الأربعاء، يوليو ٠٢، ٢٠٠٨

ديموقراطية جديدة لمجتمع المعلومات


اليـد الخفــية ..

هل تصلح بديلا للسلطة البنيوية ؟

أحد بدائل السلطة البنيوية، هو النظام الذي فيه " يتولّى الناس أمورهم "، و يتصرفون وفق المعنى الضيّق للمصلحة الشخصية، ذلك النمط الذي يمكن أن نقتفي أصوله عند آدم سميث اقتصاديا، و جيرمي بينتام فلسفيا .. ذلك النمط الذي غالبا ما يطلق عليه تعبير " اليد الخفية " .
يقول الكاتب المستقبلي روبيرت ثيوبالد " هذا النمط يفيد أن الأفراد إذا ما اتّبعوا مصالحهم الخاصة، سيزدهر الاقتصاد و المجتمع .." . و هذا النموذج الفكري، يتضمّن الإيمان بأن العالم يمضي وفق ساعة كونية، من الحكمة عدم التدخّل في عملها . و لكن عند نهاية القرن التاسع عشر، تزايد وضوح نقائص ذلك النموذج . و في ستينيات القرن الماضي كان ( الهيبيز ) من أشد أنصار فكرة اليد الخفية هذه .
الحقيقة الخالصة، هي أنه ليس في إمكاننا أن نخلق ديموقراطية توقّعية حقيقية، دون تحوّل هائل في فهمنا حول عمل الاقتصاديات الاجتماعية، و في هذا يقول ثيوبالد " الطريقة التي نفهم بها العالم حاليا، و الطريقة التي نفكّر بها في هذا الأمر، لن توفّر لنا تناولا لمسألة اتخاذ القرار، يكون في نفس الوقت ديموقراطيا، و مستوعبا حقائق المستقبل .." .
يميل بعض المتحمسين لمشاركة المواطنين، و للديموقراطية التوقّعية، إلى المبالغة الضارّة، بتصوّرهم أن مشاركة المواطنين في صنع القرار، و الديموقراطية التوقعية، يقودان إلى مدينة فاضلة مثالية . و هذا يثقل على الجهد المبذول في هذا السبيل بتوقّعات لا يمكن تحقيقها . و يقول ثيوبالد " هذا الشكل المناسب لاتخاذ القرار، قد يجعل من الممكن ( إدارة أمور العالم )، و من خلاله يمكن الوصول إلى مستوى جديد من الكفاءة، تساعد على تحقيقه المستويات العالية من التكنولوجيا حاليا .." .

الكفاءة .. و اتخاذ القرار

يقول ثيوبالد أن هناك بديلا لنموذجي السلطة البنيوية، و اليد الخفية .. و وجهة النظر الجديدة هذه، تفيد أن الناس عليهم أن يتخذوا القرارات في المجالات التي تكشف عن كفاءتهم، و أن يحققوا الاتصال بين مجالات الكفاءة التي لا يوجد اتصال بينها، و أن يعملوا معا،مجتمعين، خلال كامل عملية التفكير في اتخاذ القرار .
و عادة ما تظهر ردود فعل مضادة، في مواجهة هذه الدعوة . أوّلها، أن ما يقول به البعض من أن الأخذ بهذا سيقود إلى عدم حدوث تغيير في المجتمع الحالي، أي أن تظل النخبة الحالية محتفظة بالسلطة . رغم أن ثيوبالد يعتقد أن النخبة التي بيدها السلطة حاليا لا تعكس ـ بالضرورة ـ الكفاءة في المجال الذي تسيطر عليه . و ثانـي ردود الفعل المضادة
يصدر عن جماعات تؤمن بعدم وجود اختبارات يمكن بها تحديد الكفاءة بشكل دقيق . و يرد على هذا بأن التجربة العملية في مواجهة المشاكل تكشف للجمهور مدى الكفاءة التي يتمتع بها القائد . و أن السر في صعوبة تولّي أصحاب الكفاءات لمواقع صنع القرار، المقاومة التي يبديها عدم الأكفاء الممسكين بالسلطة حاليا . و الاعتراض الثالث يصدر عن أفراد يخافون من أن تولي الأكفاء للسلطة يجعل من الصعب تغييرهم، إذا استجد أمر .

الانتماء إلى الحياة الجديدة

تصبح مشاركة المواطنين في صناعة القرار ممكنة و مطلوبة، إذا كان بالإمكان إحلال قيم و رؤى عصر المعلومات و الاتصالات، محل قيم و رؤى عصر الصناعة . و هو ما حدث عند انتقالنا من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة .
التحوّل السابق تم عبر أجيال، مع اختلاف رؤية كلّ جيل عن الذي سبقه، و ممّا خلق نوعا من التوتّر بين الأجيال . المشكلة حاليا، هو أنه ليس لدينا الوقت الكافي لانتظار حدوث التغيير عبر أجيال، و أن كلّ واحد منا مطالب بأن يعيد اختبار أفكاره عن الحياة و النجاح، على ضوء التغيرات العريضة التي تتعرّض لها حضارتنا . و يقول ثيوبالد " معظمنا يجد هذا الواجب شاقا بشكل غير عادي، لغياب النماذج التي نهتدي بها . لكننا سنكتشف بعد قليل بأن القيم المطلوب منّا تبنيها أكثر إنسانية، و أكثر قبولا من التي يطلب منّا التخلّي عنها ..و مع ذلك لن يكون التغيير سهلا .." .

