الخميس، أكتوبر ٠٤، ٢٠٠٧

من المسئول عن غياب المشروع المستقبلي لمصر؟

مصري يفكّر في مصر من باريس
درويش الحلوجي .. مفاجأة سعيدة

كنت أفكّر في أن تكون رسالتي هذه حول " الأخبار غير السارّة الي تنتظر لدول النامية " و لكنّي آثرت أن أنشر هذه الرسالة، التي أرسلها مصري يفكر في مصر و هو على أرض فرنسا .. بعكس الطبقة الحاكمة و بعض القيادات الفكرية عندنا، التي تفكّر في الولايات المتحدة الأمريكية، و هي تمرح في خيرات مصر . ما علينا..دعوني أتدارك تقصيري في تأخّر نشر هذا الخطاب، و أفرد له هذه لرسالة بأكملها، لكي نرأها و نتدارس معا ما بها من أفكار إليكم خطاب المفكّر و الكاتب المصري درويش الحلوجي
عزيزي راجي عنايت
الآن يمكن ان اكتب اليك بعض الملاحظات على مقالك الاخير

اولا- كل الأفكار التى اوردتها فى مقالك تصب فعلا فى رؤية مستقبلية تأخذ بها دولا ومؤسسات عديدة ولا اعتقد ان فى مصر من يمتلك مثل هذه الرؤية التى هى فى الاساس منهج فى التفكير وما يحدث فى مصر الآن ونراه جميعا لا يدل على وجود شئ من ذلك.
ثانيا- مع اتفاقى الكامل للأفكار التى عرضتها اود ان اركز على ملاحظة تتعلق بمسألة نظام السوق او الاقتصاد الحر وهى كلمات قد تختلط عند البعض خصوصا لانها تستخدم فى غير موضعها، كيف؟ الاجابة تكمن فى الرد على تساؤل منطقي هو هل الاقتصاد فى خدمة البشر ام البشر فى خدمة الاقتصاد؟ الاجابة على هذا السؤال تحدد مدى جدية السياسات والاستراتجيات التى يتبعها بلد أو مجتمع ما. اذا استبدلنا كلمة اقتصاد السوق او الاقتصاد الحر بكلمة الحداثة ذلك ان هدف اى نظام اقتصادي او سياسي/اجتماعي هو تحديث المجتمع والوصول به الى حالة افضل فى كل المجالات، فإننا نلاحظ دون كثير من الجهد ان تحقيق المشروع الحداثي متعدد الطرق ولا يتبع نموذجا واحدا فقط. لكن من يتولون الأمور هنا فى مصر لا يرون طريقا لتحقيق تحديث مصر الا النموذج الغربي وتحديدا النموذج الامريكي وهو ما يفسر ذلك الخلط لدى هؤلاء بين العولمة والأمركة فالنموذج الاوروبي على سبيل المثال لا يتبع النموذج الامريكي بل يتصدى له فى مجالات كثيرة لعل اهمها مجالي الثقافة والمنتجات الزراعة (مؤتمرات منظمة التجارة العالمية والمؤتمر العام لليونسكو الاخيررفضا المقترحات الامريكية بتسليع الثقافة على سبيل المثال).
لقد حققت دولا كثيرة تتربع الآن على قمة الهرم الحداثي العالمي مشروعها الحداثي واندمجت فى نظام السوق العالمي دون ان تفرط فى هويتها او استمرارية نظامها الاجتماعي السياسي والتعليمي وربما مثال الصين لايحتاج الى تدليل على صحة هذه المقولة فالصين اليوم فى مقدمة الدول التى انجزت مشروعها الحداثي دون ان تتخلى عن هويتها الثقافية بل ونظامها السياسي الاجتماعي (لايزال الحزب الشيوعي هو الحزب الذي يقود هذا المشروع!) كما ان روسيا الحالية قد حققت نفس مشروعها الحداثي تحت راية الحزب الشيوعي السوفييتي (ذلك ان البنية الاساسية للمشروع الحداثي تمت فى الحقبة السوفيتية)، ولا يوجد فى كل من الصين وروسيا حاليا أي تهديد لكل من اللغتين الصينية والروسية كما هو الحال الذي تواجهه اللغة العربية فى مصر مع وجود نظم تعليمية متعددة الجنسيات وجامعات أجنبية كادت ان تصل الى جامعة لكل بلد أوروبي بالاضافة الى كندا ناهيك عن الجامعات الخاصة التى لانعلم كيف تعمل وماذا تقدم وأي نوعية من البشر تفرخ
بل يمكننا ان نذهب الى ما هو ابعد من الامثلة السابقة فنرى دولا شمولية حققت مشروعها الحداثي فى ظل نظام حكم دكتاتوري يقوده جنرالات كما هو الحال فى كوريا الجنوبية واخيرا ربما يكون المثال الياباني خير معبر عن صحة هذه المقولة فالنظام السياسي/الاجتماعي الياباني الذي انجز ما حققته اليابان هو نظام يمكن تصنيفه بالاقطاعي حيث الامبراطور هو رمز وتجسيد لعقيدة تتضمن الولاء والطاعة العمياء وتقديس لتعاليم ومبادئ فلسفات وعقائد والامثلة كثيرة من البرازيل الى الهند الخ.
ثالثا- اصل هنا الى نقطة اتفاق اخرى جاءت فى مقالك تتعلق بعدم وجود مشروع حداثي مستقبلي فى مصر. هنا يبرز سؤال او اكثر: لماذا؟ من المسؤول؟ هل تفتقد مصر العقول التى يمكنها صياغة مثل هذا المشروع؟ وما اسباب افتقاد الرؤية المستقبلية هذه؟ لماذا لم تستطع مصر انجاز مشروعها الحداثي بعد مرور أكثر من نصف قرن على محاولتها الأخيرة؟ هل يكمن السبب فى ضعف وهشاشة النخب السياسية والفكرية المصرية ام ان هناك تفسير آخر؟
هل الأليات التى تتشكل بها النخب المصرية حاليا من تعدد نظم التكوين والتعليم يمكن ان تؤدي الى تحقيق مثل هذا المشروع أم على العكس ستشكل عاملا هادما ومدمرا لتوازن البناء الاجتماعي وتوافق وتجانس المناخ الثقافي والفكري السائد فى المجتمع المصري؟
هذه الأسئلة وأسئلة اخرى كثيرة تحتاج الى تأمل جدي بعيدا عن تهريج المعالجات التلفزيونية او الصحفية السريعة. للإجابة على هذه الاسئلة المركبة والمتشعبة ربما يكون من المفيد القاء نظرة نقدية وتحليلية فى نفس الوقت على مسار المجتمع المصري خلال النصف قرن الاخير وتحديدا منذ قيام نظام يوليو عام 1952 وهنا نسجل ما يلي :
أحدث نظام يوليو قطيعة مع نظام استمر مايقرب من القرن ونصف القرن أى منذ اعتلاء محمد على السلطة وتولى اسلافه من بعده حكم مصر حتى قيام نظام يوليو
المسيرة المصرية الحديثة

