الخميس، يوليو ١٦، ٢٠٠٩

حكايتي مع المستقبل العربي

منتدى المستقبل العربي
المستقبل .. يأتي بعد حلّ المشاكل ! ..


و مع هذا كلّه، قبلت آخر الأمر خوض هذه التجربة مع الأمير طلال بن عبد العزيز، بعد ما سمعته من الصديق الراحل أحمد بهاء الدين، عن تفرّده و استنارته . و أيضا، نتيجة لاكتشاف صعوبة إشهار جمعية للمستقبل في وزارة الشئون المصرية، و رغبتي في البحث عن مجال آخر للعمل المستقبلي، قد يتحقّق في الفرع المصري للتنظيم الأم " منتدى المستقبل العربي " .
و بدأت مع الأمير الخطوات الأولي لتأسيس المنتدى .
لم أقف طويلا عند مجموعة الأسماء التي رشّحها الأمير طلال للأعضاء العرب المؤسّسين، رغم إدراكي أنّ أغلبهم مقطوع الصلة بالفكر المستقبلي، و قد تصوّرت ـ في ذلك الوقت ـ أنّ بالإمكان كسب بعضهم إلى المسار المستقبلي، من خلال اللقاءات و الحوارات في إطار عمل المنتدى . و قد اكتفيت بإضافة أسماء بعض المصريين الذين أثق في توجّههم المستقبلي، و الذين يصلحون للعمل الجاد في الفرع أو القسم المصري من المنتدى . فقد كنت أتصوّر أن العمل الفعلي سيبدأ محلّيا، بعد استكمال المراحل الشكلية الأولى لإشهار المنتدى . غير أن تصوّري لم يكن سليما، و أن الأمر أكثر صعوبة ممّا تصوّرت . و دون الدخول في تفاصيل ما جرى بعد ذلك، على مدى ما يقرب من عامين، ثبت لي أن قبول التوجّه المستقبلي من جانب السياسيين، يعتبر من الأمور الشاقة، التي تكاد أن تصل إلى حد الاستحالة ! .
لقد تضمّنت قائمة المؤسّسين رؤساء وزارات، و وزراء، و شخصيات برلمانية عربية . و بعد الاطلاع على الأوراق التي تفيد جدّية التوجّه المستقبلي للمنتدى، رأى معظمهم أن الكلام طيب و عظيم، لكن ينبغي إرجاء الحديث عن المستقبل، إلى حين أن تنتهي الدول العربية من حلّ مشاكلها !! .

هيكل .. و الحب العذري

الوحيد الذي أبدى تحفظات قويّة حول المساهمة في المنتدى منذ البداية، و قبل أن يقرأ الأوراق التي أرسلت إليه، هو الأستاذ محمد حسنين هيكل . و أغلب الظن أن التحفّظات كانت تنصبّ على شخصي،و ليس على ورقة النقاش، أو فكرة المنتدى . و قد ذكرت في حكاياتي هذه، محاولة في بداية سعيي لمناقشة أفكاري أن أتعرّف على رأي هيكل في رؤيتي لدخول مصر إلى عصر المعلومات، و كيف أن الصديق أحمد حمروش عرض أن يقدّم ورقتي إلى الأستاذ هيكل، و فهمت أنه أخذها و لم يعلّق عليها، فيما عدا تضاحكه مع حمروش على خطأ مطبعي في بدايات الورقة ! .
و الحقيقة، أنّني كنت أبني آمالا على اهتمام هيكل بالمستقبل و الفكر المستقبلي، و أعتبر ذلك الاهتمام مكسبا للتوجّه المستقبلي . أمّا مصدر آمالي تلك و محرّكها، فقد كان ما اعتاد هيكل أن يختم به مقالاته، التي تغوص في أسـرار الماضي، قائلا ما معناه " دعونا ننفض أيديـنا من الماضي، و نولّي وجوهنا نحو المستقبل .." .
كنت أصدّقه، و أناقش ما يكتبه من منظور مستقبلي، و أحاول إظهار استحالة استقراء أبعاد الأوضاع الحالية، دون الاعتماد على رؤية مستقبلية متكاملة . لكنّه كان يعود في مقاله التالي، ليغرق في الماضي، طافيا إلى الحاضر بين الحين و الآخر، حريصا في جميع الأحوال على إرضاء ذاته .
و عندما تكرّرت دعوته إلى الآخرين بهجر الماضي و الالتفات إلى المستقبل، دون أن يبدأ بنفسه، كتبت أقول أن العلاقة بين محمد حسنين هيكل و المستقبل، أشبه ما تكون بالحب العذري، يتغزّل فيه عن بعد، دون أن يقوى على ملامسته .

المنهج الأسـلم

و أذكر أنه في تعليقي على كتاب الأستاذ هيكل " مصر، و القرن الواحد و العشرون "، قلت أن الذي أريد أن أوضّحه للأستاذ هيكل و غيره، ممّن يقتصرون في طرحهم على الواقع الراهن، أنّه حتّى إذا كان المستقبل ليس من بين اهتماماتهم، فإن رصدهم للواقع الراهن يجيء قاصرا، إذا لم يتم من خلال رؤية مستقبلية واضحة، تستوعب النظرة الكلية لما حدث و يحدث عندنا و حولنا .
المنهج الأسلم للتناول، يقتضي فهم الأسس الحضارية للتغيّرات الراهنة، و التي تنقلنا من عصر إلى عصر، أعني بذلك من عصر الصناعة الذي دام لما يقرب من ثلاثة قرون، إلى عصر المعلومات الذي بدأ زحفه في الثلث الأخير من القرن العشرين . المفكرون الذين عاشوا التحوّل من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة، أصيبوا بحيرة كبرى، وهم يشهدون التغيّرات الكبرى التي تمس كل جوانب الحياة التي تعوّدوا عليها، فلم تكن لديهم سوابق لمثل ذلك التحوّل الحضاري الكبير .
و إذا كانت حيرة هؤلاء المفكّرين مبررة، لعدم وجود السوابق الواضحة، فما هو عذر مفكّري هذه الأيام، الذين يصممون على التخبّط في شباك الحيرة و التخمين، و استدعاء ( الهواجس ) !، كلّما سعوا إلى فهم "حقيقة " ما يحدث، و " مستقبله " .

تضخّم الذات، و العمل الجماعي

أبدى الأمير طلال دهشته لرد فعل صديقه الأستاذ هيكل، و تساءل عن سر تحفّظه بخصوص " منتدى المستقبل العربي "، حتّى قبل أن يطّلع على ورقة المناقشة . قلت للأمير أن اختيار الأستاذ هيكل للمشاركة في المنتدى، لم يكن سليما . فهو يستمد مجده من الكتابة عن الماضي و ليس عن المستقبل، و قد بلغ من الشهرة و السن ما لا يسمح له بأن يتقبّل فكرا جديدا، قد يتناقض مع فهمه للماضي، و يستدعي منه إعادة النظر في أفكاره التقليدية . كما أن إحساسه المتضخّم بالذات، لا يسمح له بالدخول في عمل جماعي، لا تكون له فيه القيادة و الصدارة .
هكذا، أغلق ملف منتدى المستقبل العربي، قبل أن نفتحه ! .
لقد كانت هذه، على رأي ماوتسي تونج، مجرّد المحاولة الفاشلة رقم كذا .. لكنها لم تكن، و لن تكون الأخيرة .. في تقديري حينذاك على الأقل .

و إلى الرسالة التالية لنرى سرّ عدم القدرة و الرغبة في فهم الواقع الجديد