الثلاثاء، يوليو ٠٧، ٢٠٠٩

حكايتي مع المستقبل العربي

استجابة الأمير طلال

و القفز فوق التجارب الفاشلة

بعد نشر الموضوع، سافرت إلى الخارج لعدّة أسابيع، عدت لأجد دعوة للقاء الأمير طلال بن عبد العزيز، الذي لم يكن لي شرف لقائه من قبل، و إن كنت قد سمعت الكثير من الصديق الراحل أحمد بهاء الدين عن فكره و حسّه السياسي النابض دائما . لقد اكتملت سعادتي بذلك اللقاء، عندما عرفت أن الهدف منه هو البـدء في تحقيق فكرة " جمعية مستقبل العالم العربي " .
و كما قلت من قبل، أننا كنّا في ذلك الوقت نتّخذ الإجراءات اللازمة لإشهار التجمّع الذي اقترحه دكتور رفعت لقوشة، و من ثم كنت أميل إلى أن نبدأ بكيان محلي، أو بكيانات محلية في البلاد العربية، تكون تمهيدا للكيان العربي الشامل . غير أن العقبات التي أثارتها وزارة الشئون الاجتماعية في وجه تسجيل نادي المستقبل أو جمعية المستقبليات، لم أكن أتصوّر مداها . و لقد جاءت دعوة الأمير طلال لتكوين جمعية مستقبل العالم العربي، في الوقت الذي توقّفت فيه الجهود من أجل تسجيل الكيان المصري، أشبه بالقفزة فوق تجربة الفشل المحلية هذه .

من أين نبدأ ؟

في ذلك اللقاء، قال الأمير طلال أنه يسعى إلى تحقيق هذه الفكرة منذ سنوات، و أنّه ناقشها مع المرحوم دكتور لويس عوض، و مع الأستاذ محمد حسنين هيكل، و مع الصديق الراحل أحمد بهاء الدين، على مدى هذه السنوات، غير أن النقاش لم ينتهي إلى خطوات عملية . و قال أنه قرأ ما كتبته في مجلة المصوّر عن " جمعية مستقبل العالم العربي "، و أنه يريدني أن أبدأ معه خطوات تحقيق هذه الفكرة . ثم سألني الأمير : من أين نبدأ ؟ .
عرضت بأن نبدأ بإعداد ورقة حول الفكرة، تطرح تصوّرا مبدئيا لمبررات قيامها، و أهدافها، و مجالات نشاطها، و الخطوات التنفيذية المطلوبة، على أن تخضع هذه الورقة للمناقشة و الحذف و الإضافة و التعديل، حتّى نصل آخر الأمر إلى التصوّر الأكمل .
في البداية، كنت أميل إلى أن تقتصر مناقشة الورقة على مجموعة محدودة من المفكّرين العرب، لكني وجدت ـ بعد إمعان التفكير ـ أنّه من المفيد طرح الموضوع على نطاق واسع من المفكّرين و الكتّاب و أصحاب الاهتمـام العام في العالم العربـي، مع فتح باب المناقشـة على صفحات المصوّر، ممّا يتيح أوسع مساهمة، تضع بين يدي المجموعة المحدودة تنوّعا أكبر من التوجّهات، و نطاقا أوسع من الأفكار .

و فيما يلي نص الورقة التي طرحت للنقاش العام :

