السبت، أغسطس ١٨، ٢٠٠٧

شــكر .. و رجــاء

شــكر .. و رجــاء
ــــ
إلى رفاق الفكر الذين ساهموا بتعليقاتهم على رسالتي الخاصة بموقع مستقبليات
الشكر كلّ الشكر للمساهمات المخلصة و القيّمة .. و قد أسعدني الحوار المتبادل، بما حمل من فكر، و جهد في التعبير، و أمل ي التغيير .
كان المفروض ن أساهم في هذا الحوار المفيد، لولا وعكة صحية، لفتت نظري إلى أهمة أن أنتظر، و أتابع، و اتأمّل، لكي تكتمل الفائدة .. أجو أن أبدأ المشاركة في الحوار قبل نهاية هذا الشهر ..
و الرجاء .. هو أن تكون المساهمات من خلال نقطة التعليقات، التي تظهر في نهاية كل رسالة على الموقع، حتّى نضمن اطّلاع الجميع على الحوار الدائر، و المساهمة فيه
في نفس الوقت (gmail) , المساهمات ستظهر كرسائل في

الثلاثاء، أغسطس ١٤، ٢٠٠٧

قـرأت لكـم

..ما بعد الرأسمالية و الاشتراكية
!و الصراع على سطح الباخرة الغارقة

يشعر الكثير بنوع من الصدمة عندما أقول بانقضاء المعنى الذي شاع طويلا، و مازال شائعا في أحاديثنا لتعبيري اليسار واليمين .. و عندما أقول أن المعنى الحديث لليمين ينسحب على الذين يقاومون التغييرات الحادثة، و يتصورون إمكان استمرار الأسس و العقائد الخاصة بعصر الصناعة .. و أن تعبير اليسار أصبح ينسحب على أولئك الذين يفهمون ـ و يتقبلون ـ بل و يسعون إلى الاستفادة من التغيّرات الحادثة، كما يؤمنون بأنها ظاهرة صحية تقود إلى سيادة مجتمع، أكثر إنسانية من مجتمع الصناعة .. أعني بذلك مجتمع المعلومات .. لقد واجه الكاتب المستقبلي الكبير آلفن توفلر نفس هذا الموقف، عندما احتار البعض في تصنيفه،هل ينسب إلى التيار اليميني، أم التيار اليساري ؟ ، و هو هنا يطرح آراءه في حقيقة الصراع الدائر حاليا، و في " قوى اليمين الجديد "، التي تحاول جاهدة مقاومة التغيير، لحساب مكاسبها الاقتصادية قصيرة المدى

راجي عنايــت
ـ بعض يقرأ كتبك يستنتج أنّك أقرب إلى الجناح اليميني . و البعض الآخر يصرّ على أنّك يساري .. بينما تصمّم أنت على أنّك لست هذا أو ذاك.. كيف ؟
اصطلاح "يمين"، و "يسار"، هما من مخلّفات الحقبة الصناعية، التي عفا عليها الزمان . فهذان الاصطلاحان يتصلان بمن يملك ماذا ؟ "، أو كيف يتم تقسيم ثروة و سلطة النظام الصناعي . الصراع الدائر بينهما اليوم، أشبه بالتنازع على مقاعد سطح عابرة المحيطات، أثناء غرقها
المجتمع يتحرّك بسرعة، خارجا من مجتمع الصناعة، ممّا جعل لافتاتـنا السياسية القديمـة باليـة و مضللة . كما هو الحال أيضا في تقسيماتنا الاقتصادية
السبب في أنّ الأشياء تبدو مختلطة اليوم، هو أن الوضع النسبي للموضوعات قد تغيّر . فالعلاقات بين الموضوعات و الجماعات قد أصبحت أكثر تعدّدا و تنوّعا . و لعلّ من أسباب حيرة الناس في تصنيفي، أنّ مقياس الأولوية عندي، ليس هو ما يحدث " داخل " المجتمع الصناعي، و لكن ما يحدث بين المجتمع الصناعي، و المجتمع الصاعد الذي يتحدّاه . إلى جوار هذا الصدام التاريخي، الذي يتحقّق على نطاق عالمي، تبدو لي كلّ الصراعات الأخرى صغيرة . و بالنسبة لي، هذا هو الصراع الأعظم
مجتمـع المسـتقبل

