الجمعة، أبريل ٢٥، ٢٠٠٨

ديموقراطية مجتمع المعلومات

من كتاب لي تحت الطبع يحمل عنوان :
سقوط صندوق الانتخابات عن عرشه
ــ

و ماذا عن ديموقراطية مصر ؟!


مستقبل ديموقراطية مصر، شأنه شأن مستقبل أي شيء في مصر.. كالتعليم أو الاقتصاد أو الإدارة أو الإعلام أو العمل و العمالة أو منظومة القيم السائدة .. رهن بتوصّل أبناء مصر المخلصين الحكماء إلى رؤية مستقبلية لمصر، تقوم كما أقول دائما على أمرين أساسيين :
· رؤية مستقبلية متكاملة لدخول البشر إلى مجتمع المعلومات ( اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا ) .
· تقدير سليم أمين للخريطة الحضارية الحالية للعقل المصري: إلى أي مدى هو منتسب لعصر الزراعة، و إلى أي مدى قد تشبّع بواقع عصر الصناعة، و ما مدى اقترابه من تخوم عصر المعلومات .
و لكن دعونا نرجئ الحديث عن مستقبل ديموقراطيتنا، إلى فصل قادم، و نحاول التعرّف على واقع الخريطة الديموقراطية الراهنة لمصر . و هذه أسهل مهمة أمام الدارس و المفكّر .. فالنظـرة الأولى تقول أن ما لدينا لا يمت لأنماط الممارسة الديموقراطية بصلة، لا التاريخية أيام كنا نطلق عليها الشـورى، و لا النابعة من احتياجات عصر الصناعة التي عرفناها باسم ديموقراطية التمثيل النيابي، و لا المستقبلية النابعة من احتياجات مجتمع المعلومات، التي لم تكتسب لقبا ثابتا، و ما زالت تتراوح بين ديموقراطية المشاركة، و الديموقراطية التوقّعية، إلى آخر ذلك .
المحصلّة الديموقراطية في مصر، هي نتاج محاورات القط و الفأر، التي تدور بين أمريكا و القيادة المصرية :
· أمريكا لها مصالحها و خططها في المنطقة، و هي تعمد إلى تغطية هذه المصالح غير المشروعة، بشعارات برّاقة مثل الحرية و الديموقراطية .
· و القيادة المصرية، تطيع في معظم الأحيان، و ترفع شعارات الحرية، و تقيم المهرجانات الديموقراطية، لكن عندما تتناقض مصالح أمريكا مع مصالحها الخاصة، تحاول أن تتحايل، بالمدى المسموح به في لعبة القط و الفأر.
خير مثال للعبة القط و الفأر هذه، ما حدث في الانتخابات النيابية عام 2005، و التي أتاحت فيها مناورات القط و الفأر للإخوان المسلمين فرصة تسريب أعداد غير مسبوقة إلى مجلس الشعب . القصّة ذات دلالة، و لا بأس من طرحها هنا على سبيل العظة، رغم ما تسببه لبعضنا من آلام ! .

