الخميس، أغسطس ١٣، ٢٠٠٩

الأمن .. و الخوف من المستقبل


هل أكتب للورثـــة ؟ !
خطاب أمن الشئون المضحك


بعد انقطاع طويـل، جمعني حفل بالصديق أحمد رجـب، الجرّاح الساخر، و لا أقول الكاتب الساخر . بعد العناق و تبادل كلمات الترحيب، انتحى بي جانبا و تسـاءل بجدّية و بدون سخرية، " أنت تكتب و تتحدّث عن المستقبل لعديد من السنين، و أعجب لمواصلتك هذا، رغم ما تلقاه من استجابة ضعيفة .. قل لي : لمن تكتب ؟، و من الذي تتوجّه إليه بحديثك ؟ "، أجبت بدون تفكير " أكتب للورثة ! .." . اعتبرها أحمد رجب نكتة فضحك عاليا، و حقيقة الأمر أنني لم أكن أسعى إلى منافسـته في السخرية و التنكيت، و كنت جادّا في قولي هذا .. أنا لا أعيش في وهم، و أعرف أبعاد المقاومة التي يمكن أن يلقاها أيّ توجّه مستقبلي، في مصر و في معظم دول العالم الثالث، لهذا كنت ـ و ما زلت ـ أقول " فليكن حديث المستقبل إلى أهله، إلى الشباب و الأجيال الجديدة .. أصحاب المستقبل، الذين سيسعدون بنعيمه، أو يصلون جحيمه .. " .
و مع ذلك، فقد أتاحت لي كتاباتي و أحاديثي أن ألتقي بعدد من أصحاب العقول المستنيرة، الذين يؤمنون بضرورة استشراف المستقبل، و أهمّية التفكير المستقبلي عند التصدّي للمشاكل التي تتكاثر في حياتنا . لقد كنت حريصا على فتح صفحات باب " مستقبليات " لكل من يريد أن يساهم برأيه، بل كنت
أطلب هذا في كثير من الأحيان .. ذلك لأنّني كنت في أشدّ الحاجة إلى حوار صادق ذكي تنضج عليه أفكاري، و يزداد وضوحها في عقلي و عقول الآخرين .

آفـــاق 21

كانت مشكلتي منذ الصغر أنني لست جماهيريا بطبيعتي . أميل إلى القراءة و الكتابة منفردا، و تكون صلتي بالناس من خلال الكتب التي تنشر لي . كانت دائرة أصدقائي دائما محدودة، تتكوّن صداقاتي بصعوبة و بعد فترات اختبار طويلة، لكنّها تكون باقية . لم يحدث أن دخلت في أي نشاط جماهيري، حزبي أو غير حزبي . لهذا، كانت محاولات تأسيس الجماعات المستقبلية تنبع من الزملاء الآخرين، و ليس منّي . بالرغم من رغبتي الشديدة في مجال للحوار المثمر المنظّم حول المستقبل .
لقد أشرت من قبل إلى محاولات الصديق د. رفعت لقوشة لتكوين نادي المستقبليات، و محاولات المهندس حلمي السعيد لتكوين جمعية المستقبل، و التي دخلت في طور التأسيس الرسمي، و التقدّم إلى وزارة الشئون الاجتماعية بطلب الموافقة على تأسيس الجمعية .. غير أن جميع هذه المحاولات تكسّرت عند أبواب وزارة الشئون الاجتماعية، و بيروقراطية موظّفيها، و عدم خبرتنا بالمسالك السرّية التي يمضي فيها العارفون ! . و أخيرا، بدأت محاولة أكثر نضوجا و تنظيما تحت اسم " آفاق 21 "، تبنّاها الصديق د. محمود جبريل، و قد انضمّ إلى هذه المحاولة مجموعة كبيرة من أصحاب العقول المستنيرة من المفكّرين المستقبليين، الذين تعرّفت على معظمهم من خلال مساهماتهم في باب " مستقبليات "، تعقيبا و إضافة إلى ما كنت أكتب عنه و أناقشه .. لقد تميّزت هذه المحاولة باشتراك بعض الشباب المتحمّس للفكر المستقبلي من الجنسين . و كان اختيار اسم الجمعية الذي سنتقدّم به إلى الجهات الرسمية ـ آفاق 21 ـ من اقتراح بعض هؤلاء الشباب . لقد جمعت هذه المحاولة بين عدة أجيال من المتحمّسين لمستقبل مصر و العالم العربي، فكان من الأعضاء المؤسّسين دكتور محمود محفوظ، الطبيب المتميّز في مجال العلاج بالأشعة، و الوزير السابق، و رئيس لجنة الخدمات بمجلس الشورى، و الأهم من هذا و ذاك المفكّر المستقبلي النشيط صاحب القدرات العالية في مجال التفكير الابتكاري .
و منذ البداية ساهم في هذه المحاولة الأخيرة دكتور رفعت لقوشة، المفكّر المستقبلي المتميّز، و الأستاذ بجامعة الإسكندرية، الذي شارك بحماس في جميع المحاولات السابقة، و الزميل الصحفي الكبير محمود المراغي، رحمة الله عليه، و الدكتور على نصّار مستشار معهد التخطيط القومي و الخبير بمنتدى العالم الثالث، و الأستاذ ضياء الدين زاهر بكلية التربية جامعة عين شمس و صاحب واحد من أهم المراجع في مستقبل التعليم ، و من الأجيال الصاعدة محمد شلبي و خالد نصّار و أمل صقر .