ـ يقول البعض أنّك بالتركيز على هذا الصراع الأعظم بين الحضارات، تحرف الانتباه عن تقسيمات عميقة أخرى تفصل بين اليسار و اليمين، بين الأغنياء و الفقراء، بين أصحاب السلطة و معدومي السـلطة . كما يقول البعض الآخر أنّ موقفك يتّفق أكثر مع اليسار، لأنّ البؤرة الأساسية لديه هي الصراع بين ما هو قائم، و بين مستقبل أكثر قبولا
* ربّما .. لكن ماذا لو كان ذلك المستقبل متضمّنا العديد من العناصر التي يمكن أن تحوز إعجاب "اليمين" التقليدي . مثال ذلك، التركيز على الفرديّة في مقابل الجمـاهيرية، و عودة ظهور البيت كمؤسّسة مركزية، و معارضة البيروقراطية المركزية . هناك أناس على طرفي التقسيم التقليدي، يمكن أن يشتركوا في التحمّس لهذه القيم.. و يبقى السؤال : لماذا هذا الإصرار على ثني عنق الأشياء، حتّى يمكن أن ندخلها في تصنيفات سابقة زائلة .
معظم الناس ما زالوا حتّى اليوم لا يدركون أنّ القواعد الأساسية تتغيّر، و أنّ صراعات أكبر قد نشأت . صراعات تقلل من شأن أي صراعات أخرى، و تؤثّر فيها . و هم ، بصرف النظر عن مواقفهم السياسية، ينظرون إلى المستقبل كامتداد خطّي بسيط للحاضر . و أعتقد أن بانتظار هؤلاء مفاجأة كبرى، فنحن قد بلغنا نهاية عصر
.
مقاومـة التغييـر

ـ نحن نتكلّم عن الذين يدافعون عن النظام القديم، الذين يريدون الإبقاء على الحضارة الصناعية . فما هو بالضبط الذي يسعون إلي الاحتفاظ به و الإبقاء عليه ؟ .
* الصناعة ليست فقط نظاما اقتصاديا أو سياسيا، إنّها ثقافة، و نسق خاصّ في المؤسّسات الاجتماعية، إنّها أسلوب في المعرفة، و طريقة متكاملة في الحياة . في كلّ مجال، هناك من لدبهم استثماراتهم المرتبطة بهذه الطريقة في الحياة، و هذه الاستثمارات قد تكون اقتصادية أو سياسية أو سيكلوجية أو عرقية أو ثقافية .
إنّك لتجد مؤسّسات اقتصادية ضخمة تدافع عن الصناعات التقليدية، التي تعتمد على القوّة الغاشمة، مثل صناعات الصلب و النسيج و السيّارات، و عن الأساليب التقليدية في التصنيع كالإنتاج على نطاق واسع . بل قد تجد أن أغلب نقابات و اتّحادات العمال تدافع عن نفس هذه الأساليب و الصناعات . تجد أباطرة الاتّصال و الإعلام، سواء كانوا يديرون الشبكات التجارية الكبيرة في أمريكا، أو يديرون الشبكات المركزية الخاضعة للدولة في بلاد أخرى .. تجدهم يحاربون من أجل الإبقاء على جماهيرية الإعلام .
و من بين رجال التعليم، ستجد الكثيرين الذين ما زالوا يتغنّون بفضائل أساليب التعليم النمطي الجماهيري . كما تجد من رجال السياسة و الأحزاب من يقاتلون من أجل الإبقاء على الكيانات السياسية البالية، التي قد تشكّل معظمها لحساب العصر الزراعي، أو العصر الصناعي المبكّر .
هذا التحالف الكبير، الذي يكون لاشعوريا إلى حدّ كبير، و الذي يستهدف الدفاع عن الماضي، لا ينتسب إلى طبقـة بعينها، أو إلى جنس أو ديـن معيّن . حتّى الفقـراء و من هم خارج الصفوة،و المضّطهدين و الذين بلا حول و لا قوّة، حتّى هؤلاء يقاومون بضراوة إحداث أي تغيير فيما هو كائن
.
الحنين المرضي للماضـي

