الثلاثاء، يناير ٠١، ٢٠٠٨


المشاركة و الإدارة الذاتية
في اقتصاد عصر المعلومات

نواصل فيما يلي طرح الرؤية المستقبلية لاقتصاد عصر المعلومات، التي يقدّمها المفكّر الياباني كاورو ياماجوشي . و هو يبدأ هنا بالإجابة على التساؤل الذي طرحه، في نهاية الرسالة السابقة : ما الذي يترتب على تحوّلنا من الصناعات الميكانيكية التي عرفها عصر الصناعة، إلى الصناعات الميكاترونية ( أي الميكانيكية ـ الإلكترونية )، التي تتزايد شيوعا في عصر المعلومات ؟ .
يقول ياماجوشي بوجود ثلاث نتائج أساسية :
أوّلا : أن يصبح الإنتاج حسب الطلب و وفقا له، اعتمادا على المشاريع الإنتاجية الأصغر حجما، المهيّأة لسرعة الإحلال و الإبدال، نتيجة للتغيّرات السريعة في الأسس التكنولوجية . من هذا المنطلق،
يمكن أن نعامل أدوات الإنتاج كجانب من المواد الخام المتغيّرة .
ثانيا : لأنّ الإنسان الآليّ المبرمج إلكترونيا ( الروبوت )، المتعدّد الوظائف، سيصبح أهمّ أدوات الإنتاج، فإنّ إعادة برمجة عمله ـ أيّ تغيير معلوماته ـ تصبح من المدخلات الرئيسية . ومن هذا المنطلق،
يمكن أن تعامل أدوات الإنتاج كجانب من المعلومات .
ثالثا : في ظلّ النظام الاقتصادي الجديد، الذي يعتمد على الإدارة الذاتية و المشاركة، تصبح ملكيّة أدوات الإنتاج، و التحكّم فيها خلال العملية الإنتاجية، غير ضرورية بالمرّة . لأنّ الإنسان المنتج سيصبح سيد هذه الأدوات . و من ثمّ، لا يصبح مفروضا على أيّ عامل أن يتكيّف مع هذه الأدوات، كما كان ـ و لا يزال ـ حادثا في عصر الصناعة .

العمّال .. كمدخلات معلوماتية

لهذه الأسباب التكنولوجية و المجتمعية مجتمعة، لن يعود لأدوات الإنتاج دورها القديم كعنصر أساسي من عناصر الإنتاج . و من المحتمل أن يتحوّل صراع القوّة الحالي مع مالكي أدوات الإنتاج، إلى صراع مع مالكي المعلومات، و الذين يتحكّمون فيها . كما يحتمل ظهور طبقة جديدة من مالكي المعلومات كطبقة جديدة مسيطرة . أيّ أنّ ملكية المعلومات و المعرفة، ستصبح مصدرا جديدا للقوّة و الثروة .
و أخيرا، ستصبح العمالة أحد العناصر المفتقدة في مدخلات الإنتاج، فلن يعود العمل البشري هو الذي يصدّر الخدمات العضلية المضنية . فمثل هذا العمل سيوكل للإنسان الآلي، الذي يستطيع أن يقوم بها، بشكل أدقّ، و أكثر اقتصادا، من الإنسان . و يصبح العمل أحد المدخلات المعلوماتية .
لن يصبح العمّال، في ظلّ النظام الاقتصادي الجديد، ملحقا لأدوات الإنتاج، بل يصبحون مالكين لوحدات الإنتاج، و أسياد أنفسهم، لأوّل مرّة في التاريخ .

من الذي يتحكّـم ؟

في ظلّ التكنولوجيا الميكاترونية، تصبح كفّة إنتاج الخدمات و المعلومات أكثر رجوحا من كفّة إنتاج السلع . الخدمات و المعلومات تشترك في شيء واحد . فالخدمات ليست سوى النتاج المباشر للعمل الخدمي البشري، بينما المعلومات هي النتاج المباشر للعمل العقلي البشري . و معنى ذلك، أنّهما معا من نتاج الطاقة البشرية المباشرة، و من ثمّ لا يتحكّم أحد في العملية الإنتاجية، إلاّ أصحاب هذه الطاقة .
و إذا كانت الخدمات و المعلومات هما الإنتاج السائد في مجتمع الغد، فاستخلاص أعلى كفاءة إنتاجية منهما، يكون بترك المنتجين يديرون بأنفسهم عمليات الإنتاج، و من ثمّ تصبح الإدارة الذاتية أكثر التنظيمات كفاءة للوحدات الإنتاجية . و الحادث حاليا، أنّ مؤسّسات الإدارة الذاتية تكتسح، في جميع أنحاء العالم، على شكل تعاونيات عمّالية، و جمعيات تعاونية، و أعمال صغيرة، من خلال القطاع الثالث، غير الخاص و غير العام .

