الأربعاء، مارس ١٢، ٢٠٠٨

عن أي ديموقراطية نتكلّم ؟

الزلزال الأكبر

و ثورة المعلومات

أيا كانت مزايا و نواقص عصر الصناعة، فمن المهم أن نفهم أن لعبة الصناعة قد انتهت، و أن طاقاتها قد تبدّدت، و أن قواها تتلاشى في كل مكان .. في الوقت الذي بدأت ثورة المعلومات اندفاعها، فارضة أسسا جديدة لمجتمع المعلومات، تختلف عن أسس مجتمع الصناعة، بل و تتناقض معه، في معظم الجوانب .
و هناك تغيران أساسيان يجعلان الاستمرار العادي لحياة مجتمع الصناعة غير ممكن بعد الآن :
أوّلهما ـ أننا وصلنا إلى نقطة تحوّل في " حربنا مع الطبيعة " . و الغلاف الجوّي للكرة الأرضية لن يتحمّل المزيد من الإفساد الذي تجلبه الصناعة .
و ثانيهما ـ أننا لن نستطيع بعد الآن الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة، و التي ما زالت العماد الأساسي للتطوّر الصناعي .
و هذا لا يعني نهاية المجتمع التكنولوجي، أو نهاية الطاقة، لكنّه يعني أن جميع التطورات التكنولوجية المستقبلة، ستتشكّل وفقا لمدى حفاظها على البيئة . و يعني أيضا أنّه لكي تصل الدول الصناعية إلى مصادر بديلة، ستعاني من أعراض الانكماش المتتابعة .
و في نفس الوقت سيعاني المجتمع الصناعي من نقص المواد الخام الرخيصة . و مع انحسار نفوذ الاستعمار و الإمبريالية الجديدة، سيكون على الدول المتطوّرة تكنولوجيا : إمّا أن تتجه إلى داخلها بحثا عن بدائل و موارد جديدة، لكي تشتري من بعضها البعض، مقللة بهذا روابطها الاقتصادية مع الدول غير الصناعية .. أو أن تستمر في الشراء من الدول غير الصناعية، و لكن وفق شروط تجارية جديدة تماما . و في كلتا الحالتين سترتفع التكلفة بشكل ملموس .
لقد أدرك الجميع أن الأمور لا يمكن أن تمضي بنفس الطريقة التي جرت عليها من قبل، و بدأ البحث عن أشكال جديدة و متجددة من الطاقة، و البحث ـ من خلال التكنولوجيات المتطوّرة ـ عن بدائل لاستنزاف المعادن و الخامات التي تستخرج من بطن الأرض .. و في نفس الوقت، بدأ التحوّل عن الصناعات التقليدية، و التي كانت تعتبر محور النشاط الصناعي، إلى صناعات جديدة، تستهلك قدرا أقل من الطاقة و الخامات، و لا يكون لها نفس التأثير الضار على البيئة . ما يجب أن نلتفت إليه، هو أن هذه المخاطر لم تكن خافية على رجال الصناعة منذ البداية، إلاّ أن السعي إلى المزيد من الأرباح، و التوسّع الاقتصادي، كان يجعلهم يشيحون بوجوههم عن هذه المخاطر

فما الذي تغيّر الآن ؟ ..

ثورة المعلومات، و دائرتها النشطة

منذ منتصف القرن العشرين تقريبا، بدأ زحف ما يمكن أن نطلق عليه " ثورة المعلومات " .
حدث نفس ما حدث في بداية عصر التصنيع، و لكن بطريقة مختلفة تماما ..
و كما تسللت الآلة البخارية إلى حياة البشر، كرأس حربة للتحوّل من مجتمع الزراعة إلى مجتمع الصناعة، تسللت تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات إلى حياتنا، لتحدث ثورة المعلومات، التي تقودنا إلى " مجتمع المعلومات " .
لقد تواصلت " ثورة المعلومات " من خلال ما يمكن أن نطلق عليه " الدائرة النشطة "
على محيط تلك الدائرة، بدأ الأمر :
( 1 ) بتطوّر كبير في تكنولوجيات الكمبيوتر و الاتصالات .
( 2 ) قاد إلى تدفّق غير مسبوق في المعلومات .
( 3 ) عند تفاعل البشر مع هذا الفيض المنهمر من المعلومات، تباينوا و اختلفوا عن بعضهم البعض، بتباين و اختلاف انعكاس المعلومات المستجدة عليهم، فزاد التباين و التنوّع في البشر، في مكان النمطية و القولبة التي كانت تفرضها مبادئ مجتمع الصناعة .
( 4 ) تنوّع البشر، قاد إلى المزيد من توالد و تدفّق المعلومات .
( 5 ) و تلقفت تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات هذا التدفّق المستجد في المعلومات، فضاعفته، و نشرته .
هذا هو ما نعنيه بثورة المعلومات و دائرتها النشطة

