الأربعاء، يوليو ١٦، ٢٠٠٨

ديموقراطية عصر المعلومات


الديموقراطية المطلوبة لمصر =
تعليم + إعلام + مجتمع مدني


ماذا عن مستقبل الممارسة الديموقراطية في مصر، و المطلوبة لصالح شعبها ؟ . من أين نبدأ المسيرة، وسط ركام التخلّف و الفشل و الفساد الذي يرتفع حولنا ؟ ..
الواجب العاجل الذي يدعونا أن نتجّه إليه، لمساعدتنا في التخلّص من الأفكار البالية، و الأوهام التي ما زلنا نتمسّك بها، و طرق الحياة الأثرية التي نعتقد في صلاحيتها .. هذا الواجب ينحصر في ثلاثة أركان رئيسية، يمكن أن يصلح جهدنا فيها كرأس حربة في اقتحامنا لعصر المعلومات، و مساعدتنا في تصميم الممارسة الديموقراطية التي تناسب واقعنا الحالي ..
الرؤية المستقبلية لمصر، التي يمكن أن تساعدنا في إعادة بناء كل شيء في حياتنا، بطريقة تنقذنا من الأخطاء التي أدمنّاها، و ترشدنا إلى كل ما يأخذ بيدنا لدخول عصر المعلومات . هذه الرؤية المستقبلية تقوم على أمرين :
أولا : وضوح الرؤية المستقبلية لمسار الجنس البشري في انتقاله من حياة المجتمع الصناعي، إلى حياة مجتمع المعلومات ( باعتبار أن هذا هو الهدف ) .
ثانيا : وضوح الخريطة الحضارية الراهنة لمصر، التي تكشف لنا بأمانة ( أين نقف ؟ ) .. و أعني بالخريطة الحضارية لمصر : إلى أي مدى ما زالت تسود حياتنا عقلية و ممارسات المجتمع الزراعي ؟، و ما حجم انتقالنا إلى الأخذ بعقلية المجتمع الصناعي ؟، و ما هو مدى اقترابنا من تخوم حياة مجتمع المعلومات ...
المحاور الأساسية للحركة :
المحاور الأساسية للحركة، التي يمكن أن تكون نقطة انطلاق سليمة، في عملية إعادة بناء حياتنا السياسية، أي إعادة بناء نظام ممارستنا السياسية، أي ديموقراطيتنا . هذه المحاور هي :
• التعليم .
• الإعلام .
• المجتمع المدني .

سنحاول فيما يلي أن نشرح هذه المعادلة التي طرحناها، و التي نعتقد أنها ستساعدنا في عبورنا إلى المستقبل .. بشكل سليم و آمن .. و قائم على الفهم المتكامل لحقيقة الحياة الجديدة التي يمضي إليها الجنس البشري .