خصائص المعلومات

عملية إنتاج السلع، يمكن أن تنفصل عن عملية استهلاكها و استثمارها . و عليه، فالسلع يمكن أن تخضع للمبادلة، و الانفراد بحيازتها، كما تخضع للاستهلاك و التراكم . و تراكم البضائع يصبح، بالتبعية، مصدرا أساسيا للثروة بالنسبة لمالكي البضائع . هذه القابلية للتراكم، مع الملكية الخاصّة، أرستا قواعد الاقتصاد الرأسمالي .
و من ناحية أخرى، نجد أن عملية إنتاج الخدمات ـ في ذاتها ـ لا تنفصل عن عملية استهلاكها، فإنتاج الخدمات يتمّ في نفس وقت استهلاكها . و لهذا، فالخدمات يمكن الانفراد بها، لكنّها لا تتراكم . معنى هذا، أنّ الثروة تكمن فقط في أيدي منتجي الخدمات و مستهلكيها .
و إذا انتقلنا إلى المعلومات، نرى أنّه يمكن أن ينفصل إنتاجها عن استهلاكها . و من ثمّ، يمكن أن تخضع للملكية الخاصّة . كما أنّه من الممكن أن تتراكم، فالمعلومات المتراكمة هي المعارف . و من هنا يمكن أن تصبح المعرفة مصدرا جديدا للثروة . و مع ذلك فالمعلومات و المعارف لا يمكن الانفراد باستخدامها عن طريق من يستهلكها أو يشتريها . عليه، فإنّ ما يميّز المعلومات عن السلع و الخدمات :
أولا : بائع المعلومات يمكن أن يواصل استخدامها بعد بيعها . و هذا يعني أنّ المعلومات يستحيل انتقالها نهائيا من منتجها إلى شاريها، لأنّها تبقى بعد بيعها في يد منتجها .
ثانيا : من الممكن استنساخ المعلومات بشكل حرّ، و بذلك يمكن أن يصبح شاريها هو مستهلكها و منتج نسخها في نفس الوقت . و تكلفة النسخ هامشية يمكن إهمالها .
ثالثا : و من ثمّ، ما أن يتم إنتاج المعلومات، حتّى يصبح من الممكن تقاسمها دون تكلفة إضافية . كما أنّ تكلفة الوصول إلى المعلومات تتناقص باستمرار، مع تزايد عدد الأفراد الذين يتشاركون فيها .
رابعا : الخاصّية الرئيسية من خصائص المعلومات، و التي تميّزها عن السلع و الخدمات، هي : المشاركة مع تناقص متوسّط التكلفة .

بضائع و خدمات معلوماتية

خاصّية المشاركة، ستجعل من الصعب تناول المعلومات كسلعة، مثل البضائع و الخدمات، في اقتصاد السوق الرأسمالية، لأنّها تفتقد الخاصّية أساسية للسلعة، و هي قابلية الانفراد بالاستخدام . بهذه الطريقة، يمكن أن تقود المشاركة إلى هدم أساس نظام الاقتصاد الرأسمالي، الذي يقوم على الملكية الخاصّة، و الانفراد باستخدام السلعة . هذا بالإضافة إلى أن البضائع و الخدمات التي كانت الإنتاج السائد للتكنولوجيا الميكانيكية، ستصبح أيضا وثيقة الصلة بالمعلومات، في عملية إنتاجها و استهلاكها، في ظلّ التكنولوجيا الميكاترونية، و هكذا تتحوّل البضائع و الخدمات، إلى بضائع و خدمات معلوماتية .
يقود هذا إلى أن تبدأ البضائع و الخدمات مساهمتها في الخاصّية الرئيسية للمعلومات، ألا و هي المشاركة . و سيقود هذا إلى أن تصبح خاصّية المشاركة شائعة في الاقتصاد بأكمله .

* * *

بعد هذا التوضيح لخصائص السلع و الخدمات و المعلومات، و بالتحديد للخصائص الجديدة للسلع و الخدمات، في ظلّ التكنولوجيا الميكاترونية ( ميكانيكية ـ إلكترونية ) . و بعد التأكيد على المشاركة و الإدارة الذاتية، باعتبارهما من خواصّ مجتمع المعلومات، يبقى أن نتعرّف على صورة المؤسّسات الاقتصادية التي تتشكّل مع تحوّلنا المتسارع، في جميع أنحاء العالم، إلى مجتمع المعلومات .
و في الرسالة التالية، يتحدّث المفكّر الياباني المستقبلي كاورو ياماجوشي عن الحيازة كبديل للملكيّة الخاصّة التي عرفها عصر الصناعة .