الآثار المجتمعية
للتكنولوجيات الابتكارية الكبرى

المفكّر المستقبلي الياباني الراحل يونيجي ماسودا، الذي ساهم في تسهيل دخول اليابان الصحّي إلى مجتمع المعلومات، يتحدّث عن ثلاث مراحل تقود فيها التكنولوجيا الابتكارية الكبرى إلى إحداث تغيّرات أساسية في النظم الاجتماعية و الاقتصادية للمجتمع . و في كتابه عن مجتمع المعلومات، يقدّم تطبيقا على هذا، في انتقال البشرية إلى المجتمع الزراعي، ثم في انتقالها إلى المجتمع الصناعي، و أخيرا ـ و الذي يهمنا هنا أكثر من غيره ـ في انتقالها إلى مجتمع المعلومات . و هو يقول أن هذا يحدث على ثلاث مراحل كالتالي :
المرحلة الأولى : و فيها تقوم التكنولوجيا المعنية بنفس العمل الذي كان الإنسان يقوم به سابقا .
المرحلة الثانية : و فيها توفّر هذه التكنولوجيا إمكانات في العمل لم يكن بإمكان الإنسان أن يقوم بها في أي وقت .
المرحلة الثالثة : بناء على ما سبق، تتحوّل البني الاجتماعية و الاقتصادية القائمة، إلى نظم اجتماعية و اقتصادية جديدة .
كيف إذا يمضي الأمر في تحول البشر حاليا من مجتمع الصناعة إلى مجتمع المعلومات ؟ .. يشرح ماسودا قائلا :
1 ـ الوصول إلى التسيير الذاتي ( الأوتوماتية )، كآخر تتطور للمجتمع الصناعي .. حيث تقوم تكنولوجيا المعلومات، و نعني بذلك تكنولوجيا الكمبيوتر و الاتصالات، بالعمل نيابة عن الإنسان .
2 ـ الوصول إلى خلق المعارف، اعتمادا على التكنولوجيا المتطوّرة، أي تطوير عمل الكمبيوتر بحيث يتجاوز دوره كحاسب إلكتروني، و بحيث يصبح بإمكانه أن يتيح للمعلومات و المعارف الداخلة إليه أن تتفاعل، و تلد معارف جديدة، لم يكن الإنسان الذي يعمل على الكمبيوتر يعرفها . و بمعنى أوسع أن يصبح بإمكان هذه التكنولوجيا الجديدة أن تضخّم العمل العقلي، بطريقة لم يكن ـ و لن يكون ـ بإمكان العقل البشري أن يصل إليها .
3 ـ نتيجة للمرحلتين السابقتين، تتيح التكنولوجيا المتطورة ابتكار النظم الجديدة، و ليس فقط المعارف الجديدة . و هذا يفرض مجموعة من التحوّلات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية .
و خلال نصف القرن المنصرم، انهمك علماء المستقبل في تصوّر هذه التغيرات التي ستطرأ على النظم التي سادت عصر الصناعة، و استطاعوا أن يرصدوا أهم التغيرات الجارية التي تنقلنا من ثورة المعلومات إلى مجتمع المعلومات .
كما استطاعوا أن يتوصّلوا إلى معالم الحياة الجديدة، بل و يتصوّروا أحيانا الكثير من التغيرات، التي لم تكن قد حدثن بعد، نتيجة لفهم القوانين الأساسية لهذه التغيرات
معالم مجتمع المعلومات

و من الممكن أن نورد هنا كعناوين جانبا من أهم التحوّلات التي يجيء بها مجتمع المعلومات، مثال ذلك :
ـ من العمل الجسدي العضلي إلى العمل العقلي .
ـ من المصنع، إلى مرافق المعلومات .
ـ من التعليم النمطي التلقيني، إلى التعليم الابتكاري الذاتي المستمر .
ـ من تعظيم الأرباح إلى المنفعة الاجتماعية .
ـ من الدولية إلى العالمية، أو الكوكبية .
ـ من التخطيط قصير المدى، إلى الرؤية المستقبلية .
ـ من المركزية إلى اللامركزية .
ـ من التزامن المحكم، إلى الزمن المتكيّف .
ـ من التنظيم الهرمي البيروقراطي، إلى التنظيمات الشبكية .

و أخيرا، و هو موضوعنا هنا :
من ديموقراطية التمثيل النيابي إلى أشكال جديدة .. كديموقراطية المشاركة و الديموقراطية التوقّعية