السبت، أغسطس ٣٠، ٢٠٠٨

ديموقراطية جديدة لمجتمع المعلومات

الديموقراطية المطلوبة لمصر

ثالثا : المجتــمع المدنــــي

لكي يصبح المواطن قادرا على اتخاذ القرار السليم في أمور حياته، و مجتمعه، يحتاج إلى :
أولا : تعليم يقوم على المعرفة الشاملة، و الابتكار و الإبداع، و يسقط ما اعتدنا عليه من قبول للتلقين، و تعجيز للعقل ..
ثانيا : كما يحتاج ذلك المواطن إلى إعلام يتميّز بالشفافية، يتيح له الوصول إلى كل ما يحتاجه من معلومات و معارف، تفيده في تكوين رأيه على أساس سليم .. إعلام قادر على طرح ما يعتمل في القواعد من أفكار و توجّهات، و ردود أفعال، و أحلام و أماني، حتّى يتاح للقيادات أن تتخذ القرارات السليمة في الوقت السليم ..
ثالثا : ثم يأتي دور العنصر الثالث في طرف المعادلة، أعني بذلك المجتمع المدني القوي النشيط، الذي يعتبر حقل التجارب الصحّي لممارسة ديموقراطية المشاركة .

السبيل إلى المواطنة

يقول أستاذ العلوم السياسية، بنجامين باربر " بدون مجتمع مدني قوي و عفيّ، لن يكون هناك مواطنون، سنجد فقط مستهلكين للسلع، أو ضحايا لقهر الدول .. و بدون مواطنين لا توجد ديموقراطية .. " .
و يتساءل الكاتب الاسكتلندي، دافيد ماكليتشي " متى تنقل حكومتنا المسئولية و السلطة إلى الأفراد ؟"، ثم يستطرد قائلا " نحن أفراد مسئولون، قادرون على اتّخاذ قراراتنا الخاصّة، و صياغة مستقبلاتنا الخاصة .. لسنا مجرّد تروس في ماكينة الدولة، و لكن عن طريق قبولنا الطوعي المتبادل للقوانين، و المؤسسات التي تتضمّن المجتمع المدني، مدركون أن هذه المساواة في ظل القانون توفّر لنا أفضل الفرص لتحقيق أهدافنا الشخصية و الجماعية .." . أفكار هذا الكاتب تعكس فهما عميقا لجوهر الممارسة الديموقراطية في مجتمع المعلومات، و هو يرى أن دور الحكومة ضروري، و لكنه محدود . و الحكومة لم تقم لكي توجّه حياة الناس، بحيث تتفق مع أهدافها السياسية ـ كما يعتقد المسئولين عنها ـ بما تتضمنه تلك الأهداف من خليط الاستراتيجيات و الخطط . فالحكومة موجودة أساسا لتوفير الظروف التي تسمح لأفراد الشعب أن يتحكّموا في حياتهم الخاصّة، و أن يختاروا أهدافهم الخاصة .
و يشير ماكليتشي إلى مسألة محورية، عندما يقول أن القوّة العظمى لمثل هذا المجتمع تنبع من تنوّعه و تباينه . التوجيه من أعلى إلى أسفل، يخلق النمطية و القولبة و السطحية، بينما نحن نبحث عن التقدّم، و الابتكار، و المستويات العالية التي تنبع من الجمع بين : التنافس، و التعاون، ممّا يميّز المجتمع الحرّ في أحسن أحواله .