السلطة الحكيمة

ما نحتاجه، هو الفهم السليم للسلوك البشري . فلا صحة للقول الذي يتردد كثيرا حول أن الناس يتصرفون بما يتّفق مع مصالحهم، في لحظة إقدامهم على التصرّف . فلم يثبت من التجارب العملية أن الناس عرفوا أين تقع مصلحتهم، أو عرفوا التصرف الأسلم لبلوغ الهدف، أو التزموا بهذا في تصرفهم، انهم قد يسعون إلى هدف في وقت ما، ثم إلى هدف آخر في الوقت التالي . و يقول ثيوبالد " الحقيقة ببساطة هي أن الناس يختلف تعريفهم للنجاح.. و أن تعريف الفرد يتأسس
وفقا لمداركه، و لماضيه، و لخبرته الشخصية، و احتمالاته الوراثية .." . و هو يقول أن السعي لتغيير سلوك البشر يتضمّن التالي :
أولا : مساعدتهم على إعادة تقييم معنى خبراتهم السابقة .
ثانيا : تمكينهم من اكتشاف رؤى المستقبل، التي ستغيّر أهدافهم، إلى اتجاهات يرغبون فيها أكثر .
ثالثا : تعليمهم المهارات التي تساعد على جعل أقوالهم و تصرفاتهم تيسّر وصولهم إلى الأهداف المنشودة .
كأفراد، عليهم تعلّم ممارسة إعادة تقييم ماضيهم، و تصوّر مستقبلهم الجديد، و لا مناص من أن البدء في تعلّم محاولة التأثير على المجتمع الذي يعيشون فيه .. وهذا هو الذي سيقود إلى تحقيق ديموقراطية توقّعية فعّالة .. و مع كلّ هذا، فطبيعة الأمور تقول أن هذا سيقتضي بعض الوقت لظهور التغيير المنشود، بحكم القصور الذاتي الهائل للمجتمع، و مقاومة البنية البيروقراطية لأي تغيير .

طرق التحكّم في الذات

المشاركة الصادقة من جانب المواطنين، تحتاج إلى تحوّلات عميقة في الطرق التي نحكم بها أنفسنا :
أوّلا : نحن نحتاج معرفة أن هناك عدد قليل من الصراعات التي يكون فيها أحد الطرفين محقّا بالكامل، و الآخر مخطئا بالكامل . العيب في نظامنا القانوني هو سعيه لتخريب و إخفاء الظلال الرمادية، و اختزال الأمر إلى أسود و أبيـض
ثانيا : نحن في حاجة إلى تطوير هياكل جديدة تسمح للناس بتطوير أفكارهم و التعبير عنها، بأكبر قدر من الوضوح . في المستقبل، سنحتاج إلى البحث عن المدهش و غير المتوقّع . و القدرة على تقبّل ما هو مستجد، قبل أن يكتمل نضجه، يعتبر من أندر المهارات و أكثر ما نحتاجه منها، في حياتنا الجديدة .
نحن في حاجة إلى خلق آلية جديدة، تساعدنا في توضيح الخلافات و الفرص . و هذه العملية في شكلها الأمثل تتكوّن من أربعة جوانب :
الأول : جانب ينصب على توصيف عناصر الاتفاق القائم حول موضوع معيّن، و بخاصة العوامل التي تقود الناس إلى الإيمان بأن هذا الموضوع يستحق الاهتمام .
الثاني : و جانب يصف عناصر عدم الاتفاق القائمة حول الموضوع، و أسباب عدم الاتفاق، و نوع المعارف المطلوبة للمساعدة على الوصول إلى اتفاق .
الثالث : و جانب يستكشف نطاق السيناريوهات التي تفرضها التصورات المختلفة للموضوع الذي نتناوله، و اقتراح المعايير المختلفة للسياسات التي نحتاجها لنستوعب وجهات النظر المختلفة .
الرابع : و جانب يقرر الموارد المتاحة للمزيد من الدراسة ( مطبوعات، أوديو، فيديو، كمبيوتر .. إلى آخره ).
و الهدف من هذا المنهج ـ كما يقول الكاتب روبرت ثيوبالد ـ هو زيادة مساحة ما هو متّفق عليه، و الحدّ ممّا هو موضع خلاف، بالنسبة لموضوع ما، حتّى يكون لدى أولئك الذين يضعون السياسات أفضل المؤشرات، لفهم العالم الذي يعملون في حدوده .

و إلى الرسالة التالية، لنرى أثر هذا كلّه على الديموقراطية المطلوبة لمصر .