ـ أنت ترى أنّ الصراع الأساسي حاليا، يجري بين العقلية الصنـاعية، و عقلية مجتمع المعلومات . أين تضع إذن الحركات النامـية، كحركات الحفـاظ على البيئة، مثل " حزب الخضـر " في ألمانيا، و الجمعيات المعادية للنشاط النووي في أنحاء العالم ؟ .
*هناك من يدافعون عن المؤسّسات و الممارسات المختلفة للنظام الصناعي، و هناك من يهاجمونها . مثل الذين يهاجمون المركزيّة و عشق الضخامة و النمطية المحبطة . لكن الذين يهاجمون الحضارة الصناعية ينقسمون فيما بينهم .
بعض الذين يهاجمون النظام الصناعي ، لا يهتمّون بالمستقبل بالمرّة . البديل الوحيد الذي يفكّرون فيه، هو الارتداد إلى نوع غامض من الماضي . و هم يمجدّون الماضي متمثـّلا في المجتمعات الزراعية . و ينسون أن معظم الذين عاشوا في تجمّعات زراعية ريفية صغيرة في عصر ما قبل التكنولوجيا، كانوا تعساء نتيجة للمظالم المحلّية، بلا ديموقراطية، و لا حقوق أمام القضاء، منعزلون عن العالم، و بلا أدنى صوت في كلّ ما يمسّ حياتهم . و هؤلاء يمكن أن يشكّلوا تهديدا لحياتنا، لا يقل في خطورته عن تهديد أنصار عصر الصناعة المتراجع .
ـ و ماذا عن الرأسمالية و الاشتراكية، أيكتب لهما البقاء في عصر المعلومات ؟ .
لا .. فلكلّ منهما تناقضاتها الخاصّة القاتلة . إنّ مدّ التغيير يفقدهما مبرر وجودهما، ذلك لأنّهما معا من نتاج الثورة الصناعية . رغم الاختلافات الحادّة بين النظامين، فقد أضفت عليهما الحضارة الصناعية خصائص مشتركة طاغية . فالقوى الصناعية لكلّ من الرأسمالية و الاشتراكية، تعتمد على وقود الحفريّات الذي لا يتجدّد، و على النطاق الواسع النمطي في الإنتاج و التوزيع و التعليم و الإعلام و الترفيه . و كل من النظامين يتّخذ الأسرة النووية نموذجا أساسيا للمجتمع، و يعتمد على نظام الدولة القومية، و يفرض نفس مبادئ النمطية و التوحيد القياسي و التزامن و المركزية و السعي إلى الضخامة و النهايات العظمى .
و لست مع أولئك الذين يتصوّرون إمكان حلّ التناقض بين النظامين، بتحوّلات أو تحويرات يقوم بها كلّ منهما . مثل هذا التفكير ينبع من عقائد عصر الصناعة، و التي تقول أنّ المجتمعات تصبح أكثر تشابها، يوما بعد يوم .
و باختصار، الرأسمالية و الاشتراكية، و ما بينهما من توتّر، كلّ هذا من نتاج عصر الصناعة . لهذا، فعندما ينقضي ذلك العصر، فالأرجح أنّهما سيختفيان باختفائه .


بين الحل الإسلامي .. و الحل الماركسي

بين الحلّ الإسلامي و الحل الماركسي


أصحاب العقائد القويّة و الأيديولوجيات الحاكمة يفشلون عادة في اكتشاف انقضاء زمن الافتراضات التي تقوم عليها عقائـدهم . و مرجـع ذلك إلى عجـزهم عن اكتشـاف الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها أفكارهم، و من ثم عدم قدرتهم على امتحان مدى مصداقية تلك الافتراضات في ظل التغيّرات الجذرية المتلاحقة في حياة البشر .
قبل أن أضع أفكاري في الكتب، كنت أكتب أوراقا حول التفكير المستقبلي، و التحوّلات التي تقودنا إلى مجتمع المعلومات . عرضت واحدة من هذه الأوراق على الصديق أحمد حمروش، رئيس اللجنة المصرية للتضامن، فقرأها و اقترح عرضها على الأستاذ محمد حسنين هيكل، فتحمّست لذلك الاقتراح . ثم اكتشفت بعد ذلك أنّه لم يأخذ الورقة مأخذ الجد، و وقف عند التعليق على خطأ مطبعي ! .