سؤال بريء من الصديق الذكي

سألني الصديق الذكي : هل تعرف سرّ التحوّل الذي طرأ على موقف النظام الحاكم في الانتخابات البرلمانية؟ .. أجبت : لقد شعر النظام أنه سيفقد السيطرة على المجلس بالهجمة الإخوانية فلحس كل وعوده و تصريحاته، و أعطى الأمر بالضرب في المليان .. سأل : و متى حدث ذلك ؟ .. أجبت : بدأ في إعادة المرحلة الثانية، و تجلّى في المرحلة الثالثة بأكملها، سأل : و لماذا لم يبدأ في المرحلة الثانية، بعد أن وضحت الرؤية في المرحلة الأولي .. أجبت : لا أدري .
الذي عرفته بعد ذلك، يعطي إجابة أكثر دقّة لسرّ توقّف النظام عن ادّعاء الشفافية و الأمانة الانتخابية، و إعطائه الأوامر بالضرب في المليان، لكي تبدأ المذبحة التي شهد العالم بأكمله تفاصيلها .
التفسير الذي اقتنعت به، له صلة وثيقة بالعلاقة بين الولايات المتحدة و نظام الرئيس حسني مبارك . منذ اغتيال السادات، التزم نظام الرئيس حسني مبارك بتنفيذ المهام و المشـاوير التي يطلبها النظام الأمريكي .. و في المرات التي تعكّرت فيها العلاقات مع أمريكا تحت ضغط عربي أو داخلي، سرعان ما كان النظام المصري يعود إلى قواعده معتذرا .
و الرئيس مبارك يعلم كيف تنظر أمريكا إلى نظام حكمه . ففي عام 2004 صدر عن "راند"، إحدى مؤسسات البنتاجون الأمريكي، كتاب يضم مجموعة دراسات باسم " مستقبل أمن الشرق الأوسط " ، عن الصراعات الدائرة و الاستقرار، و احتمالات التغيير و الإصلاح السياسي ، و فيما يلي أهم ما ورد فيه من نقاط ذات صلة بموضوعنا :
أولا : عملية الإصلاح السياسي المصرية، عملية شكلية .. فالحكومة تتدخّل في العملية الانتخابية بالتزوير و الغش على أوسع نطاق .
ثانيا : في مصر 14 حزبا رسميا، القليل منها له دلالة سياسية، و كلها مجتمعة لا تستطيع أن تتحدّى الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم .
ثالثا : العديد من الحريّات تتاح من الناحية النظرية، لكنها تكون محظورة عند التطبيق .
رابعا : الإصلاح السياسي في مصر يبدو أنه يمضي إلى الخلف و ليس إلى الأمام، و يتم من أعلى إلى أسفل، فيسمح النظام بما يخدم مصالحه الخاصّة فقط، و يرفض ما يقلل من قبضته على السلطة .
خامسا : أقام الإخوان المسلمون قاعدة دعم سياسي لها دلالة، بالتنظيم و بتقديم خدمات لا تقدمها الدولة . في ظل انتخابات حرّة، سيحظون بأصوات تفوق كلّ الأحزاب، بما في ذلك الحزب الوطني .
سادسا : مع استمرار الظروف الراهنة، لا يحتمل أن تستمر حكومة مصر في عملية الإصلاح السياسي .
تكرر توبيخ أمريكا للنظام، من خلال لعبة القط و الفأر، فالتزم النظام جانب الحذر في مرحلة الانتخابات الأولى . و كانت النتيجة اكتساح من الإخوان . بدأ الهرج و المرج، و تبادل الاتهامات و الردح الأصلي في أوساط الحزب الوطني، بين قواعده القديمة و قياداته الجديدة في أمانة السياسات .. غير أن التصريحات الأمريكية المتوالية أشعرت النظام أن عينها عليه، فأتيح لليوم الأول من انتخابات المرحلة الثانية، أن يمر بدون التدخّل المعتاد من كهنة الحزب، فجاءت النتيجة غير مطمئنة، توحي بأن الإخوان سيواصلون اكتساحهم ..
لكن حدث ما قلب موازين الأمور، فيما قبل انتخابات الإعادة للمرحلة الثانية ! ..

الزيارة المباركة لكونداليزا

رغم كرامات الإخوان المفروضة، فالثابت أن كرامات كوندا ليزا رايس كانت أقوى .
عندما همّت كونداليزا رايس بزيارة أوروبا، دار لغط شديد حول نشاط يتم في سرية و تكتم لطائرات المخابرات المركزية الأمريكية في المطارات الأوربية، و حول عمليات نقل معتقلين من السجون الأمريكية إلى سجون سرية خاصّة في أوروبا، حيث يتم استجوابهم و تعذيبهم دون التقيّد بالقوانين الأساسية لحقوق البشر، أو و فق اتفاقيات جنيف . شعرت رايس أن هذه المسألة ستفسد عليها زيارتها، فأنكرت أول الأمر حدوث أي شيء من ذلك .. ثم تحت ضغط التكذيبات الأوربية و الوقائع الثابتة، عادت فاعتذرت عن وقائع التعذيب في السجون الخاصة ( و التي اصطلح على تسميتها ـ على سبيل التأدّب المتبادل ـ المواقع السوداء ) .
قبل أن تعتذر رايس، و قبل أن تعلن الولايات المتحدة توقّفها عن سياسة التحقيقات المريبة، مدينة أي موظّف أمريكي يعرّض المعتقلين للمعاملات القاسية .. قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتفريغ السجون الأوربية ( في بولندا و رومانيا و أماكن أخرى ) من المعتقلين، و نقلهم إلى سجون دول أخرى في شمال أفريقيا تكون مستعدة للقيام بتعذيبهم نيابة عن الإدارة الأمريكية، و وقع الاختيار على مصر، من بين دول أخرى .. خاصّة و أن النظام الحاكم المصري له سمعة عريضة في تلبية طلبات الإدارة الأمريكية . كان وصول الشـحنة البشرية إلى سجوننا، دليل الرضـا الأمريكي المتجدد على النظام.. و على الفور جرت ترجمة ذلك على شكل عودة إلى تراث النظام الحاكم التقليدي في التزوير و التدمير و تسليط عملاء الأمن على الجميع المرشحين و الناخبين و القضاة ! .. و رغم تصريحات أمريكا ـ الشكلية هذه المرّة ـ برفض التجاوزات التي قام بها الأمن، فقد استعبط النظام، و أصمّ أذنيه، و واصل أعماله غير القانونية أو الأخلاقية، حتّى نهاية الإعادة للمرحلة الثالثة، مستندا إلى الخدمات الطازجة التي يقدمها للنظام الأمريكي .. و انتصر الحزب الوطني !! .

