الجمعة، أكتوبر ٠٩، ٢٠٠٩

الوهم الخامس

ثمانية أوهام تعوق تقدمنا

خامسا : التناول الأحادي في زمن التغيير

في أوضاع الاستقرار، و الثبات النسبي، و التغيّرات المحدودة، يسهل تصوّر مستقبل أي جانب من جوانب النشاط البشري، دون الوقوع في أخطاء فادحة .
منذ مئات السنين، كان في إمكان صانع القرار، في مجتمع معيّن، أن يصل إلى حلّ مشكلة معيّنة، أو يخطّط لنشاط ما، دون اعتبار كبير للتغيّر في العلاقات بين ذلك النشاط و غيره من النشاطات الأخرى .. كل ما كان عليه، هو أن يرسم خطّا مستقيما في الرسم البياني الذي يسجّل تطوّر ذلك النشاط، و يمدّه على استقامته لكي يتعرّف على مستقبل تطوره عند زمن معيّن، تحدّده نقطة على ذلك الخط المستقيم .
و ما زال بعض صنّاع القرار عندنا، و عند غيرنا من الدول غير المتطوّرة، يتّبعون نفس المنهج القديم، ربّما يكون مرجع ذلك إلى التعوّد، أو افتقاد البدائل الأسلم . و عندما يتكرّر فشلهم، المرّة تلو الأخرى، غالبا ما يرجعون ذلك الفشل إلى العديد من الأسباب و الاعتبارات، والتي لا يكون من بينها السبب الحقيقي أو الاعتبار الأساسي للفشل، ألا وهو التناول الأحادي في زمن التغيير الجذري الشامل .
الذي يجب أن نأخذه في اعتبارنا عند محاولة فهم أو مناقشة أيّة مشكلة و السعي إلى حلّها، هو أن الوضع حاليّا لا يمكن وصفه بالاستقرار أو الثبات النسبي .إذا ما استطعنا أن نخرج أنفسنا من محنة حياتنا اليومية و ما يكتنفها من مصاعب و مشاكل، و تأمّلنا بتركيز مسيرة الحياة، تحت أقدامنا، و من حولنا، على مدى العقود الأخيرة، تحقّقنا من أنّنا نمرّ عبر عصر غير مسبوق في التاريخ .. ما نحن بصدده ليس مجرّد تغيّرات كبرى، أو تطوير في هذا المجال أو ذاك، إننا بصدد تغيرات ثورية حقيقية .
هذه التغيّرات المتسارعة، تؤثّر على جميع مظاهر الحياة بلا استثناء، في البيت و المدرسة و المصنع و المكتب، و تعيد بناء نظم الطاقة و المواد الخام و الاتّصال و الانتقال و الاقتصاد .. بل وتعيد تشكيل نظم الممارسة الديموقراطية، و معنى السيادة الدولية . هذه التغيرات الثورية تعمّ المجتمعات البشرية جميعها بلا استثناء، من أمريكا إلى اليابان، و من إنجلترا إلى جنوب أفريقيا و استراليا .

الرؤية المستقبلية

بفضل جهد بعض المفكّرين و الباحثين المستقبليين، أمكن التوصّل إلى بعض المؤشّرات الأساسية للتغيّر، التي يتزايد تأثيرها مع مرور السنين على مدى العقود الأخيرة، و التي تعكس التحوّل إلى مجتمع المعلومات .. من دراسة علاقات التأثير المتبادل بين هذه المؤشّرات، أمكن الوصول إلى رؤية مستقبلية شاملة لأوضاع البشر في مجتمع المعلومات . هذه الرؤية المستقبلية لا غنى عنها في أي محاولة لطرح حلول لمشاكلنا الراهنة، أو لعمليات إعادة البناء المطلوبة للتوافق مع متطلّبات مجتمع المعلومات
الاعتماد على الرؤية المستقبلية الشاملة، و ليس فقط على أحد مؤشّرات التغيير، يفيدنا في الوصول إلى حلول باقية، أو مستدامة، لمشاكلنا، لا تقود إلى توليد مشاكل مستجدة في المستقبل، و يساعدنا في تصوّر مستقبل أي نشاط أو نظام بشري، و فهم تفاصيل حياتنا خلال تحوّلنا من مجتمع الزراعة و الصناعة، إلى مجتمع المعلومات .
الرؤية المستقبلية الشاملة، هي سبيلنا لوضع الاستراتيجية العامّة لبناء حياتنا الجديدة في عصر المعلومات، و إرساء الاستراتيجيات الخاصّة في كل مجال من مجالات النشاط البشري، بحيث نضمن عدم ظهور التناقض بين هذه الاستراتيجيات و بعضها البعض، أو مع الاستراتيجية العامة لإعادة البناء .
بدون الرؤية المستقبلية الشاملة، سنفقد التكامل بين عمليات إعادة البناء المختلفة في مختلف مجالات حياتنا، و بين خطط التطوير المختلفة التي نأخذ بها .
الرؤية المستقبلية، هي المرجع الأساسي الذي نعتمد عليه في عمليات التحوّل السلمي الناجح إلى الحياة الجديدة في مجتمع المعلومات .

و إلى الوهم السادس، وهم إغفال التغيرات العالمية