في مواجهة الماركسيين

قال حمروش " لماذا لا تناقش ورقتك في اللجنة الفرعية للفكر السياسي .. هذه فرصة للحوارالمثمر، خاصّة و أنّ رئيس هذه اللجنة هو الدكتور فؤاد مرسي .." . تحدّد موعد للقاء، و قد جلس على رأس المنضدة الدكتور مرسي( رحمه الله )، و جلست في مقابله، بينما اصطفّ على الجانبين مجموعة من غلاة الماركسيين، أعضاء اللجنة، أعرف بعضهم و لا أعرف البعض الآخر .
طرحت أفكاري حول مرحلة التحوّل الحالية في العالم، من المجتمع الصناعي إلى مجتمع المعلومات .. لماذا تمت ؟، و ماذا يترتّب عليها من تغيّرات كبرى في جميع مجالات حياة البشر ؟.
فلاحظت التململ على الحاضرين، و الرفض الضمني لكلام يخرج عن نطاق القاموس الماركسي، و كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير، كما يقولون، ما قلته من انقضاء صلاحية كل من الاقتصاد الرأسمالي و الاقتصاد الاشتراكي، في التعامل مع الواقع الجديد، باعتبار أن الرأسمالية و الاشتراكية هما وجهان لعملة واحدة هي عصر الصناعة، و رؤيتان مختلفتان للتعامل مع واقع المجتمع الصناعي . و رحت أشرح هذا على ضوء التطورات التي أحدثتها ثورة المعلومات .
كانت ردّة فعل الحاضرين، مزيج من الرفض و الوجـوم ..
ثم توجّه أحدهم إلى الدكتور مرسي سائلا بسخرية " ما هو رأيك يا دكتور فيما يقال ؟ ! ". تحيّر دكتور مرسي قليلا، ثم قال " لا أعرف ماذا أقول له .. إن ما يقوله أشبه بما يقوله جورباتشوف هذه الأيام .." .
أدركت في ذلك الوقت صعوبة مراجعة صاحب العقيدة لافتراضاته ـ و لو كانت الاشتراكية العلمية ـ دون وجود أداة مثل التفكير الناقد تساعده على ذلك .

في جامعة الإسكندرية

بعد هذا، جاءت تجربة اللقاء مع أعضاء نادي هيئة التدريس بجامعة الإسكندرية . عندما تلقيت الدعوة للحديث عن المستقبل و عن مجتمع المعلومات، وسط نخبة من الأسـاتذة و العلمـاء تحمّست لذلك اللقاء، و اعتبرته فرصة لحوار ناضج مسئول .
الذي لم أكن أعلمه، أن النادي كان قد مرّ بتحوّل كبير، بعد استبعاد العناصر التقدّمية من أعضاء مجلس إدارته، ليقتصر مجلس الإدارة على مجموعة من الأساتذة الإسلاميين .
قبل المحاضرة، استقبلني بحفاوة أحد الأساتذة، أظنّه على ما أذكر عميد كلية العلوم . بعد أن احتسينا القهوة، قادني إلى قاعة اللقاء، التي حفلت بجمع كبير من أعضاء هيئات التدريس بالجامعة .
كان موضوع المحاضرة " الرؤية المستقبلية، و مجتمع المعلومات " . و كان لا بد أن أبدأ بطرح منهجي في التوصّل للرؤية المستقبلية، و تحدثت عن التحوّلات الكبرى في حياة البشر، من عصر الزراعة، إلى الصناعة، إلى المعلومات، و كيف لعبت التكنولوجيات الابتكارية العظمى دورا أساسيا في إعادة صياغة مختلف مجالات حياة البشر، الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية . ثم طرحت التحوّلات الحالية من مبادئ مجتمع الصناعة إلى مبادئ مجتمع المعلومات .
لماذا نعتمد على علوم الغرب ؟ !
عندما انتهيت من كلامي، و قبل أن يبدأ النقـاش مع جمهور الحاضرين، حدثت مفاجأة أدهشتني . الأستاذ الدكتور الوقور الذي استقبلني، و قادني إلى القاعة، و الذي قدمني في بداية الأمر، و جلس إلى جواري، وجدته يهب واقفا، و يصيح بأعلى صوته هاتفا بشعار طويل لا أذكر نصّه حاليا، و لكن أذكر قوله في النهاية " .. و الإسلام مستقبلنا .." .
رسمت ابتسامة ساذجة على وجهي، لإخفاء دهشتي و حيرتي فيما هو مطلوب منّي أن أفعله . و ما أن انتهت موجة التصفيق ـ التي مازلت لا أعلم إن كانت موجّهة لكلماتي أم لهتاف الأستاذ الوقور ! ـ حتّى بدأت أسئلة الحاضرين .
كان محور تساؤلات ذلك الجمع العلمي حول استنكار الاعتماد على العقل في مكان النقل ! . قال أحد الأساتذة أن ما أقوله من أفكار وارد من الغرب، قد ينطبق على مجتمعاتهم، لكنه لا يصلح لنا كأمّة إسلامية . و تساءل ـ و هو أستاذ جامعي ـ عمّا يدفعنا إلى علوم و معارف الغرب، بينما لدينا منبع العلم و المعرفة .
قلت أن النهضة العلمية الإسلامية، في بغداد، قامت على ترجمة المراجع الإغريقية و الهندية و الفارسية . اطّلع العلماء المسلمون على ما سبق من علوم الغرب و الشرق، و فكّروا، و ابتدعوا، و أضافوا إلى تلك العلوم، ما حفلت به مراجعهم في الطب و الكيمياء و الرياضيات و الجغرافيا، إلى آخر ذلك، ممّا صنع ما نطلق عليه الحضارة العلمية الإسلامية . و لم يجدوا من يلومهم على الاستفادة من علوم الآخرين .
و الغرب، الذي كان يعيش في جهالة القرون الوسطى، قرأ إنتاج علماء الإسلام، و ظلّ يدرّسه في معاهده و جامعاته على مدى عدّة قرون، و أضاف إليه، ممّا صنع بدايات النهضة الأوروبية الحديثة .. و هنا أيضا، لم يجدوا من يؤاخذه على هذا .