بالمستندات .. ع المكشوف !

و حتّى لا يتصور أحد أنني أختلق شيئا سأورد جانبا قليلا جدا مما هو أمامي من حقائق، نشرت كلّها في وسائل الإعلام العالمية، صحف و إذاعات و تلفزيونات، و على الإنترنيت . و سأقتصر هنا على ما يخصنا في مصر من وقائع عمليات التعذيب :
*سيدني مورننج هيرالد – 8/12 : الشرطة و السلطات القضائية في ثماني دول أوروبية، من بينها السويد و ألمانيا و أسبانيا، بدأت تحقيقاتها، فيما لو كانت المخابرات المركزية الأمريكية قد استخدمت مجالها الجوّي و مطاراتها في رحلات سرّية، لنقل إرهابيون مشتبه فيهم . طلب الاتحاد الأوروبي تفسيرا من الولايات المتحدة. و لم تنتظر الدانمرك إجابة، و ابتداء من سبتمبر الماضي منعت طائرات المخابرات الأمريكية من استخدام مجالها الجوّي . و في إيطاليا بدأ الجهات المختصّة التحقيق فيما زعم من قيام 13 عميل مخابرات أمريكي باختطاف الداعية الأصولي الإسلامي أبو عمر، في فبراير 2003 . و كان عمر قد نقل جوّا إلى مصر، حيث اختفى ! .
*الجارديان البريطانية – 6/12 : ممدوح حبيب، المواطن الأسترالي من أصل مصري، يقول محاموه انّه جرى شحنه من الحدود الباكستانية الأفغانية إلى مصر، في طائرة نفّاثة صغيرة بصحبة رجال يتكلّمون الإنجليزية بلكنة أمريكية . و قد بقي في السجن المصري لمدة ستة أشهر، حيث كان يعلّق بخطاطيف، و يضرب، و يعرّض لصدمات كهربائية بمنخس الماشية المكهرب .. و يروي حبيب أنه قد أدخل إلى ثلاث غرف للتعذيب، واحدة مملوءة بالماء حتّى ذقنه، بحيث يكون عليه أن يقف لساعات على أطراف أصابع قدمه حتّى يستطيع أن يتنفّس . و أخرى بسقف منخفض مع ماء يرتفع بمقدار قدمين، مما يضطره إلى الانحناء في وضع مؤلم . و غرفة ثالثة في أرضها القليل من الماء، و على مرأى منه مولّد كهربائي، قال له معذّبوه أنه سيستخدم لكهربته . ممّا دفعه إلى الاعتراف ـ كذبا ـ بأنّه ساعد في تدريب من قاموا بهجمات 11 سبتمبر . تم نقل حبيب إلى جوانتنامو .. وفي يناير من العام التالي تم الإفراج عنه لعدم ثبوت أي تهمة، و أعيد إلى زوجته و أطفاله الثلاثة في سيدني .
*الإندبيندانت البريطانية – 5/12 : كتب رايموند ويتكار أنّه من بين الوقائع العديدة و المتزايدة عن عمليات التعذيب التي تقوم بها الولايات المتحدة، توجد قائمـة بسلسلة من " تقنيات الاستجواب المتطوّرة "، التي يستخدمها عملاء المخابرات المركزية الأمريكية في السجون السرّية، من بينها الاقتراب من حد الغرق أو التجمّد، أو الحرمان من النوم، أو اللطم و الضرب، قد ثبت أن واحدا من المعتقلين قد مات متأثرا بهذه الممارسات . و يضيف الكولونيل الأمريكي نقلا عن عميل مخابرات أمريكية سابق " إذا كنت تريد استجوابا جيدا، ارسلهم إلى الأردن، أمّا إذا كنت تريدهم أمواتا، فارسلهم إلى مصر أو سوريا " (!!!) .

* * *

و إلى الرسالة التالية، لنعرف لماذا فشلت أمريكا في تسويق يموقراطيتها ؟