من التوكيل إلى المشاركة

المجتمع المدني هو التمهيد الطبيعي للتحوّل من الديموقراطية النيابية، إلى ديموقراطية المشاركة .
و دعونا نعود إلى الاقتباس من الدراسة الهامة التي قامت بها مجموعة المفكرين الآسيويين، و التي طرحت الجانب الأكبر منها فيماسبق .. يقول أصحاب الدراسة ، التالي يعكس ما نؤمن به، نحن أصحاب هذه الورقة، من بزوغ لقيم المجتمع المدني العالمي، و رؤيته العالمية :
الغرض : الغرض الحقيقي للمجتمع المني العالمي، ليس هو الاستيلاء على السلطة، لاستبدال السلطة القابضة الحالية، بنظامها الموروث غير العادل، و القائم على العنف . و ليس هو أيضا فرض برنامج أيديولوجي . إنّه من أجل إحلال الثقافات الأصيلة البازغة، و علاقات المشاركة في السلطة داخل المجتمع، محل الثقافة المصنوعة للإمبراطورية ( تقصد
بالإمبراطورية القوى الإمبريالية العالمية المعاصرة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية )، و علاقات السيطرة النابعة منها ، باعتبار عملية الإحلال هذه هي الأساس لحضارة بشرية جديدة .
العقائد و رؤية العالم : نحن ـ جمهور المجتمع المدني العالمي ـ نؤمن بوحدة الحياة الكلية المقدّسة، و بمشاعر الخير الأصيلة، و بإمكانات كل فرد في يعمل كمواطن مسئول، يدرك احتياجات الكل .
القيم : نحن ـ جمهور المجتمع المدني العالمي ـ نقيّم الحياة، و الديموقراطية، و الحرّية، و العدالة، و التعاون، و المواطنة النشطة، و الروح، و الحلول السلمية للتناقضات . إننا نبحث عن المجتمع الذي يأخذ بهذه القيم، و يحترمها، كما نؤمن بأن الوسائل التي سنتّبعها يجب أن تكون متوافقة مع هذه القيم .
الثقافة : المجتمعات تعرّف بنفسها و بأهدافها، من خلال القيم المشتركة بالنسبة لثقافتها، و لرموزها، و لرؤيتها المشتركة للعالم . و سلطة تعريف الثقافة بشكل صحيح، تخص البشر، و المجتمع المدني . القوّة الأخلاقية للثقافة الأصيلة، التي تنبع من الخبرات الروحية و الاجتماعية الأصيلة للبشر، هي القوة الاجتماعية العظمى ـ قوّة البشر ـ لأنّها القوّة التي يحق لها أن تستردّها شرعا من المؤسسات الحاكمة، في المجالات السياسية و الاقتصادية .
تكمن أهمية المجتمع المدني ـ بمعناه الصحيح ـ أنه المجال الطبيعي لتدريب المواطنين على ممارسة ديموقراطية المشاركة التي تنبع من احتياجات مجتمع المعلومات، أو ما تطلق عليه الدراسة التي أشرنا إليها " علاقات المشاركة في السلطة داخل المجتمع " .

مصر .. و المجتمع المدني

في الفترة الأخيرة، ظهرت العديد من الكتب و الدراسات عن المجتمع المدني في مصر، نتيجة للموقف السلبي ـ غير الذكي ـ من جانب النظام الحاكم المصري، الذي لم يدرك بعد ما حدث من تغيرات في حياة البشر. و هكذا تواضع دور المجتمع المدني في مصر لأن النظام الحاكم لم يدرك ـ ضمن أشياء كثيرة أخرى ـ أهمية تشكيلات المجتمع المدني، في التقريب بينه و بين الشعب، و تيسير هدف التراضي المفترض أن يكون قائما بينهما . لم يدرك النظام الحاكم أن جماعات المجتمع المدني، هي النتيجة الطبيعية للتنوّع و التعدّد الذي أفرزته ثورة المعلومات، و الأقليات البازغة التي أتاحها دخول البشر إلى مجتمع المعلومات ..

* * *

الإعلام المتّسم بالشفافية، و الذي يتيح للفرد الوصول إلى المعلومات و المعارف التي يريدها، في الوقت الذي يريدها فيه، هو الذي يسمح له أن يعلم .. و التعليم القائم على التفكير الناقد و الابتكاري في مكان التلقين، هو الذي يتيح له أن يستخدم معلوماته و معارفه في التفكير و الابتكار و حل المشاكل .. و المجتمع المدني القوي و النشط، هو الذي يخلق البيئة المناسبة لبزوغ المواطن القادر على الاستفادة من ذلك التعليم و الإعلام في المشاركة السياسية، و ممارسة الشكل الجديد من الديموقراطية، النابعة من مقتضيات عصر المعلومات .

صدّقوني .. هذا هو السبيل العملي لإنقاذ مصر من جميع المشاكل التي تغرق فيها ..من أزمة رغيف العيش، إلى محنة شيوع السيطرة الأمنية، إلى الفساد الضارب في مصر من قمّتها إلى قواعدها ..