الرؤية المستقبلية، و الحلّ الإسلامي

ثم نهض أحد الجالسين في الصفوف الأولى، و سألني قائلا " و ما هي علاقة ما قلته لنا عن التحوّل إلى مجتمع المعلومات بالحلّ الإسلامي ؟ " .
قلت له صادقا " أنا لا أعرف ما تسمّيه بالحلّ الإسلامي .. لا شكّ أنّك أدرى به منّي " . ثم قلت له أنّني تكلمت عن مجموعة من التحوّلات تقودنا إلى مجتمع المعلومات، مثل التحوّل من المركزية إلى اللامركزية، و من القولبة و النمطية إلى التنوّع و التمايز و احترام ذاتية الفرد، و من التزامن إلى الزمن المرن الذي يوسّع نطاق حرية الفرد، و من العمل العضلي البدني المتكرّر الذي لا يستوجب التفكير، إلى العمل العقلي الذي يعتمد على التفكير و الابتكار.. تكلّمت عن هذا و غيره، فهل وجدت شيئا ممّا أوردته متناقضا مع الحلّ الإسلامي الذي تقول به .
بعد صمت قصير قال " لا .." . فقلت مبتسما " هذا هو الذي يهمّني في الأمر .." .
هنا أيضا أدركت أهمية إشاعة التفكير الناقد، من اكتشاف الافتراضات الأساسية التي يقوم عليها فكرنا و عملنا، و فحص مدى مصداقية تلك الافتراضات في ظل الواقع المتغيّر الذي نعيشه، ثم البحث عن افتراضات جديده نابعة من الواقع الجديد، تحكم فكرنا و عملنا .

راجي عنايــت – 2005
من كتاب "حكايتي مع المستقبل"




