الاثنين، أغسطس ١٨، ٢٠٠٨

الديموقراطية .. و الإعلام

حقيقــة الذي حـــدث

ديموقراطية سبيلها الإعلام

لم يعد ممكنا أن نستمر في وصايتنا على المعلومات و المعارف التي يسعى إليها الفرد، و التي يحتاجها في فهم ما يجري، و في الحكم على أداء المؤسّسات التي تدير حياته . لم يعد ممكنا أن تخفي الإذاعة خبرا، أو يمنع التلفزيون صورة، فموجات الأثير تطن بجميع الأخبار و الصور الحقيقية بلا تزيين أو تزييف . علينا أن نجعل إذاعتنا و تليفزيوننا أكثر صدقا و أقل تعبيرا عن إرادة القيادات الحاكمة .
لم يعد ممكنا أن تفرض الصحف و المجلات الحكومية ( التي نسمّيها كذبا بالقومية ) خبرا أو رأيا، و إذا كانت قوانين النشر تمنع ظهور الأكثر من الصحافة الخاصة، المعبرة عن توجّه الفئات و المجموعات الأقل عددا، و إذا كانت بعض المنشورات الخاصّة تمارس نفس التلاعب الذي تعمد إليه الصحف الحكومية، فبعد هذا و ذاك، هناك مواقع الإنترنيت على شاشة الكمبيوتر، التي أصبحت اللعبة المفضلة لجيل كامل متمرّد، لا نعلم شيئا عن توجّهاته و عقائده . و إذا كان رؤساء تحرير الصحف الحكومية ما زالوا يتحدّثون عن الديموقراطية، و يمارسون السيطرة على أجهزتهم و قرّائهم، إرضاء للحكومة، فالتغيّرات و التحوّلات نحو مبادئ عصر المعلومات، و ما تقتضيه ديموقراطية هذا العصر، لن تسمح باستمرار هذا الوضع غير الديموقراطي .

هواية مهاويس الكمبيوتر !

عندما أقول أن التكنولوجيات المعرفية تغيّر نظم حياتنا الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، يتصوّر البعض أن هذا نوع من المبالغة .. و لكي أثبت هذا لهؤلاء المتشكّكين، سأطرح واقعة معاصرة، تحدث حاليا في أكثر الدول تباهيا بالحرّية، و بالتحديد بحريّة إعلامها، أقصد الولايات المتحدة الأمريكية .
دراسة هامّة في موقع على الإنترنيت، اسمه " حقيقة الذي حدث " . و كان عنوان الدراسة الطويل يقول " الخطأ الذي وقع فيه بوش، حول فهمه لتأثير الإنترنيت " . و تقول الدراسة، أن التاريخ سيسجّل، على الأرجح، أن الخطأ الأكبر الوحيد الذي وقعت فيه آلة الحرب التابعة لبوش، كان إقلالها من شأن الإنترنيت . إنّهم لم يفهموا الإنترنيت، أو ثقافة الإنترنيت، أو بعدها الاجتماعي .. و الأهم من هذا، لم يفهموا كيف أن استخدام الإنترنيت قد حوّل الأمريكيين، من مجرّد مستقبلين للمعلومات الإذاعية، إلى مشاركين نشطين و ناقدين في العملية الإعلامية .
كان الاعتقاد السائد، هو أن أخبار الإنترنيت هي مجرّد هواية، يمارسها (مهاويس) الكمبيوتر، ليستقبلها (مهاويس) آخرون، و هو أمر لا أهمية له . لم يعرف بوش و لا صحبته من الرجعيين الجدد ماذا يفعلون فيما يتّصل بالأنترنيت، و هكذا قادتهم تمنياتهم إلى اعتبارها غير مهمة . لكنّهم كانوا مخطئين .

قرضاي ..و زالماي !