" جمعية مستقبل العالم العربي "
أفكار للمناقشة

أولا : المبرّرات.. لماذا هذه الجمعية ؟
( 1 ) التغيّرات العالمية المتسارعة، لا يمكن اعتبارها تغيّرات كمّية، لأنّها تشير إلى تحوّل أساسي في حياة الجنس البشري، اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا و ثقافيا . و هي أشبه ما تكون بالتحوّلات المجتمعية التي تمت من المجتمعات الزراعية إلى المجتمعات الصناعية، إلاّ أن التحوّلات الحالية أعظم و أكثر تسارعا .
( 2 ) الأسس التي سادت العالم، على مدى القرنين الماضيين، من سنوات لمجتمع الصناعي، بدأت تنسحب مفسحة المجال لأسس جديدة، تنبع من مجتمع جديد، هو مجتمع المعلومات .
( 3 ) التعامل مع مشكلات اليوم، أو التخطيط للمستقبل القريب أو البعيد، وفقا للأسس التي كانت شائعة على مدى القرنين الماضيين، لن يقود إلاّ إلى المزيد من المشكلات و الفوضى . لهذا، كان من المهم جدا بالنسبة إلى أي بلد ـ و بلد عربي بصفة خاصّة ـ أن ينطلق في حركته، على أساس فهم لخريطة التغيير المتكاملة، بكل مؤشّراتها متبادلة التأثير، و ليس اعتمادا على التناول الآحادي لعناصر التغيير .
( 4 ) العالمية ( جلوباليزم)، هي سمة أساسية من سمات مجتمع المعلومات، على مختلف المستويات، اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا و ثقافيا . لهذا، لم يعد بإمكان أي بلد عربي أن يفكّر في حلّ مشكلاته أو في تطوير أوضاعه، بمعزل عن الفهم التفصيلي لمستقبل التغيّرات العالمية .
( 5 ) الاهتمام بالرؤية المستقبلية، و بتفهّم خصائص مجتمع المعلومات، يكون متزايدا في الدول المتطوّرة . و في العالم العربي ما زال هذا الاهتمام ضعيفا للغاية . حتّى على مستوى المفكّرين و المثقفين، تجري ممارسته المحدودة داخل جزر معزولة، ممّا لا يسمح للجهود في هذا المجال أن تتراكم .
( 6 ) نتيجة لهذا الفراغ الفكري، و هذا الضعف الشديد في التوجّه المستقبلي، لا تكون تحت يد صانع القرار في البلاد العربية الرؤية المستقبلية المتكاملة، التي تساعده على اتخاذ قراراته، بحيث تجيء متكاملة و سديدة و في الوقت المناسب .
ثانيا : أهداف الجمعية .
( 1 ) إشاعة الفهم السليم لحقيقة التحوّلات الحالية، و نشر الوعي المستقبلي بين أبناء الوطن العربي
( 2 ) استحداث و تبنّي الدراسات و البحوث التي تساعد على الفهم المستقبلي المنشود .
( 3 ) تحقيق التكامل بين الجهود المستقبلية للأفراد و الهيئات و الجماعات العاملة في هذا المجال بالوطن العربي، و ربطها بالنشاط الموازي عالميا .
( 4 ) السعي إلى نشر المعارف المستقبلية على أوسع نطاق في العالم العربي، اعتمادا على وسائل النشر و التثقيف و الإعلام، و تنظيم الدورات الدراسية .
( 5 ) وضع الرؤى المستقبلية لتنمية البلاد العربية، و تقديمها إلى جهات اتخاذ القرار، للاستفادة منها عندما ينعقد العزم على إعادة البناء، و كذلك إجراء تطبيقات على هذه الرؤى، للتعرّف على مستقبل كلّ مجال من مجالات النشاط البشري .
ثالثا: مجالات النشاط .
( 1 ) التنسيق بين الأفراد و الجماعات و الهيئات التي تهتم بالمستقبل و بدراساته، في العالم العربي
( 2 ) تنظيم المؤتمرات و الندوات و دورات دراسة المستقبل في العالم العربي، و دعوة المفكرين المستقبليين العالميين للتحاور مع نظرائهم العرب .
( 3 ) حضور المؤتمرات و الندوات المستقبلية العالمية، و إقامة علاقات متبادلة حيّة مع هيئات النشاط المستقبلي في العالم .
( 4 ) إصدار نشرة دورية مستقبلية، و مجلة أبحاث فصلية، و الكتب المستقبلية المؤلّفة و المترجمة
( 5 ) السعي لإشاعة التفكير الناقد و الابتكاري، و التوجّه المستقبلي، في التعليم العام، عربيا . و إفساح مساحات أوسع للحديث المستقبلي في وسائل الإعلام، و الدعوة إلى إنشاء أقسام للدراسات المستقبلية في الجامعات العربية .
رابعا : خطوات التنفيذ .
و قد تضمّن هذا القسم خطوات إجرائية، حول اختيار أمين عام مؤقّت للجمعية، و النواة الأولى للجمعية التي تتولّى دراسة ورقة العمل و آراء المفكّرين في تفاصيلها، تمهيدا لوضع مشروع ما يمكن أن نطلق عليه " البيان المستقبلي العربي " . و تساهم هذه النواة في اختيار الأعضاء المؤسّسين للجمعية، مع مراعاة تمثيل مفكّري البلاد العربية بقدر الإمكان . ثم الاتفاق على الصياغة الأخيرة للبيان المستقبلي .
و قد تضمّن هذا القسم ما يتّصل بتكوين الجهاز التنفيذي للجمعية، الذي يشرف على نشاطها اليومي، و على متابعة الخطّة السنوية التي اعتمدها المؤسسون .
* * *

عندما تلقيت دعوة الأمير طلال بن عبد العزيز للبدء في تكوين جمعية المستقبل العربي، تردّدت لعدّة أسباب . من بينها رغبتي في التدرّج عند إنشاء الكيانات المستقبلية، جمعية لمستقبل مصر، و جمعيات لمستقبل البلاد العربية في كل مكان، و بعد ذلك يمكن الدخول في تأسيس جمعية للمستقبل العربي . و أيضا تباين أوضاع الدول العربية، ممّا يجعل من الصعب تصوّر رؤية مستقبلية واحدة لجميع الدول العربية . لقد كنت أميل دائما إلى أن نبدأ بجهد مصري، لاكتشاف منهج الوصول إلى الرؤية المستقبلية المصرية، يصلح أن يعتمد عليه المفكّرون العرب في الدول الأخرى كمنهج، إذا رغبوا في ذلك .
أمّا السبب الأكبر لتردّدي، فهو اقتناعي بأن الأسس المجتمعية للدول العربية تختلف كثيرا عن بعضها البعض، رغم كثرة الروابط التقليدية المشتركة بين الشعوب العربية . و تعبير الأسس المجتمعية، أو الخريطة المجتمعية، أقصد به النسب بين ما تأخذ به الدولة من أسس و قيم المجتمعات الزراعية و الصناعية و المعلوماتية .. ما يصلح للدولة التي ما زالت تعتمد على الزراعة أساسا، و من ثمّ تأخذ بالنظم و الأسس و القيم الخاصّة بالمجتمع الزراعي، لا يصلح لدولة أخرى أخذت بأسباب الإنتاج الصناعي بشكل قوي، أو الدولة التي قطعت شوطا في الدخول إلى مجتمع المعلومات . هذا بالإضافة إلى سبب ثالث ، هو تخوفّي الطبيعي من التعامل مع الأمراء و الملوك و الرؤساء العرب، حتّى لا أحسب ضمن زمرة رجال الإعلام و الثقافة و الفكر الذين سعوا إلى التعامل معهم .

و إلى الرسالة التالية لنرى كيف استقبلت الريادات العربية هذه الدعوة