بدأت مصر مسيرة جديدة تماما منذ عام 1952 فتم تغيير نظام الحكم الى نظام جمهوري وتداعت التغيرات وتم تبني سياسات تحمل ملامح مشروع لتحديث مصر انتهج سياسات التصنيع والاستقلال الوطني وانحياز اجتماعي واضح لطبقات اجتماعية على حساب طبقات طبقة او شرائح اجتماعية اخرى واستمرت هذه المرحلة من نظام يوليو حتى وفاة عبد الناصر فى سبتمبر عام 1970 ، ويمكن ان نعرف هذه المرحلة بمرحلة بناء الاشتراكية على الطريقة الناصرية مع ملاحظة ان هذه الاشتراكية كانت تفتقد الى الاشتراكيين وهو مايفسر ان القرارات والقوانين التى شكلت اساس هذه المرحلة كانت تتم بشكل فوقي يعتمد اساسا على كاريزمية الزعيم التاريخي لهذه المرحلة!
مع مجئ السادات حدث الانقطاع الثاني خلال اقل من عقدين لكن هذه المرة من داخل نفس النظام اى نظام يوليو مع دخول النظام الى مرحلة ثانية تمثلت فى التخلي عن المشروع الاساسي وتصفية رموزه ضمن عملية الصراع على مقاليد السلطة
بنجاح السادات فى القضاء على ما اطلق عليه مراكز القوى وهو تعبير عن رموز مشروع نظام يوليو فى مرحلته الناصرية فقدالنظام مضمونه الايديولوجي وحدث تفكك و فراغ عقائدي فى المشروع التحديثي الذي بدأ عام 52 ولم يجد السادات امامه الا ان يملأ هذا الفراغ بالايديولوجية الدينية فأعاد جماعة الاخوان وجريدتها الدعوة كما قام بخلق جماعات اسلامية باستخدام ادوات التنظيم السياسي الوحيد الذي كان قائما ختى ذلك الوقت وهو الاتحاد الاشتراكي العربي الذي تولى مسؤول التنظيم فيه محمد عثمان اسماعيل تمويل وتجهييز الجماعات الاسلامية التى اوكل اليها التصدى للحركات السياسية فى الجامعة بشكل اساسي فى ذلك الوقت (الحركات الطلابية 1972-1973). استمر محمد عثمان اسماعيل فى مهمته الخاصة بخلق وتجهييز الجماعات الاسلامية بعد ذلك من محافظة اسيوط التى عين محافظا لها وهذا عامل من بين عوامل اخرى لما تحتله هذه المحافظة من ثقل لنفوذ هذه الجماعات. بجانب ذلك كان عثمان احمد عثمان رجل الاقتصاد القوي وصهر السادات يقوم بنفس المهمة فى معسكرات التثقيف الديني التى كان يقيمها سنويا بمدينة الاسماعيلية لشباب الجماعات الدينية كل عام
استدار السادات دورة كاملة على المشروع الذي بدأ عام 52، وبعد استبدال الاشتراكية بأيديولوجية ذات مضمون ديني واضح مع تغير الخطاب السياسي واستبدال الشعارات السابقة بشعارات تعكس توجه المرحلة مثل دولة العلم والايمان واخلاق القرية واصدار قانون العيب بل ان الامر وصل الى حد الحديث عن امكانية عودة الخلافة ! لكن هذه المرحلة الثانية من نظام يوليو لم تستمر طويلا حتى تحقق اهدافها حيث شهدت اضطرابات اجتماعية وسياسية عديدة لعل اخطرها واشهرها انتفاضة يناير 1977 التى عكست مدى الازمة التى وصل اليها نظام السادات المتسرع الى إعادة النظام الرأسمالي لكن بلا راسماليين
حاول السادات خلق طبقة او شريحة راسمالية عن طريق سياسة الانفتاح الاقتصادي والقوانين التى سنت على عجل لتسهيل ظهور هذه الطبقة لكن النتيجة كانت مجموعات حققت ثروات مالية سريعة عن طريق الاتجار فى العملة وتهريب المخدرات وما عرف بعد ذلك بقضايا الفساد التى قدم بعضها للمحاكمات مع بداية حكم مبارك (رشاد عثمان وعصمت السادات شقيق الرئيس السابق نفسه). وانتهت هذه المرحلة ثانية من نظام يوليو كما نعرف جميعا بإغتيال السادات من قبل من خلقهم هو نفسه وذلك وسط جيشه واثناء العرض العسكري الذي يرمز الى اهم انجاز التصق باسمه اى حرب اكتوبر.
بإغتيال السادات انتهت المرحلة الثانية من نظام يوليو ومع مجئ مبارك كان الوضع المصري فى وضع سيريالي ! لقد هدم السادات مشروع ناصر الوطني ذو الابعاد أو الملامح الاشتراكية ولم ينجح السادات فى تحقيق حلمه او مشروعه بعودة الرأسمالية على الرغم من كل الشعارات والقوانين والتسهيلات وكم الفساد الذي ساد هذه المرحلة بهدف خلق طبقة راسمالية تتولى قيادة او تحقيق مشروع مصر وفقا لرؤيته
الأوضاع الحالية السيريالية