أولا : التعليــــم

و لكي نتعرّف على النظم التعليمية الجديدة في مجتمع المعلومات، يجب أن نستفيد ممّا فعله بعض المفكرين لفهم تعليم عصر الصناعة .. أي أن نحدد مواصفات الإنسان المنسجم مع الحياة في عصر المعلومات، و الذي يستطيع الاستفادة من كلّ ما تتيحه الحياة في مجتمع المعلومات، ثم نبني على ذلك الأسس الجديدة للنظم التعليمية .
إنسان عصر المعلومات
إنسان عصر المعلومات ـ دون الدخول في الشروح المطوّلة ـ له صفاته المحددة التي تختلف عن صفات إنسان عصر الصناعة، أو الزراعة، و التي من أهمّها أنّه :
متفرّد، و غير نمطي :
بعد انقضاء جدوى النمطية التي أشاعها عصر الصناعة، و نتيجة لتدفّق المعلومات و المعارف، يصبح إنسان مجتمع المعلومات أكثر حرصا على تفرّده و ذاتيته، و لا يرضى أن يكون صورة مكرّرة للآخرين، قادرا على التعامل مع التكنولوجيات المعلوماتية التي تساعده على الاستفادة من تدفّق المعلومات، و الاستفادة منها .
قادر على تحصيل المعارف ذاتيا، و بشكل دائم :
مع تسارع المعلومات، و التغيرات التي تطرأ على المعارف، يستحيل أن يكتفي الفرد بتحصيل معارفه عند عمر معيّن، أو عند انتقاله من الدراسة إلى العمل، الأمر الذي كان سائدا في عصر الصناعة، لذلك فإن إنسان المستقبل يؤمن بأن الحياة عبارة عن سلسلة متعاقبة من التعليم و التدريب و العمل، ثم المزيد من التعليم، و إعادة التدريب . و هذا يقتضي أن يكون إنسان المستقبل مستعدا ـ في نفس الوقت ـ للاعتماد على نفسه، في ملاحقة المعلومات المستجدة، و ما يطرأ على العلوم و المعارف من تغيّرات، مستخدما التكنولوجيات المعلوماتية التي أصبحت متاحة للجميع .
ممارس للتفكير الناقد، قادر على الابتكار :
مع تغيّر أسس الحياة جذريا، لا يبقى شيء على حاله، و يكون على إنسان مجتمع المعلومات أن يعيد النظرـ دائما ـ في كل ما استقرّ عليه الرأي من قبل . و التفكير الناقد، يتيح التعرّف على الافتراضات التي قامت عليها الأفكار و النظريات و العقائد، لامتحان مدى استمرار صلاحيتها .. كما أنه يتيح الانتباه إلى السياق الذي نبعت من الأفكار المتداولة، لمعرفة مدى استمرار صلاحية ذلك السياق .
و نتيجة للتحوّل إلى العمل العقلي، أصبح على العامل أن يكون قادرا على : رصد المشكلة في عمله، و التفكير في حلول لها، و انتقاء الحل الأنسب و الأوفق، ثم تطبيق ذلك الحل، و التثبّت من صلاحيته .. هذا يعني أن الابتكار و التفكير الابتكاري أصبح سمة أساسية في نشاط إنسان مجتمع المعلومات .
إيجابي، و متعاون :
التنظيم الهرمي لتسلسـل الرئاسـات، الذي هو العمود الفقري للبيروقراطية .. هذا التنظيم الذي ما زلنا نأخذ به، رغم تناقضه مع احتياجات عصر المعلومات، كان يفرض على الفرد أن ينفّذ التعليمات الصادرة إليه من المستويات الأعلى منفردا ..لكن التنظيمات الإدارية الجديدة للعمل، على امتداد العالم المتطور، تحوّلت إلى تنظيمات جديدة، تعتمد على هبوط نسبة كبيرة من مسئولية اتخاذ القرار، التي كانت تنفرد بها القيادة، إلى الوحدات القاعـدية، متكاملة الخبرات، شبه مستقلة الأداء، حرّة الحركة تجرى اتصالاتها في جميع الاتجاهات . لهذا يجب أن يكون إنسان المستقبل إيجابيا، قادرا على المبادرة و على التفكير الخلاّق عند اتخاذ القرارات المتصلة بعمله، ناجحا في التعاون مع غيره من أفراد مجموعته، و مع المجموعات الأخرى، داخل مؤسسته و خارجها .
معتزّ بعقيدته، محترم لعقائد الآخرين :
مع اندفاع ثورة المعلومات، و التنوّع الكبير الذي سيطال البشر، إنسان مجتمع المعلومات لا يخجل من أفكاره و عقائده، الناتجة عن جهده في التفكير الناقد، معتزّا باختلافه عن الآخرين، و هو في نفس الوقت يحترم عقائد الآخرين، و لا يحاول أن يفرض عليهم عقيدته .
إذا كانت هذه هي خصائص إنسان عصر المعلومات، فما هو نوع التعليم الذي يصلح له، و لمجتمعه أيضا؟

تعليم عصر المعلومات

وفقا لخصائص إنسان عصر المعلومات التي أوردناها ،يمكننا أن نستنبط طبيعة التعليم التي تناسب هذا العصر،و هذا الإنسان .. و التي تشير إلى:
• تعليم يساعد على التفرّد، و يناهض القولبة، و محاولة جعل الأفراد آحادا متراصة متشابهة .
• تعليم خالق للمعرفة، يحض على التفكير و الابتكار، و يحارب التبعية النمطية و التلقين .
• تعليم يستفيد من دخول الأجيال إلى كل منابع المعلومات و المعارف، بلا قيود أو وصاية .
• تعليم يناهض كل ما هو جماهيري، من رواسب نظم عصر الصناعة، و يحترم الفروق بين الأفراد .
• تعليم لا يضع قيدا على العقيدة، و يحترم التنوّع الشديد الذي استحدثه تدفّق المعلومات و المعارف في عقائد البشر و توجّهاتهم، ويحضّ الفرد على الإيمان بأن اختلافه عن الآخرين، هو مصدر ثراء له و للآخرين .

