السبت، سبتمبر ٢٢، ٢٠٠٧

الوهم الثامن و الأخير

(8)مهرجان ديموقراطي جماهيري

من الأوهام الشائعة، و التي تسندها طبيعة ديموقراطية التمثيل أو التوكيل التي شاعت في عصر الصناعة، إمكان أن تنوب الصفوة عند القمّة عن الشعب في وضع الرؤية المستقبلية لذلك الشعب .
تعتمد الرؤية المستقبلية لمصر على أمرين :
· فهم مؤشّرات التغيير العالمية السائدة، و تصوّر مستقبلها من واقع علاقات التأثير المتبادلة بينها .
· فهم الخريطة الحالية للمجتمع المصري، بكل ما يمكن من دقّة و صدق و أمانة .. أي فهم الأرض التي نتحرّك فوقها، و النقاط الواقعية التي سنتحرّك منها إلى المستقبل .. و الخريطة المجتمعية المطلوبة، يجب أن تحدّد بكلّ دقّة التوزيعات المجتمعية على أرض مصر، و مدى تأثير قيم و مبادئ و عقائد المجتمع الزراعي، و المجتمع الصناعي، و مجتمع المعلومات، على البشر في مصر .
و إذا كنّا حتّى الآن نأخذ بشكل ديموقراطية التمثيل النيابي، بقدر ما تسمح به ظروف الحكم و صراعات القوى، و التي تعني توكيل بعض البشر عن جماهير الشعب في اتّخاذ القرارات التي تؤثّر على صميم حياة هذه الجماهير .. إذا كنّا نرضى بهذا في مجريات أمورنا اليومية، فليس من الجائز أن نسمح به عند وضع الرؤية المستقبلية لمصر، التي يفترض أنّها ستعيد صياغة مصير الأجيال الحالية و القادمة .
الرؤية المستقبلية لمصر، يجب أن تقوم على الأحلام الواقعية لجماهير الشعب، بمختلف فئاته و طبقاته وعقائده .. و هذا يعني أن بداية جهد وضع الرؤية المستقبلية لمصر يجب أن يتزامن مع جهد التحوّل من ديموقراطية التوكيل إلى ديموقراطية المشاركة، و ربما إلى الديموقراطية التوقّعية .. المهم، أن تتحوّل عملية رسم أبعاد الرؤية المستقبلية لمصر، إلى مهرجان ديموقراطي جماهيري، و لا يقتصر وضعها على الصفوة عند قمّة الهرم المركزي .