استمر الحال السيريالي مدة اكثر من عقد شهدت مصر خلالها حالة من الارتباك الايديولوجي وغياب المشروع المستقبلي ذلك ان من اغتالوا السادات كانوا هم ممثلوا الايديولوجية التى استعان بها السادات لمواجهة الايديولوجيات الاخرى المعارضة له سواء كانت وطنية ليبرالية او يسارية اشتراكية او ناصرية قومية (حملة الاعتقالات التى سبقت اغتيال السادات شملت جميع هؤلاء) كما تصاعدت اعمال العنف السياسي والمجتمعي بشدة كان ابرز تجسيد لها تمرد قوات الامن المركزي 1986 و وموجات العنف الديني المسلح فى التسعينيات.
بعد حالة التوهان الايديولوجي والسياسي التى استمرت اكثر من عقد ونصف العقد بدأ مبارك فى حسم توجهه فى الاستمرار فيما بدأه السادات مع استخدام لعبة التوازن مع التيارات السياسية الورقية التى تم خلقها على الخريطة الافتراضية للحياة السياسية المصرية بعد الغاء الاتحاد الاشتراكي وخلق المناير التى تحولت الى احزاب بقرارات رئاسية فوقية وهو العامل المشترك القوى الذي لم يتغير مع تغير المراحل المختلفة لنظام يوليو اى الاحتفاظ بهيمنة جكم الفرد مع اختلاف مشروعية كل من المراحل الثلاث. منذ اواسط التسعينيات بدأت سياسات دفع الاقتصاد المصري و محاولة الاسراع فى التحول الرأسمالي بمساعدة من ووفقا لسياسات وشروط البنك الدولي والمؤسسات الدولية الاخرى مثل صندوق النقد الدولي ومجموعة باريس الخ، وبسبب فرادة التجربة من الناحية الاقتصادية كانت قضايا الفساد التى شهدتها هذه السنوات ولا زالت شاهد على فشل هذا التحول بل وعلى مايحمله من افاق كارثية مستقبلية للمجتمع المصري بل وللنظام السياسي القائم ذاته. الفشل كان اكثر وضوحا فى فترتي عاطف عبيد والجنزوري وكان التداخل وازدواجية الخطاب الذي لايزال يستخدم مصطلحات المرحلة الاولى والثانية لنظام يوليو بالاضافة الى قاموس المصطلحات الجديدة المتضمن فى برامج البنك الدولي وبيوت الخبرة وهو ما نراه ونسمعه كلما تحدث احد من مسؤلي الحزب الوطني وخصوصا اعضاء لجنة السياسات والهيئات الملحقة به مثل دورات شباب رجال الاعمال وشباب الحزب والمرأة الخ, يكفي ان تستمع الى تلك الاسطوانات المشروخة عندما يتحدث واحد من هؤلاء عن تسويق المنتج وجودة المنتج والحديث عن الثقافة والتعليم كمنتج لتعلم انه يكرر ما تلقنه فى دورات هذا الكيان الحزبي
لكن المأساة بل الجريمة التى ترتكب فى حق مصر ان من يقوم على إعداد وهيكلة هذه الدورات وتفريخ هذه النوعية من الشباب هم أنفسهم الذين كانوا يقومون بهذه المهمة فى المرحلتين الاولى والثانية من نظام يوليو حيث كانوا يقومون بتكوين كوادر الاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب الاشتراكي العربي فى المرحلة الناصرية من خلال محاضراتهم عن الاشتراكية والنظريات الاجتماعية والنظرية الماركسية الخ، وهم انفسهم الذين تولوا هذه المهمة فى المرحلة الثانية فى عهد السادات من خلال مواقعهم كوزراء للتعليم والاعلام وهاهم يمارسون نفس الدور فى هذه المرحلة الثالثة فى عهد مبارك بعد ان غيروا مضمون الخطاب الذي يشكلون به نخب الحزب والدولة للمرة الثالثة. لايحتاج الامر الى أى جهد لاستدعاء الأسماء فهم حاضرين دائما والدور الذي قاموا ولايزالوا يقومون به يشكل احد اهم العوامل التى ادت الى ما ألت اليه الاحوال المصرية. الاسماء ليست قليلة لكن هؤلاء المثقفوقراط والتكنوبيروقراط يجب محاسبتهم على ما الحقوه بمصر من ضرر طوال نصف قرن، يكفي ان نعلم ان ثلاثة من هؤلاء تولوا أمانة تنظيم الشباب الاشتراكي العربي وكانوا مسؤولين مباشرة عن برامج التثقيف وإعداد الكوادر لجيلين من شباب مصر: حسين كامل بهاء الدين واحمد ابو المجد ومفيد شهاب وبالطبع لايمكن نسيان على الدين هلال اما فى المجال التشريعي وشخصنة القوانين فإن اسم فتحي سرور واللجان التى تتبعه لا يحتاج الى تذكير
الآن، بعد هذا العرض الموجز لنصف قرن شهد ثلاث انقطاعات (الاشتراكي القومي- الشعبوي المتمسح بالدين- الرأسمالي المتعولم) هل يمكن لنا ان نستنتج ان الفشل فى تحقيق هذا المشروع يكمن فى هذا التخبط الذي تحلت به النخب المصرية التى تولت أمور حكم مصر خلال النصف قرن الاخير؟ ودون الدخول فى تحليل سوسيولوجي لطبيعة هذه النخب يكفي ان نرصد عامل مشترك يجمع بينها وهو الأصل والتكوين العسكري لرأس النظام، ونحن نعلم مدى خطورة واهمية الدور الذي يلعبه من يتربع على قمة نظام الحكم شديد المركزية فى مصر. لكن التحليل السوسيولوجي للتحولات البنيوية التى طرأت على المجتمع المصري خلال العقود الثلاث الاخيرة لابد ان يأخذ نصيبه من الاهتمام
الثقافة البدوية الوهابية
ان فهم ما يحدث فى مصر الآن لا يمكن ان يتم دون فهم الدور الذي لعبته موجات العمالة المصرية التى ذهبت بالملايين للعمل فى دول الخليج البترولية ثم عادت محملة ببعض المدخرات ولكن الاخطر انها حملت معها فكرا وثقافة بدوية نشهد مظاهرها بوضوح الآن. لكن حتى هذه الثقافة البدوية أو الوهابية لم تكن لتحقق مثل هذا الانتشار فى المجتمع المصري الذي يتميز تاريخيا بثقافة وبناء فكرى اكثر تقدما بلا ادنى شك، نقول ان ذلك لم يكن ليتحقق بدون تواطؤ داخلي عمل على اضعاف بل وتفكيك المكونات الثقافية والتراث الفكري الذي راكمه المجتمع المصري خلال القرن العشرين ونهايات القرن التاسع عشر، من هم المتواطئون؟ اين يوجد حصان طرواده الذي يسهل ويعمل على تمكين ثقافة وفكر اكثر تخلفا كي ينتشر ويهدد الفكر المستنير او الاكثر تطورا؟ علينا قبل ان يحدث الطوفان البحث عن حصان طرواده فالمعركة لازالت طويلة. حصان طرواده فى الاعلام وفى التعليم وفى الثقافة، هنا مربط الفرس

