوقّـع أن يختفي سوق العمالة، باعتباره سوقا للاستغلال . كذلك سيختفي معه مضمون الأجور و الإنتاج .
سيبدأ ـ بعد ذلك ـ كلّ أعضاء المجتمع، و العالم، في تطبيق الإدارة الذاتية داخل الوحدات الإنتاجية، و في اتّخاذ قراراتهم بالنسبة للادّخار و الاستثمار و الاستهلاك، بطريقة تعاونية ديموقراطية . و سيشيع انتشار من يطلق عليهم ياماجوشي تعبير " العمّال المستهلكون و التعاونيون في عملهم " . سيمارس هؤلاء الإدارة الذاتية لأموالهم، أيّ يدّخروا ليستثمروا، ممّا ينهي ما عرفناه من أسواق رأس المال النقدي، التي شاعت في الاقتصاد الرأسمالي . و لا يبقى لنا سوى الأسواق المالية للمقرضين والمقترضين، التي تعمل على المال الداخلي . و إن كان من المتوقّع أن تبقى الأسواق السلعية، و لكن بشكل جزئي .


لماذا هو أفضل ؟


هذا النوع من الاقتصاد، يمكن أن يعمل بشكل أفضل من الاقتصاد الرأسمالي لسببين :
· أوّلا، لأنّه يتمتّع بتوازن طويل المدى، الأمر الذي تفتقده الاقتصاد الرأسمالي، إلى حدّ بعيد .
· ثانيا، لأنّ هذا الاقتصاد المتوازن على المدى البعيد، يحقّق العدالة الاجتماعية التي تحدّث عنها ماركس، بمعنى انعدام استغلال العمّال المشاركين، من خلال الأسواق النقدية . و ينهي في الوقت نفسه استغلال أصحاب رأس المال للعمّال في ظلّ النظام الرأسمالي، وفقا لمنطق قيمة العمل و من هذا المنطلق تتحقّق العدالة في توزيع الدخل .
لقد عرف عصر الصناعة العديد من المشاكل الجادّة، اقتصاديا و اجتماعيا و بيئيا و عالميا، مثل البطالة و الاستغلال، و عدم عدالة توزيع الدخول، و الكساد و التضخّم، و تركيز رؤوس الأموال، والعنف و الجريمة ، و التفرقة بين البشر على أسس وراثية كالعرق و اللون و الجنس و العمر، و على أسس سلفية كالدين و العقيدة و الثقافة و اللغة، و مثل البيروقراطية و تخريب البيئة، و الفقر في الدول النامية، و الصراعات العالمية القائمة على المصالح الدولية و التناقضات الأيديولوجية، و مثل التهديد النووي و سباق التسلّح . عرف عصر الصناعة كلّ هذه المشاكل، و فشل في حلّها كلّ من اقتصاد السوق، و الاقتصاد الاشتراكي المخطّط .. فهل نجد بين من يعتبرون أنفسهم قيادات اقتصادية عندنا من يسعى إلى فهم هذا، و الاستفادة منه ؟ .