الخميس، نوفمبر ٠١، ٢٠٠٧

اقتصاد جديد لمجتمع المعلومات


العمالة الجديدة تسقط البيروقراطية
لغة جديدة للحديث عن العمل و العمالة .. هل نعرفها في مصر؟

نقرأ في صحفنا عن الخطط التي توضع في مجالات العمالة و الإنتاج، يضعها الخبراء و الإخصائيون، أصحاب التاريخ المشهود في هذه المجالات . و المشكلة هي أن هؤلاء الخبراء يقيمون خططهم على ما كانوا قد درسوه و خبروه، و الذي يقوم على الواقع التقليدي لعصر الصناعة، و ليس على ما نواجهه حاليا، أعني بذلك الواقع المختلف لعصر المعلومات . و حتّى أولئك الذين يعرفون مقتضيات الواقع الجديد، يعجزون عن الخروج عن الخط التقليدي بمبادرات فرديّة، تتناقض مع التوجّه العام للدولة . الثابت، أن اللغة التي يتحدّثون بها عن العمل و العمالة و البطالة لغة منقضية، نسختها لغة جديدة نابعة من المعاني الجديدة لهذا كلّه، في انتقالنا إلى مجتمع المعلومات .
فمن بين الابتكارات الهامّة لعصر الصناعة، مبدأ إمكان استبدال العامل بآخر، بالضبط كما يستبدل ترس بآخر في آلات المصنع . لقد نظر عصر الصناعة إلى العمّال نظرته إلى قطع الغيار . وقد كان هذا المبدأ مصدر الكثير من الضعف النسبي للطبقة العاملة الصناعية . فطالما أن العمل بطبيعته لا يحتاج إلاّ إلى مهارات محدودة، فمن الممكن تدريب العامل البديل خلال دقائق معدودة، على العمل الجزئي البسيط الذي سيقوم به . لكنّ الأمر يختلف تماما مع انتقالنا إلى مجتمع المعلومات .

المحتوى المعرفي للعمل

مع دخولنا إلى عصر المعلومات، يصبح المحتوى المعرفي لكل الأعمال مرتفعا، و تصبح الوظائف أكثر تفرّدا و تميّزا، و من ثم تصبح إمكانية استبدال العامل بآخر أقلّ . و في هذا يقول الاستشاري جيمس وبر، نائب رئيس مجموعة إندكس، " يصبح العمّال العقليّون أقلّ صلاحية للاستبدال يوما بعد يوم . كما أن الآلات يصبح استخدامها مختلفا من عامل لآخر . فأيّ مهندس يستخدم الكمبيوتر بطريقة تختلف عن الذي يليه، و أيّ خبير من خبراء تحليل السوق تكون له طريقته في تحليل الأشياء المختلفة عن طريقة أيّ خبير آخر " .
كما بقول مسئول كبير في مشروع مهمّ من المشاريع الدفاعية الأمريكية " منذ سنوات، كان كلّ شخص يقوم بالشيء نفسه، و اليوم يختلف الأمر . حاليّا، عندما نفقد شخصا، فإنّنا نحتاج إلى ستّة أشهر لتدريب شخص آخر، حتّى يفهم نظام عملنا . و لأنّ العمل عندنا يقوم على نظام مجموعات العمل، فعندما نطرد عاملا نخاطر بأن تنخفض كفاءة المجموعة كلّها " .

حتميّة الابتــكار

اختفاء العمالة الصناعية التي يتصبّب فيها عرق العامل، و سيادة العمالة العقلية، يقتضي تحقّق أمران أساسيّان : حتميّة الابتكار .. و حتمية التسارع . و هذا يحدث انقلابا في ما استقرّت عليه الأوضاع في مجالات العمل .
والعامل الحرّ، يميل أن يكون أكثر ابتكارا في عمله، قياسا على ذلك الذي يعمل تحت رقابة محكمة، و في ظروف تسودها سيطرة الرئاسات . وهذا يقتضي علاقات قوّة مختلفة تماما بين الرئيس و من يعملون معه، و يعني ـ من بين أشياء أخرى ـ أن تتحمّل القيادة الأخطاء الذكيّة، التي قد تقع نتيجة للسعي إلى الابتكار .
حتميّة الابتكار في مجالات العمل، لا تقتصر على الأعمال المتّصلة بالكمبيوتر و الإلكترونيات، لكنّها تتّسع لتشمل كلّ شيء، من نشاط التأمين إلى الرعاية الصحّية إلى الرحلات السياحية . فالتنافس يقود إلى تمزيق كلّ ما استقرّ من أوضاع النشاط الاقتصادي، بالاعتماد على سلاح الابتكار .