ملحوظة
بالنسبة لموضوع الدراسات المستقبلية سيكون لنا حوارات مفصلة وبهذه المناسبة يسعدني ان اخبرك بانني قد ترجمت مع بعض الزملاء كتابا هاما فى هذا الموضوع لمنظمة اليونسكو وهو كتاب مفاتيح القرن الحادي والعشرين
Keys to the 21st Century
ولأسباب ادارية ويونيسكوية كان هناك عقد آخر لترجمة نفس الكتاب مع مجموعة من اساتذة الجامعة فى تونس ولقد صدرت الطبعة الشمال افريقية ولم تصدر ترجمتى او الطبعة المصرية حتى الآن لكن هناك اتصالات وجهود لأخذ موافقة اليونسكو لإصدار هذه الترجمة فى مصر بسعر يكون فى متناول كل من يهتم بهذا الموضوع. الكتاب هو حصيلة حوارات وسيمينارات دارت طوال السنوات الاخيرة من القرن العشرين بين علماء واخصائيين ومفكرين وفلاسفة الخ. العديد منهم حاصلين على جوائز نوبل فى مجالات مختلفة من الفيزياء الى الكيمياء والاقتصاد والسلام الخ. والنسخة الانجليزية للكتاب تقع فى حوالي 400 صفحة من القطع الكبير والطبعة الفرنسية فى اكثر من خمسمائة صفخة. ويقع الكتاب فى خمسة اجزاء تغطي كل ما يمكن ان نتصوره من مجالات النشاط الانساني من طبيعة المستقبل ذاته فى ابعاده الفلسفية والابستمولوجية ومستقبل الانواع وكوكب الارض ثم مستقبل الثقافة والتعليم والتعددية فى هذين المجالين وبعد ذلك تناول لمستقبل العيش معا أو نحو عقد اجتماعي جديد واخيرا مستقبل العالم فى ظل العولمة أو نحو عقد اخلاقي جديد، ويحتوى كل قسم من هذه الاقسام على عشرات المداخلات او الدراسات التفصيلية
فى النهاية اعتقد ان حوارات كثيرة ستبدأ وآمل ان يكون هناك فى مصر الآن من يهتم بهذه القضايا المتعلقة بالروئ المستقبلية على اساس علمي حقيقي
تحياتي
درويش الحلوجي
باريس 29 مايو ‏2007‏