نظم تعليمية جديدة

مع دخول الكمبيوتر، و الإدارة الرقمية، و الروبوت، إلى المصنع و المكتب، يقتضي الأمر الاعتماد على نظام تعليمية جديدة، تختلف كثيرا عمّا نأخذ به، من بينها التالي .
أولا : من التلقين، إلى التفكير و الابتكار
الكمبيوتر و الروبوت نجح في تولّي معظم الأعمال الروتينية في المصنع و المكتب، و بشكل متفوّق عن الأداء البشري، فلم يبق للبشر سوى العمل العقـلي أو المعـرفي، الذي يقتضي التفكـير، و القدرة على حلّ المشاكل، بالبحث عن بدائل الحلول، و اختيار الحل الأوفق للظروف، ثم تطبيقه و متابعة أدائه . و هذا هو التحوّل الأساسي في النظام التعليمي المناسب لعصر المعلومات . من تعليم يقف عند حد تلقين المعلومات المحدودة، إلى تعليم يشجّع على التفكير، و البحث عن الحلول، و يحض على الابتكار و الإبداع . نحن ننتقل من تعليم عصر الصناعة الذي كان يعمد إلى تلقين التلاميذ، و حشو رؤوسهم بشتات المعلومات، و بعض التقنيات، إلى تعليم يستهدف خلق المعارف و التدريب المتواصل .
ثانيا : بيئة تعليمية مفتوحة
ستتحوّل البيئة التعليمية المغلقة الحالية، إلى بيئة تعليمية مفتوحة، تعتمد على شبكات المعرفة الإلكترونية، التي تعطي أهمية أكبر للقـدرات الشـخصية . البيئة التعليمية الجديدة، تنهي احتـكار المدرسة للعملية التعليمية، و تفتح الباب أمام
ممارسة التعليم في البيوت، و في المؤسسات الاقتصادية التي ستتكفّل بجانب منه .
ثالثا : من التعليم النمطي، إلى الشخصي
النظام التقليدي النمطي الجماهيري، النابع من عقلية و احتياجات عصر الصناعة، يحل محلّه نظام جديد يقوم على أساس اعتبار قدرة الفرد و اختياراته . و هذا يعني أنّه في مكان نظام التعليم الحالي، الذي يجري تقسيمه على أساس الأعمار، يقوم نظام جديد يسمح لقدرات الأفراد بالتقدّم إلى مستويات متقدّمة، بصرف النظر عن العمر .
رابعا : التعليم على مدى الحياة
التعـليم العام لعصر الصناعة يقوم على تعليم إجباري، بالإضافة إلى فرص قليلة للتعليم الأعلى و الحرفي . و كان التعليم ينتهي عادة بالحصول على شهادة إتمام الدراسة، التي تؤهّل لدخول الوظائف و مجالات العمل .
مع تسارع المعلومات و المعارف، و تغيّر النظريات، و هبوط علوم و صعود علوم جديدة، تنشأ ضرورة اعتماد الدارس، أيا كان عمره، على التكنولوجيات الإلكترونية الحديثة، لمتابعة ما يحدث بشكل عام، و في فرع تخصّصه بشكل خاص . و هذا يجعل تعليم عصر المعلومات عملية ممتدة على مدى حياة الفرد .
خامسا : التعليم الذاتي
يساعد على التعليم الدائم المتواصل، مبدأ التعليم الذاتي الذي يأخذ به عصر المعلومات، و الذي يراعي و يحترم الفروق الشخصية بين الأفراد . و التعليم الذاتي يصبح ممكنا بفضل الكمبيوتر، و غير ذلك من التكنولوجيات الإلكترونية . لقد أصبح بإمكان الفرد أن يعلّم نفسه، على مدى مراحل عمره، اعتمادا على البرامج التعليمية الخاصّة بالكمبيوتر، الذي يقوم باختبار الدارس، عند مراحل معينة، للتثبّت من استيعابه، تمهيدا لإعادة الدرس، أو الانتقال إلى الدرس التالي، وفقا لإيقاعه الخاص .

* * *

هذا التعليم الذي أوضحنا خصائصه، هو الذي يساعد الفرد على ممارسة أنماط الممارسات الديموقراطية الجديدة، التي تنبع من احتياجات عصر المعلومات . لقد كان تعليم عصر الصناعة، الذي يوصف بالتعليم الجماهيري، هو أنسب ما يفيد الفرد في تعامله مع الديموقراطية الجماهيرية، أو ديموقراطية التمثيل النيابي، التي ابتدعها عصر الصناعة، و التي تقتصر على اختيار الفرد ـ بنفسه أو من خلال حزبه ـ للشخص الذي سيتّخذ قرارات حياته نيابة عنه ..
و هذا هو السرّ في أن تعليم عصر المعلومات يحتل الأولوية الأولى في بناء الديموقراطية جديدة المطلوبة لمصر .

و في الرسالة التالية، عن الدعامة التالية، أعني الإعلام