التسارع كمبــدأ

طبيعة مجال العمل في عصر المعلومات، تحض أيضا على الأخذ بحتمية التسارع كمبدأ . لقد أصبح واضحا للجميع أن الاقتصاديات المتطوّرة تتسارع بلا توقّف . و في بيئة العمل الجديدة، لا يكفي الاعتماد على الابتكار، فرجل الأعمال أو صاحب الشركة يكون عليه أن ينزل بإنتاجه الجديد المبتكر إلى السوق بأسرع ما يطيق، قبل أن تسبقه شركة منافسة أو تسعى إلى تقليده .
ضغط التسارع، يقود إلى الإقلال من أهمّية سلسلة الأوامر البيروقراطية الثابتة المحدّدة . فالشبكات الإلكترونية الجديدة، تيسّر الاتّصال العلوي و السفلي و الجانبي في المؤسّسة . و هذا يتيح للعاملين أن يتجاوزوا المستويات الخاصّة بتسلسل الرئاسات .
نظام العمل الجديد الذي نتحدّث عنه، سيجتاح ـ بعد قليل من الوقت ـ جميع القطاعات الاقتصادية، و يشيع الاستقلال الذاتي للعاملين، القادرين على الوصول إلى المعلومات .

عدالة توزيع المعرفة

خلال عصر الصناعة، كان موضوع معاملة العاملين بشكل أكثر إنسانية، لا يحظى بأيّ اهتمام . ومرجع ذلك إلى سيادة التكنولوجيات الفظّة، التي كانت تعطي ثمارها بشكل أفضل كلّما كان العامل أكثر جهلا، و من ثمّ أقلّ قوّة .
أمّا اليوم، فيطالب العمّال بالمزيد من وسائل الحصول على المعلومات، و تتصاعد مطالبهم هذه يوما بعد يوم، لأنّهم لا يستطيعون القيام بأعمالهم، على مستوى الكفاءة المطلوب، بدون هذه المعلومات .
و هذا يعني أنّنا نتحوّل من المطالبة بعدالة توزيع الثروة، إلى عدالة توزيع المعلومات و المعارف . باعتبارها ضرورية للعامل حاليا، نتيجة لاشتراطات السوق الجديدة، و التكنولوجيات الجديدة التي دخلت سوق العمل . و لا يجب أن يغيب عن بالنا، أن عملية إعادة توزيع المعلومات، في وقتنا هذا، تعني إعادة توزيع السلطة و النفوذ و القوّة .

من أمريكا إلى اليابان

تقول النيويورك تايمز، نقلا عن تشارلز إيبرل، نائب رئيس مجلس إدارة بريكتور آند جامبل " مع تقليد برامج الكمبيوتر للمهارات التي أتاحت للمديرين طويلا مكانتهم الخاصّة، أصبح بإمكان العاملين في المستويات الدنيا للعمل أن يقوموا بأعمال كانت مقصورة من قبل على المديرين التنفيذيين . إنّنا نشهد فجاة، و صول المعلومات إلى الناس الذين يديرون الآلات، بما لا يجعلها حكرا على شخص أو شخصين عند قمّة تسلسل الرئاسات . و لم يقدّر الرؤساء عند القمّة قوّة هذه المعلومات، إلاّ عندما وصلت إلى أيدي العمّال .. و بعدها، بدأت مقاومتهم العنيفة " .
و يقول الخبير الياباني تيرويا ناجاو في هذا الصدد " هذه الفكرة تتجاوز الكثير من الافتراضات المثالية، لنموذج العلاقات البشرية داخل المؤسّسة، و التي كانت تحضّ القيادات على إشعار العاملين أهمّيتهم . الآن، تتمّ مطالبة العاملين ـ صدقا ـ بأن يكونوا مهمّين " .

قبل أن نضع الخطط

هذه هي بعض ملامح النظام الجديد للعمل و الإنتاج، فهل يا ترى ندخل هذا في اعتبارنا و نحن نضع خططنا، و نصدر قراراتنا ؟ .
التغيرات التي طرأت على مجال العمل في الدول المتطوّرة، قد لا نلمسها الآن عندنا بهذا الوضوح . لكن الذي لا شك فيه، أنّنا سنواجهها في القريب العاجل . هذه التغيّرات تمسّ علاقات القوّة داخل المؤسّسة و خارجها، و تحدث ثورة في توزيع المعلومات، التي هي الثروة الأهمّ في عصرنا . و هي تسقط النظم الإدارية التقليدية التي مازلنا نأخذ بها، أعني بذلك بيروقراطية التسلسل الهرمي، التي نعتمد عليها حاليا في كل شيء، في الحكومة و الوزارات و النقابات و الجيش و الشرطة، بل و في المؤسّسات الاجتماعية و الثقافية أيضا .

و في الرسالة القادمة، نرى أثر مبدأ التنوّع عل المجال الاقتصادي .