الثلاثاء، أكتوبر ٠٢، ٢٠٠٧

التفكير الناقد، و التفكير الابتكاري

تفكير زمن التغيير الشامل

لا شك أن التصدّي لمهمة مواجهة أسس جديدة للحياة، تترتب عليها علاقات اجتماعية و اقتصادية و سياسية جديدة، كما كان لأمر عند الانتقال من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة، و كما هو الحال ـ اليوم ـ مع انتقال البشرية ن عصر الصناة إلى عصر المعلومات ذلك النوع من التصدّي يحتاج إلى توفر مجموعة من المزايا العقلية، و الضوابط الأساسية في عمليات التحليل و التركيب الفكري، و من بين ذلك القدرة على ممارسة نوعين خاصين من التفكير، و ليس الوقوف عند حد التفكير المنطقي التقليدي هما : التفكير الناقد، والتفكير الابتكاري

التفكير الناقــد

في زمن التغيير الشديد المتلاحق الذي نعيشه، و الذي تحكم حياتنا فيه أسس و مبادئ و عقائد جديدة علينا، تختلف في معظم الأحيان مع ما كنا نأخذ به، بل و تتناقض مع في كثير منها . في هذا الزمن نحتاج إلى إبداء حرص شديد في تناولنا للأفكار و المعاني و الأوضاع السائدة،حتى لا نقع ـ شعوريا أو لاشعوريا ـ في أخطاء تفكير تعوق وضوح رؤيتنا
التفكير الناقد يمكن أن يكون خير معين لنا في هذا المجال، فهو يتيح أن ندرك تنوّع القيم و ضروب السلوك و أنماط البناء المجتمعي في العالم . و هو يستوجب امتحانا دائما للافتراضات التي نأخذ بها، والتعرف على السياق الذي تخرج منه أفكارنا و عقائدنا، لنتأمل إذا ما كان ذلك السياق يتفق مع سياق حياتنا الحالي و المستقبلي
و من مقومات التفكير الناقد
( 1 ) التعرّف على الافتراضات و تحدّيها
من أهم أسس التفكير الناقد، محاولة التعرف على الافتراضات التي يقوم عليها تفكيرنا و ضروب سلوكنا . ثم امتحان هذه الافتراضات، و التحقّق من مدى سلامتها و اتفاقها مع واقع الحياة التي يعيشها . علنا أن نتساءل بالنسبة لكل ما نأخذه مأخذ التسليم، و نعتبره من الأمور البديهية، سواء في تنظيم العمل، أو في العلاقة مع الآخرين، أو في الأساس الذي يقوم عيه التزامنا السياسي و العقائدي ( 2 ) الانتباه إلى السياق الذي تنبع منه الافتراضات
عندما نعي أهمية الافتراضات الخفية في تشكيل عاداتنا الإدراكية، و في فهمنا للأمور، و في تفسيرنا للعالم من حولنا، و في سلوكنا .. عندما يتحقق هذا، نصبح أكثر إدراكا لمدى تأثير السياق الذي تنبع منه تلك الافتراضات . ممارس التفكير الناقد، يعلم أن الممارسات و التصرفات و الترتيبات الاجتماعية لا تكون بلا سياق يحكمها
( 3 ) تصور و امتحان البدائل
من الأمور الأساسية في التفكير الناقد، القدرة على تخيّل و امتحان بدائل للطرق الحالية التي يلتزم بها الفرد في تفكيره و في حياته . ممارس التفكير الناقد، عندما يتحقّق من أن العديد من أفكاره و تصرفاته تنبع من افتراضات قد لا تكون مناسبة لحياته الراهنة، ينشغل دوما باكتشاف و امتحان طرق جديدة للتفكير و التصرف . و هو يعي دائما أثر السياق في تشكيل كل ما يعتبره عاديا و طبيعيا
( 4 ) التشكك التأمّـلي
عندما نكتشف بدائل جديدة لما كنّا نفترض رسوخه من نظم الاعتقاد و السلوك التي تعودنا عليها، نصبح أكثر تشككا فيما يمكن أن نسميه "الحقيقة النهائية"، أو " التفسير الكامل" الذي لا يمكن أن يلحق به الخلل من أي جانب، و هو ما نطلق عليه :التشكّك التأمّلي

