الاثنين، نوفمبر ٢٦، ٢٠٠٧

اقتصاد جديد لمجتمع المعلومات



اقتصـاد موحـّد.. و سـوق واحـدة

لا يمكن فهم الاقتصاد العالمي الجديد، إذا تصوّرناه مجرّد تصاعد مستمرّ للتجارة بين 160 دولة . نحن ننتقل من التجارة بين الدول، إلى اقتصاد موحّد و سوق واحدة . و هذه هي المرحلة الطبيعية التالية لتاريخ اقتصاد الحضارة البشرية . هذا هو ما يقوله المفكّر المستقبلي جون ناسبيت في كتابه الهام : التوجّهات العظمى 2000
يقول أنّه في البدء كانت القرية المكتفية ذاتيا من الناحية الاقتصادية، ثم كانت المـدينة، ثم الـدولة . و قد أوصلنا هذا إلى تنوّع من الاقتصاديات الكبرى للدول القومية، التي كانت مكتفية اقتصاديا إلى حدّ بعيد . و قد جرى تقسيم الواجبات الاقتصادية داخل كلّ دولة من هذه الدول على مدى السنين . أمّا الآن، فنحن في قلب عملية توزيع للواجبات الاقتصادية بين الدول، و السعي إلى الاعتماد الاقتصادي المتبادل ، الذي يفرضه هذا التحوّل
داخل هذا الاقتصاد العالمي، غالبا ما تعلو الاعتبارات الاقتصادية على الاعتبارات السياسية، وينعكس هذا على دور حكّام الدول و أجهزتها النيابية . فمع تصاعد أهمّية العلاقات الاقتصادية، غالبا ما يكون قادة النشاط الاقتصادي أكثر أهمّية من الشخصيات السياسية في الدولة . و هذا يعني أنّه " في الاقتصاد العالمي الجديد تتناقص ـ يوما بعد يوم ـ أهمّية الرؤساء و رؤساء الوزارات و البرلمان " . سيتحوّل واجبهم إلى إعادة تنسيق البناء السياسي، لتسهيل عالمية الاقتصاد
و فيما يلي، أهمّ العناصر متبادلة التأثير التي تصنع التحوّل الاقتصادي، في رأي ناسبيت
أولا : حرّية التجارة بين الدول
لكي يعمل الاقتصاد العالمي بكفاءة، في إطار سوق واحدة، يجب أن تتحوّل جميع الدول إلى الاقتصاد الحرّ بالكامل . بالضبط كما يتم الأمر حاليا داخل الدولة الواحدة . فلا يتساءل أحد اليوم عن التوازن التجاري بين فرانكفورت و دوسادلدورف، أو بين طوكيو و أوساكا، أو بين دنفر و دالاس .. على هذا الأساس سيأتي الوقت الذي نتوقّف فيه عن ذكر التوازن التجاري بين أمريكا و اليابان .
ثانيا : الاتّصالات و الاقتصاد .
التزاوج الحالي بين الاتّصالات و الاقتصاد، و الذي يتيح لرجل الأعمال في قرية قابعة فوق قمّة جبال كولورادو أن يتّصل بشريكه في مكتبه بطوكيو، هو أكثر العوامل دفعا لحركة الاقتصـاد الحـرّ العالمي . لقد بدأ تشغيل كابل الألياف الزجاجية عبر الباسيفيكي في عام 1989، و هو يربط الولايات النتّحدة و اليابان . هذا بالإضافة إلى الربط الشبيه بين أمريكا الشمالية و أوروبا و آسيا و استراليا .
ثالثا : لا حدود للنمـو
الانتعاش العالمي الذي نشهده في التسعينات، يتجاوز حدود النمو التي عرفناها في الماضي . الثابت أنّه لن تكون هناك حدود للنمو . ستكون لدينا وفرة من المنتجات الزراعـية و المواد الخام و البتـرول. و السرّ في هذا، أنّنا سنكون أقلّ احتياجا للمواد الخام، نتيجة لتحوّلنا عن الإنتاج المعتمد عليها إلى حدّ بعيد، ذلك الاعتماد الذي التزمنا به خلال العقود الأخيرة .
مثال ذلك، الاستعاضة عن الصلب بالبلاستيك، و الاتّجاه المتزايد إلى تصغير حجم المنتج . و مثال ذلك أن 70 رطلا من كابلات الألياف البصرية، يمكن أن تنقل نفس الرسائل التي ينقلها طنّ من الكابلات النحاسية، بالإضافة إلى أن إنتاج 70 رطل من الألياف يستهلك 5 في المائة ممّا يستهلكه طن النحاس .
رابعا : لا أزمة في الطاقـة