بينما كانت قياسات الرأي العام تفيد أن العدد الأكبر من الجمهور ما زال يستمد أخباره من أجهزة التلفزيون، بأكثر ممّا يستمدّها من الإنترنيت، إلاّ أن الهامش أخذ في التناقص . و لم تشر قياسات الرأي تلك إلى أن أولئك الذين يشاهدون التلفزيون، لم يعودوا يرتبطون عقليا بفيض الأخبار المطروحة عليهم، و يستسلمون لها. هذا بالإضافة إلى أن جمهور الإنترنيت كان نشطا في نقل الأخبار إلى أولئك الذين ليست لهم علاقة بالإنترنيت .
و قد حدث بعد سقوط أفغانستان، أن قام هواة الإنترنيت بنقل أخبار تفيد أن الرئيس الأفغاني ( اللعبة ) الجديد، حامد قرضاي، و المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان زالماي خليل زاد ( الذي خلف بريمر في العراق)، شكّلا معا جانبا من مجموعة العمل الخاصّة بإحدى شركات البترول، و التي أوصت الكونجرس عام 1998 بإجراء تغيير في نظام الحكم الأفغاني، من أجل تسهيل إنشاء خط أنابيب بترول . وسائل الإعلام الرئيسية لم تشر أبدا إلى هذه الحقيقة، بينما فعل ذلك أصحاب المواقع على الإنترنيت . و عندما شعر المواطن الأمريكي أن هناك من الأشياء التي تحدث في العالم، ما لا ينبئه به التلفزيون، بدأ في هجر التلفزيون و الاعتماد على الإنترنيت كمصدر للأخبار .

الحكومة تفقد احتكارها

عندما بدأ ظهور الخطر، شمّرت الحكومة و وسائل الإعلام التابعة (مثل فوكس ) عن ساعدها، و راحت تحذّر الأباء من أن الإنترنيت هو أداة إفساد الأبناء، و جرى دفع الأموال لمؤسسات العلاقات العامة، لتغطية و تكذيب أخبار الإنترنيت. و تقول الدراسة " لقد حدث شيء غريب .. فبعكس ما يحدث في التلفزيون أتاح الإنترنيت للأفراد الذين عاشوا على المعلومات الخاطئة ، وصولهم إلى المعلومات الحقيقية .. لهم .. و للعالم أجمع .. و فورا " .
فجأة، سقطت القاعدة القديمة التي تقول " ما تقوله الحكومة، يصدّقه الجمهور " . لقد فقدت شبكات التلفزيون الرئيسية احتكارها، وتحكّمها فيما يتدفق من معلومات . أصبح الجمهور قادرا على أن يقرر بنفسه ما الذي يستحق التصديق .
و عندنا .. مع كلّ هامش الحرية، الذي يتكرّر الحديث عنه، في اللقاءات الرسمية للحكومة و الحزب الوطني، ما زال إعلامنا يمضي وفق قواعد إعلام حكومي معدوم الشفافية.. فاقدا مصداقيته، بعد وصول التكنولوجيات المعرفية إلى أيدي أعداد متزايدة نشطة من الشباب المتعلّم . . و خير دليل على ذلك ما حدث في إضـراب 6 إبريل 2008، و الذي فضح موقف النظام المصري و سنده الوحيد الباقي، قوات الأمن المركزي، بعد فشل إعلامه الرسمي .

* * *

الإعلام المتّسم بالشفافية، و الذي يتيح للفرد الوصول إلى المعلومات و المعارف التي يريدها، في الوقت الذي يريدها فيه، هو الذي يسمح له أن يعلم .. و التعليم القائم على التفكير الناقد و الابتكاري في مكان التلقين، هو الذي يتيح له أن يفكّر و يختار، و يمارس الأشكال الديموقراطية النابعة من طبيعة مجتمع المعلومات .

و إلى الرسالة التالية، لنرى الأهمية الكبرى للمجتمع المدني، كأداة لتحقيق الديموقراطية .