الذين يمارسون التشكك التأملي، لا يأخذون الأمور على علتها . و هم يدركون أن التمسك بممارسة ما أو الاعتماد على بنية ما لزمن طويل، لا يعني أنها الأنسب لجميع الأزمان، و بالتحديد للحظة الراهنة. كما أن مجرّد قبول الفكرة من الجميع، لا يعفينا من امتحانها على أرض الواقع الراهن، ثم نقبلها أو نرفضها وفقا لما نتوصل إليه

التفكير الابتــكاري

التفكير الابتكاري، هو الذي يتيح لنا الوصول إلى البدائل الجديدة التي يدعو التفكير الناقد إلى البحث عنها . و الابتكار الذي نتحـدّث عنه، يتسع عن مجال الابتـكار الذي يمارسه المخترعـون و الفنانون و الأدباء . إنّه الأداة الضرورية للعامل العقلي الذي يسود مجال العمل في عصر المعلومات . و هو الابتكار المنظّم الذي يمكن للفرد العادي أن يتدرّب عليه
المشكلة هي أن التعامل مع التغيّرات الحالية، و مع المجتمع الجديد الذي تقود إليه، لا يجدي فيه الاعتماد على الأفكار أو الخبرات أو النظريات أو العقائد أو الأيديولوجيات النابعة من عصور سابقة، كعصر الزراعة أو عصر الصناعة . نحن في حاجة دائمة إلى تفكير ابتكاري، يفتح لنا سبلا جديدة لم نكن نعرفها من قبل، و يوفّر لنا بدائل متعددة جديدة لحل مشاكلنا، و تجويد عملنا، و إعادة بناء واقعنا وفقا لاحتياجات المجتمع الجديد، مجتمع المعلومات
التفكير الابتكاري، هو طوق النجاة، عندما نفشل في الوصول إلى حلول نعتمد فيها على جمع المعلومات و معالجتها، و تسليط المنطق التقليدي عليها . فالابتكار يتيح لنا الخروج من قبضة الخريطة المحفورة في مخّ كل واحد منّا، و يفتح الباب أمام الحلول الجديدة غير المسبوقة، التي تنسجم مع ما تقتضيه احتياجات المجتمع الجديد
و إذا كان استشراف المستقبل هو موضوعنا الأساسي، فالتفكير الابتكاري هو وسيلتنا لاستشراف المستقبل . قد نستطيع أن نحصل على بيانات كاملة عن الماضي أو الحاضر، لكن من المستحيل أن نصل إلى بيانات كاملة عن المستقبل.. بإمكاننا أن نصل إلى جانب من صورة المستقبل، بدراسة مؤشّرات التغيير الأساسية الراهنة، على صورة سيناريوهات مستقبلية
هذه فكر عاجلة عن هذين النوعين منن التفكير: التفكير الناقد، و التفكير الابتكاري
و لمن يريد التوسّع في معرفة شاملة في هذا الموضوع، أحيله لى الموقع الخاص بالابتكار، عنوانه

و إلى رسالة قادمة .. راجي

الاثنين، أكتوبر ٠١، ٢٠٠٧

تعليم مختلف .. لعصر مختلف


قبل التفكير في تغيير التعليم
علينا أن نعرف كل شيء عن
إنسان عصر المعلومات

بفضل مجموعة من المفكرين و العلماء ـ من الشرق و الغرب ـ أمكن الوصول إلى رؤية شاملة لمستقبل حياة جديدة للبشر، أطلق عليه في أوّل الأمر مجتمع ما بعد الصناعة . لقد أيقن هؤلاء أننا نمضي إلى نظام جديد للحياة، يختلف كثيرا عن نظامي الحياة الزراعية و الصناعية . و اكتشفوا أن النظم التي نجحت في عصر الصناعة، لن يكتب لها النجاح في النظام الجديد الذي يقوم على أسس و مبادئ تختلف كثيرا عن نظيراتها في عصر الصناعة
من واقع دراسة المجتمع الجديد، اتّفق الجميع على تسميته بمجتمع المعلومات، باعتبار أن المعلومات هي رأس المال الأهم فيه . و دون الدخول هنا في العوامل التي قادت إلى انقضاء عصر الصناعة، و سيادة عصر المعلومات، سنركّز على بعض التحوّلات الأساسية، التي تتيح لنا التعرّف على أسس التعليم الجديد
(1) من النمطية و الجماهيرية إلى التنوّع و التباين و احترام
(2) من المركزية إلى اللامركزية و النظام الشبك
(3)من العمل الجسدي إلى العمل العقلي و المعرفي
، (4) من الديموقراطية النيابية إلى ديموقراطية المشاركة
، (5) من التزامن المحكم، إلى الزمن المتكيّف،
(6) من التعليم النمطي، إلى التعليم الذاتي المستمر،
(7) من التخطيط قصير المدى، إلى الرؤية المستقبلية
، (8) من التخصّص الضيّق، إلى المعرفة الشاملة،
(9) من السعي إلى الضخامة و النهايات العظمى، إلى شعار الصغير أجمل .