الاثنين، أغسطس ١٣، ٢٠٠٧

من حضيض التلقين .. إلى التفكير الناقــد

هل يمكن أن ننقذ الأجيال القادمة
من حضيض النقـل و التلقـين ؟

يجب أن ننتبه للأهمية القصوى، و الأولوية الأولى، لهدف التحوّل من التلقين إلى التفكير، عند إعادة بناء التعليم، بما يتّفق مع احتياجات مجتمع المعلومات .. فالثابت أن إعمال العقل و التفكير و الابتكار سيشكّل احتياجا جماهيريا للقوة العاملة في عصر المعلومات ..
:و رغم وجود عناصر أخرى هامّة في عملية إعادة بناء التعليم التي نحتاجها، مثل
التعليم و التدريب على مدى الحياة للجميع، نتيجة للتغيرات التي لا تتوقّف في المعلومات و المعارف، بالنسبة لجميع الاختصاصات .. و نتيجة لسقوط النظريات، و بزوغ نظريات جديدة .. بل نتيجة لاختفاء علوم تقليدية و ظهورعلوم جديدة، لم نسمع عنها من قبل
الاعتماد على التكنولوجيات المعلوماتية في تطبيق التعليم الشخصي، الذي يراعي الفروق بين البشر في الاستيعاب و التحصيل، و يحترم القدرات المختلفة للدارس عن غيره من الدارسين
تيسير احتياجات التعليم الذاتي، التي تتيح للفرد أن يعلّم نفسه بشكل دائم، حتّى يتابع ما يطرأ على مجال عمله من معلومات و معارف و تكنولوجيات جديدة
انتزاع التعليم من المحاذير التقليدية للمدرسة، و التحوّل من البيئة التعليمية المغلقة الحالية، إلى بيئة تعليمية مفتوحة، تعتمد على شبكات المعرفة الإلكترونية، ممّا يجعل من الممكن تحقيق العناصر السابقة، كالتعليم الشخصي، و التعليم الذاتي