الأربعاء، سبتمبر ١٩، ٢٠٠٧

الوهم السابع


(7) علاقات متبادلة بين المتغيّرات

بعض المهتمّين بالدراسات المستقبلية، يعتمدون في دراساتهم على رصد تغيّر واحد أو مجموعة تغيّرات، دون السعي إلى فهم العلاقات متبادلة التأثير بين هذه المتغيّرات . و هذا التخوّف من النظرة الأعمق يعتبر نوعا من الكسل الذهني المعيب . و السعي إلى تصوّر رؤية مستقبلية لمصر، يقتضي المضي إلى ما هو أعمق من مجرّد مراقبة و متابعة المؤشّرات العالمية للتغيير . و الحقّ يقال، أن هذا الوهم لا يقتصر على المفكّرين المصريين أو العرب، بل يشمل العديد من المفكّرين في أنحاء العالم .
و خير مثال كلاسيكي لهذا الوهم الخاطئ، نجده في حصيلة اجتماعات نادي روما عام 1970، التي جرت تحت لافتة " مأزق البشرية "، الذي صدر عنه الكتاب الشهير " حدود للنمو " . و نادي روما، هو تجمّع لعدد مختار من صفوة العلماء و المفكّرين من دول مختلفة، و من مختلف التخصّصات، تدعمه ميزانيات كريمة من المؤسسات الاقتصادية الكبرى . في اجتماع النادي الذي تمّ في صيف 1970، بحث الأعضاء خمسة عوامل أساسية تحدّد مستويات النمو على كوكبنا : عدد السكان، و الإنتاج الزراعي، و الموارد الطبيعية، و الإنتاج الصناعي، و تلوّث البيئة . و قد اعتمد الباحثون في دراستهم لمستقبل كل عامل من هذه العوامل على الربط بين الكمّ الهائل من المعلومات حول هذا الجانب، و بين الإمكانات المعلوماتية الحديثة، كالمنهج العلمي، و تحليل النظم، و أحدث نظم الكمبيوتر .
رغم المكانة العالية للباحثين الذين ساهموا في وضع ذلك التقرير، و رغم علمية و دقة الأدوات التي اعتمدوا عليها في الرصد و استنباط مستقبل الظاهرة بمد الخطوط الخاصّة بنموّها، فإن النتائج المتشائمة التي توصّل لها هذا التقرير ترجع إلى دراسة كل عامل من العوامل، بمعزل عن العوامل الأخرى .
و مع أن التقرير يتحدّث عن العلاقات المتبادلة بين مختلف العناصر، إلاّ أنّه اعتمد أساسا على عملية مد الخطوط البيانية رياضيا، ممّا خلق تلك النظرة المتشائمة للتقرير . فالثابت أنّنا لا نستطيع أن نفهم مستقبل أيّة ظاهرة من الظواهر، دون أن نربط بينها و بين باقي الظواهر المؤثّرة، و دون معرفة التأثير المتبادل بينها .

آثار تكنولوجيا المعلومات

لكي يتّضح معنى ما أتحدّث عنه، يمكن أن نعطي مثالا على التأثير المتبادل، للعلاقة بين التكنولوجيا المعلوماتية، و العمل، و الأسرة، و التعليم، و تخطيط المدن، و وسائل الانتقال .. إلى آخر ذلك .
تطوير الكمبيوتر خلال نصف القرن السابق، قاد إلى تغيير مستقبل عدّة مجالات في حياتنا، و تأثّر هو أيضا بهذه التغيّرات . تطوير الكمبيوتر، قاد إلى تطوير الإنسان الآلي ( أو الروبوت )، و هذا قاد إلى تغيير طبيعة العمل في المصنع و المكتب، و واجهت العمالة التقليدية لعصر الصناعة أزمة بطالة حادّة بشيوع العمل العقلي أو المعرفي مكان العمل العضلي .
هذا التحوّل في طبيعة العمل، مع التطوّر المتلاحق في التكنولوجيات المعلوماتية، مع القدرات التي أتاحتها وسائل الاتّصال المتطوّرة عن طريق أقمار الاتّصال الاصطناعية، كل هذا جعل من الممكن أن يمارس العديد من العاملين عملهم، دون الاضطرار إلى التواجد جسديا في المقرّ المركزي للعمل، و خلق فرصاإيجابية جديدة للأسرة و المرأة و الطفل، و استوجب إعادة النظر في الإسكان و في وسائل الانتقال . و قاد هذا أيضا إلى ضرورة تغيير الأسس التي قام عليها التعليم التقليدي طوال عصر الصناعة .
لهذا، نخطئ إذا ما تصورّنا أن بإمكاننا أن نرسم صورة لمستقبل النشاط الإسكاني ـ عل سبيل المثال ـ دون أن ندخل في اعتبارنا طبيعة العمل في المستقبل، و نوع التعليم الذي سيسود مستقبلا . رسم الرؤية المستقبلية، لأيّ نشاط، يجب أن يقوم على أمرين : فهم العوامل المؤثر’ و التغيّرات التي تطرأ على ذلك النشاط، ثمّ فهم العلاقات متبادلة التأثير بين هذه العوامل و المتغيّرات .
و إلى الرسالة التالية لنطرح الوهم الثامن .. و الأخير