إنسان عصر المعلومات


و لكي نتعرّف على النظم التعليمية الجديدة في مجتمع المعلومات، يجب أن نحدد مواصفات الإنسان المنسجم مع الحياة في عصر المعلومات، و الذي يستطيع الاستفادة من كلّ ما تتيحه الحياة في مجتمع المعلومات، ثم نبني على ذلك الأسس الجديدة للنظم التعليمية في هذا المجتمع
التعرّف على خصائص إنسان مجتمع المعلومات، يفيدنا في تحديد أسس التعليم التي تتيح تحقّق أعلى نسبة من هذه الخصائص . و هو يفيدنا أيضا في تحديد أسس العديد من مجالات نشاطنا المستقبلية، في الإدارة، و الممارسة الديموقراطية، إلى آخر ذلك

إنسان عصر المعلومات ـ دون الدخول حاليا في الشروح المطوّلة ـ له صفاته المحددة التي تختلف عن صفات إنسان عصر الصناعة، أو الزراعة، و التي من أهمّها أنّه

متفرّد، و غير نمطي
بعد انقضاء جدوى النمطية التي أشاعها عصر الصناعة، و نتيجة لتدفّق المعلومات و المعارف، يصبح إنسان مجتمع المعلومات أكثر حرصا على تفرّده و ذاتيته، و لا يرضى أن يكون صورة مكرّرة
للآخرين، قادرا على التعامل مع التكنولوجيات المعلوماتية التي تساعده على الاستفادة من تدفّق المعلومات، و الاستفادة منها
قادر على تحصيل المعارف ذاتيا، و بشكل دائم
مع تسارع المعلومات، و التغيرات التي تطرأ على المعارف، يستحيل أن يكتفي الفرد بتحصيل معارفه عند عمر معيّن، أو عند انتقاله من الدراسة إلى العمل، الأمر الذي كان سائدا في عصر الصناعة، لذلك فإن إنسان المستقبل يؤمن بأن الحياة عبارة عن سلسلة متعاقبة من التعليم و التدريب و العمل، ثم المزيد من التعليم، و إعادة التدريب . و هذا يقتضي أن يكون إنسان المستقبل مستعدا ـ في نفس الوقت ـ للاعتماد على نفسه، في ملاحقة المعلومات المستجدة، و ما يطرأ على العلوم و المعارف من تغيّرات، مستخدما التكنولوجيات المعلوماتية التي أصبحت متاحة للجميع، كالكمبيوتر و الإنترنيت ممارس للتفكير الناقد، قادر على الابتكار

مع تغيّر أسس الحياة جذريا، لا يبقى شيء على حاله، و يكون على إنسان مجتمع المعلومات أن يعيد النظر ـ دائما ـ في كل ما استقرّ عليه الرأي من قبل . و التفكير الناقد، يتيح التعرّف على الافتراضات التي قامت عليها الأفكار و النظريات و العقائد، لامتحان مدى استمرار صلاحيتها .. كما أنه يتيح الانتباه إلى السياق الذي نبعت من الأفكار المتداولة، لمعرفة مدى استمرار صلاحية ذلك السياق .. و نتيجة للتحوّل إلى العمل العقلي، أصبح على العامل أن يكون قادرا على : رصد المشكلة في عمله، و التفكير في حلول لها، و انتقاء الحل الأنسب و الأوفق، ثم تطبيق ذلك الحل، و التثبّت من صلاحيته .. هذا يعني أن الابتكار و التفكير الابتكاري أصبح سمة أساسية في نشاط إنسان مجتمع المعلومات
إيجابي، و متعاون

التنظيم الهرمي لتسلسل الرئاسات، الذي هو العمود الفقري للبيروقراطية .. هذا التنظيم الذي
نأخذ به، رغم تناقضه مع احتياجات عصر المعلومات، كان يفرض على الفرد أن ينفّذ التعليمات الصادرة إليه من المستويات الأعلى منفردا ..لكن التنظيمات الإدارية الجديدة للعمل، على امتداد العالم المتطور، تحوّلت إلى تنظيمات جديدة، تعتمد على هبوط نسبة كبيرة من مسئولية اتخاذ القرار، التي كانت تنفرد بها القيادة، إلى الوحدات القاعدية، متكاملة الخبرات، شبه مستقلة الأداء، حرّة الحركة تجرى اتصالاتها في جميع الاتجاهات . لهذا يجب أن يكون إنسان المستقبل إيجابيا، قادرا على المبادرة و على التفكير الخلاّق عند اتخاذ القرارات المتصلة بعمله، ناجحا في التعاون مع غيره من أفراد مجموعته، و مع المجموعات الأخرى، داخل مؤسسته و خارجها

معتزّ بعقيدته، محترم لعقائد الآخرين

مع اندفاع ثورة المعلومات، و التنوّع الكبير الذي سيطال البشر، إنسان مجتمع المعلومات لا يخجل من أفكاره و عقائده، الناتجة عن جهده في التفكير الناقد، معتزّا باختلافه عن الآخرين، و هو في نفس
الوقت يحترم عقائد الآخرين، و لا يحاول أن يفرض عليهم عقيدته

تعليم عصر المعلومات


إذا كانت هذه هي خصائص إنسان عصر المعلومات، فما هو نوع التعليم الذي يصلح له و لمجتمعه؟