العالم يستخدم الآن طاقة أقلّ لينتج أكثر . لذلك لم تنشأ أزمة طاقة في التسعينيات تحد من الانتعاش العالمي . استهلاك الولايات المتّحدة من الطاقة، كان يتزايد كل عام، لكن في عام 1979 بدات تستهلك أقلّ كلّ سنة عن سابقتها . كما أن العالم ينتج المزيد من البترول، فكان احتياطي البترول العالمي عام 1979 حوالي 611 بليون برميل، أمّا الآن فيزيد عن 887 بليونا .
و ضعف احتمال نشوء أزمة طاقة، يرجع إلى انخفاض الاعتماد على البترول، نتيجة استخدام الطاقة النووية، و التقدّم الذي تحرزه الطاقة "الضوء ـ كهربية"، بتحويل الطاقة الشمسية مباشرة إلى كهرباء .
خامسا : ثورة الإصلاح الضريبي
بدافع من حاجة الدول إلى المنافسة في الاقتصاد العالمي، تقوم واحدة بعد الأخرى بخفض ملموس جدّا في الضرائب على دخول الأفراد . حدث هذا في الولايات المتّحدة، من 75% عام 1981، إلى 28% عام 1989 . و في إنجلترا، من 98% خلال السبعينيات، إلى 40% في عهد تاتشر .
سادسا : تصغير حجم المنتج
من عوامل تشجيع إشاعة الاقتصاد العالمي، تصغير حجم المنتج، لأنّه يسهّل التجارة . كان حجم الراديو كبيرا منذ 50 سنة، و اليوم يمكن إدخاله في الجيب . حتّى مواد البنـاء لأصبحت أصغر حجما و أخفّ وزنا، و أكثر كفاءة .كما أنّ أجهزة الكمبيوتر آخذة في تقليص أحجامها . و في أسواق المال العالمية، تحلّ النبضات الإلكترونية محلّ الأوراق .
سابعا : التضخّم و سعر الفائدة
التنافس العالمي بالنسبة للسعار و الجودة، سيقود إلى احتواء التضخـّم، و هذه ظاهرة اقتصادية جديدة . و أسعار الفائدة هي الأخرى ستتأثّر إيجابيا، نتيجة لوجود وفرة من رؤوس الأموال في عالم اليوم، و لنمو التنافس العالمي في إقراض الأموال، و من ثمّ تنافس عالمي في سعر الإقراض .
ثامنا : تصاعد الاستهلاك الآسيوي
من الناحية الاقتصادية، تمر الدول الآسيوية بحالة تفجّر، تقود إلى المزيـد من المنافسـة لأوروبا و أمريكا الشمالية، و خالقة ـ في الوقت نفسه ـ المزيد من الزبائن للجميع . و إذا كانت اليابان قد تحرّكت من اقتصاد التصدير إلى اقتصاد استهلاكي التوجّه، فمن المتوقّع أن تتبع الدول الآسيوية الأخرى الخط نفسه . و هذا يعني فرصا هائلة للمنتجين في أمريكا الشمالية و أوروبا و آسيا .
تاسعا : الديموقراطية، و المشروعات الخاصّة
التحوّل العالمي من الأنظمة الشمولـية إلى الديموقراطية، يرسي الخلفية السياسية للنمو الاقتصادي . و هذا التحوّل نلمسه في كلّ مكان، في الدول الاشتراكية، و في دول العالم الثالث ، و الديموقراطية هي أكثر السياقات تشجيعا على إنعاش المشروعات الاقتصادية الفردية، و التي تعتبر أكثر القوى أهمّية في النمو الاقتصادي
و يضيف ناسبيت إلى هذا، أن زحف السلام على العالم، يوحي بتحوّل معنى الأمن القومي إلى المنافسة الاقتصادية في السوق العالمية . كما يرى أن مشكلة الانفجار السكّاني أصبحت محكومة إلى حدّ ما، فيما عدا أفريقيا . و يعطي أمثلة لانخفاض معدّل الخصوبة إلى النصف في البرازيل
هذا هو ما يقوله جون ناسبيت . و رغم أهمّية ملاحظاته هذه، إلاّ أنّنا لا نعتبر هذا المأخذ مفيدا في تكوين صورة متكاملة عن اقتصاد الغد، و لا يوضّح لنا المبادئ الأساسية التي يقوم عليها اقتصاد مجتمع المعلومات، و التي تختلف تماما عن المبادئ التي قام عليها اقتصاد عصر الصناعة . لكن ما يقوله ناسبيت يصلح كأرضية لتفهّم بعض ملامح التغيير، رغم طرحها متجاورة، دون توضيح للعلاقات المتبادلة بينها، و دون تعليل لحتمية حدوثها . و قد يفيدنا في هذا الصدد أن نستعرض رأي الاقتصادي المستقبلي الكبير بيتر دراكر .. فإلى الرسالة التالية
.