الوضوح لمواجهة البيروقراطية

قبل أن نضع الورقة الأساسية التي تتضمّن أهم نقاط نشاط الجمعية، و التي سنتقدّم بها إلى وزارة الشئون الاجتماعية، عقدنا اجتماعات طويلة متكرّرة، و أعددنا عدة أوراق مختلفة لنختار من بينها الجوانب الفعلية الأهـم و الأوضح من نشـاط الجمعية، دون أن نترك فرصة للفهم الخاطئ من جانب الجهاز البيروقراطي المختصّ بوزارة الشئون الاجتماعية .
بعد انقضاء المماحكات ..
مرّ عام بعد عام، و المراسلات لا تتوقّف بين الجمعية و الإدارة المختصّة بوزارة الشئون، و مماحكات النظام الحاكم لا تنتهي . ففي ذلك الوقت لم تكن حكاية المجتمع المدني قد خرجت بعد من نطاق الأفعال الفاضحة ! .. قالت الوزارة أوّل الأمر أنها قد غيّرت اسم الجمعية من " آفاق 21 "، إلى " الأفق القادم " ! .. لماذا ؟ .. لوجود جمعية بالسيدة زينب تحمل نفس الاسم !! .. فوافقنا . طلبوا تشكيل مجلس إدارة الجمعية، و توزيع الوظائف فيه .. ففعلنا، و قد أصرّ أعضاء الجمعية على اختياري رئيسا لمجلس إدارتها، مع رفض كلّ مبررات الاعتذار ..

و مرّ عام جديد

و في 6 يوليو 2003، وصلني بصفتي رئيس مجلس الإدارة، الخطاب العجيب التالي :
محافظة القاهرة
إدارة شرق م. نصر الاجتماعية
إدارة الجمعيات
السيد الأستاذ رئيس مجلس إدارة جمعية " الأفق القادم " .
تحية طيبة و بعد،
نتشرّف بأن نرسل لسيادتكم، طيّ هذا الملف الخاص بإشهار الجمعية، حيث أنه تم الموافقة على قيد شهر الجمعية برقم 5212 بتاريخ 18\6\2003، على أن يتم استبعاد السيد/ راجي عنايت إبراهيم، لاعتراض الأمن عليه برقم 16701 بتاريخ 18\6\2003 . و يتم انتخاب أحد الأعضاء المؤسسين بدلا من السيد/ راجي عنايت إبراهيم، أو يظل المجلس كما هو لحين عقد أوّل جمعية عمـومية، و يتم تشكيل هيئة المكتب من جديد . برجاء التفضل بالإحاطة و اتخاذ اللازم ..(!!!)
احترت في تفسير خطاب أمن الشئون الاجتماعية المضحك هذا .. و تساءلت ..هل يعقل أن يكون ضباط الأمن الذين اتخذوا ذلك القرار قد فهموا مدى خطورة الكلام الجاد عن المستقبل على النظام الحاكم في مصر ؟ ! .