ما هي المشكلة ؟

ما هي الصعوبة التي تواجهنا عندما نحاول الانتقال بتعليمنا : من التلقين و النقل، إلى التفكير و العقل ؟ . تكمن الصعوبة في أن حياتنا كلّها تمضي في مصر وفق اعتماد النقل و التلقين، و كراهية التفكير الناقد الذي قد يجترئ على الثوابت .. في البيت و الشارع و المدرسة و الجامعة و الحكومة بكل أجهزتها
و لكي نفهم أبعاد هذه المشكلة الكبرى، التي يعجز جميع من يخططون للتعليم و يضعون له النظم، في وزارة التعليم، أو في أمانة السياسات أيضا .. علينا أن نفهم أبعاد التفكير الناقد الذي نقول بحتميته في مرحلة الانتقال من نمط الحياة
الصناعية، إلى نمط الحياة المعرفية
علينا أن نفهم حاجتنا الشديدة إلى أن نفكّر و نراجع مدى سلامة الأسس التي قامت عليها حياتنا الشخصية و العائلية و العملية و السياسية، ليس على سبيل التزيد أو التباهي، و لكن من أجل الحصول على مواطن مصري قادر على العمل و الإنتاج و المنافسة، في ظل نظم مجتمع المعلومات
و علينا أن نفهم أن إعمال العقل في هذا الزمن، يستند على ما يطلق عليه " التفكير الناقد " . و لا بد هنا من التنبيه إلى أن هذا التحول لن يتم في هدوء .. و أنه سيلقى مقاومة مستميتة من جميع العناصر الحريصة على استمرا الأوضاع الحالية التي تسمح بجلب المنافع الشخصية على حساب مصر و أجيال مصر القادمة . و هذا يعنى أن إشاعة التفكير الناقد في مدارسنا و جامعاتنا بين الأجيال الجديدة من شباب مصر، وانتقاله كممارسة طبيعية في حياتنا بعد ذلك، سيحدث ثورة حقيقية في حياتنا العقلية و العملية
التفكير الناقـد
في زمن التغيّرات الجذرية الشاملة، كالتي يمرّ بها العالم منذ منتصف القرن الماضي، و التي تبدّل ما استقر من شئون حياتنا الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية .. في هذا الزمن، نفقد القدرة على الاستناد إلى الخبرات السابقة، ونحتاج إلى إبداء حرص شديد في تناولنا للأفكار و المعاني و الأوضاع، اعتمادا على حصيلتنا السابقة، و دون اختبار جديد لمدى مصداقية ما أخذنا به، في الزمن الحالي
التفكير الناقد، ينصبّ أساسا على : امتحان الافتراضات التي تقوم عليها أفكارنا و نظرياتنا وعقائدنا.. ثم التعرّف على السياق الذي خرجت منه تلك الأفكار و النظريات و العقائد، لنرى إذا ما كان ذلك السياق ما زال متفقا مع سياق حياتنا الحالي، و المستقبلي
من مقومات التفكير الناقد
( 1 ) التعرّف على الافتراضات و تحدّيها
من أهم أسس التفكير الناقد، محاولة التعرّف على الافتراضات التي يقوم عليها تفكيرنا، و تتأسس عليها ضروب سلوكنا .. و ذلك تمهيدا لامتحانها و التحقق من مدى سلامتها و اتفاقها مع الواقع المعاصر . نحن هنا نتساءل بالنسبة لكل ما نأخذه مأخذ التسليم، و نعتبره من الأمور البديهية، سواء في تنظيم العمل، أو في علاقاتنا مع الآخرين، إو في الأساس الذي يقوم عليه التزامنا السياسي و العقائدي .
( 2 ) الانتباه إلى السياق الذي تخرج منه الافتراضات
مع اكتشاف الافتراضات التي تحكم عاداتنا، و سلوكنا، و مداركنا، و فهمنا للأمور، و تفسيرنا للعالم من حولنا .. مع حدوث ذلك نصبح أكثر إدراكا لتأثير السياق الذي تنبع منه تلك الافتراضات ..و ممارس التفكيرالناقد، يعلم أن جميع
الممارسات و التصرفات و الترتيبات الاجتماعية لا تكون بلا سياق يحكمها.
( 3 ) تصوّر و امتحان البدائل
من الأمور الأساسية في التفكير الناقد، القدرة على تخيّل الاحتمالات، و امتحان البدائل المختلفة للطرق الحالية التي يلتزم بها الفرد في تفكيره و في حياته . عندما يتحقق الفرد من أن العديد من أفكاره و تصرفاته تنبع من افتراضات لا تناسب الحياة الراهنة، ينشغل باكتشاف و امتحان طرق جديدة للتفكير و التصرّف، واعيا بأهمية أثر السياق في تشكيل كل ما يعتبره عاديا و طبيعيا
( 4 ) التشكّك التأمّلي
عندما نكتشف بدائل جديدة لما رسخ في تفكيرنا و سلوكنا، نصبح أكثر تشككا فيما اعتدنا أن نطلق عليه تعبير " الحقيقة النهائية "، أو " التفسير الكامل " . و هذا النوع من التشكك يطلق عليه اسم التشكك التأملي .. و هو لا يعني التشكك من أجل الرفض، و لكن التشكك من أجل التأمّل و التثبّت من المصداقية . ممارس التشكك التأملي، يدرك أن التمسّك بممارسة ما، أو الاعتماد على بنية ما، لزمن طويل، لا يعني أنها الأنسب لجميع الأزمان، و بالتحديد للحظة الراهنة . كما أن مجرّد قبول الفكرة من أعداد كبيرة، لا يعفينا من امتحانها على أرض الواقع الراهن، ثم قبولها أو رفضها و استبدالها، وفقا لما يتمخّض عنه ذلك الامتحان
محنة استجداء التيار الإسلامي
صدّقوني .. أي حديث عن إعادة بناء التعليم لا ينطلق من هذا الهدف الأكبر، هدف التحوّل من النقل و التلقين إلى التفكير و الابتكار، سيكون مصيره إلى الفشل المطبق، في ظلّ مجتمع المعلومات
المطلوب من الحزب الوطني، و أمانة سياساته، و باقي التشكيلات السياسية من أحزاب و جماعات .. و من هيئات البحث و الدراسات الاستراتيجية أن تراجع عملها على هذا الأساس .. علينا أن نتوقّف عن ترديد التوصيات الساذجة عن ضمان جودة التعليم، في الوقت الذي لم نتوصّل بعد على معايير متفق عليها للجودة، علينا أن نتوقّف عن ترديد شعارات مخلفات منظمة الشباب الاشتراكي، شعارات دعم الانتماء، و طابور الصباح، و تحية العلم، من السمات الأساسية لتعليم عصر الصناعة .. و لعل مرجع هذه الرواسب أن يكون توصيات مؤتمرات التعليم التي كان د. حسين كامل بهاء الدين ينظّمها، أو إلى أفكار التثقيف التي يعمّمها د. على الدين هلال على شباب الحزب الوطني .
كفانا عبثا .. أم أنكم سعداء بما يتم حاليا من تمسّح الأحزاب بالتيار الإسلامي، و السعي إلى رضاه، باعتبار أن بين يديه مفاتيح الجماهير ؟.. و هذه حقيقة .. أتعرفون كيف ؟، لأن التيار الإسلامي هو صاحب الحق الأوّل في شعارات النقل و التلقين، على مدى التاريخ .. و لأننا بتمسّكنا بالتعليم القائم على النقل و التلقين، نعد أجيال المستقبل لكي تنضوي تحت راية الأخ عاكف
عوضا عن ترديد الشعارات الغوغائية السائدة .. حاولوا أن تفكّروا فيما أقول