وفقا لخصائص إنسان عصر المعلومات التي أوردناها في الرسالة السابقة،يمكننا أن نستنبط طبيعة التعليم التي تناسب هذا العصر .. و هذا الإنسان .. و التي تشير إلى
· تعليم يساعد على التفرّد، و يناهض القولبة، و محاولة جعل الأفراد آحادا متراصة متشابهة .
· تعليم خالق للمعرفة، يحض على التفكير و الابتكار، و يحارب التبعية النمطية و التلقين .
· تعليم يستفيد من دخول الأجيال إلى كل منابع المعلومات و المعارف، بلا قيود أو وصاية .
· تعليم يناهض كل ما هو جماهيري، من رواسب نظم عصر الصناعة، و يحترم الفروق بين الأفراد
تعليم لا يضع قيدا على العقيدة، و يحترم التنوّع الشديد الذي استحدثه تدفّق المعلومات و المعارف في عقائد البشر و توجّهاتهم، ويحضّ الفرد على الإيمان بأن اختلافه عن الآخرين، هو مصدر ثراء له و للآخرين

مع دخول الكمبيوتر، و الإدارة الرقمية، و الروبوت، إلى المصنع و المكتب، يقتضي الأمر الاعتماد على نظام تعليمية جديدة، تختلف كثيرا عمّا نأخذ به، من بينها التالي
( 1 ) من التلقين، إلى التفكير و الابتكار

الكمبيوتر و الروبوت نجح في تولّي معظم الأعمال الروتينية في المصنع و المكتب، و بشكل متفوّق عن الأداء البشري، فلم يبق للبشر سوى العمل العقـلي أو المعـرفي، الذي يقتضي التفكـير، و القدرة على حل المشاكل، بالبحثّ عن بدائل الحلول، و اختيار الحل الأوفق للظروف، ثم تطبيقه و متابعة أدائه . و هذا هو التحوّل الأساسي في النظام التعليمي المناسب لعصر المعلومات . من تعليم يقف عند حد تلقين المعلومات المحدودة، إلى تعليم يشجّع على التفكير، و البحث عن الحلول، و يحض على الابتكار و الإبداع . نحن ننتقل من تعليم عصر الصناعة الذي كان يعمد إلى تلقين التلاميذ، و حشو رؤوسهم بشتات المعلومات، و بعض التقنيات، إلى تعليم يستهدف خلق المعارف و التدريب المتواصل
( 2 ) بيئة تعليمية مفتوحة
ستتحوّل البيئة التعليمية المغلقة الحالية، إلى بيئة تعليمية مفتوحة، تعتمد على شبكات المعرفة الإلكترونية، التي تعطي أهمية أكبر للقدرات الشخصية . البيئة التعليمية الجديدة، تنهي احتكار المدرسة للعملية التعليمية، و تفتح الباب أمام ممارسة التعليم في البيوت، و في المؤسسات الاقتصادية التي ستتكفّل بجانب منه .
( 3 ) من التعليم النمطي، إلى الشخصي
النظام التقليدي النمطي الجماهيري، النابع من عقلية و احتياجات عصر الصناعة، يحل محلّه نظام جديد يقوم على أساس اعتبار قدرة الفرد و اختياراته . و هذا يعني أنّه في مكان نظام التعليم الحالي، الذي يجري تقسيمه على أساس الأعمار، يقوم نظام جديد يسمح لقدرات الأفراد بالتقدّم إلى مستويات متقدّمة، بصرف النظر عن العمر
( 4 ) التعليم على مدى الحياة
التعـليم العام لعصر الصناعة يقوم على تعليم إجباري، بالإضافة إلى فرص قليلة للتعليم الأعلى و الحرفي . و كان التعليم ينتهي عادة بالحصول على شهادة أتمام الدراسة، التي تؤهّل لدخول الوظائف و مجالات العمل
مع تسارع المعلومات و المعارف، و تغيّر النظريات، و هبوط علوم و صعود علوم جديدة، تنشأ ضرورة اعتماد الدارس، أيا كان عمره، على التكنولوجيات الإلكترونية الحديثة، لمتابعة ما يحدث بشكل عام، و في فرع تخصّصه بشكل خاص . و هذا يجعل تعليم عصر المعلومات عملية ممتدة على مدى حياة الفرد

( 5 ) التعليم الذاتي

يساعد على التعليم الدائم المتواصل، مبدأ التعليم الذاتي الذي يأخذ به عصر المعلومات . و هو ما يوفّره الكمبيوتر، و غير ذلك من التكنولوجيات الإلكترونية . لقد أصبح بإمكان الفرد أن يعلّم نفسه، على مدى مراحل عمره، اعتمادا على البرامج التعليمية الخاصّة بالكمبيوتر، الذي يقوم باختبار الدارس، عند مراحل معينة، للتثبّت من استيعابه، تمهيدا لإعادة الدرس، أو الانتقال إلى الدرس التالي

* * *

ماذا يعني هذا كلّه ؟.. يعني أساسا تعليميا مختلفا في كل شيء عن الذي أخذناـ و ما زلنا نأخذـ به .. بالنسبة لمكان التعليم و طرقه و المشرفين عليه و امتحاناته وأهدافه ..ثم يعني قبل كلّ شيء الاحتياج الحقيقي لفهم معنى كلّ من التفكير الناقد و التفكير الابتكاري.. و هو ما سنحاول طرحه ـ باختصار ـ في الرسائل التالية