الخميس، سبتمبر ١٣، ٢٠٠٧

الوهم السادس


(6) وهم إغفال المتغيّرات العالمية

من بين التغيّرات العالمية الحالية، و كذلك وهم إمكان التعامل مع التغيّرات العالمية دون البحث عن جذورها و أصولها و جوهرها و العلاقات المتبادلة بينها، و أخيرا.. وهم التخالأوهام الشائعة، و هم إمكان صياغة رؤية مستقبلية لمصر لا تقوم على أساسطيط لرؤية مستقبلية على يد الصفوة عند القمّة
عندما أناقش مؤشّرات التغيير العالمية، و التي تشكّل مستقبل الجنس البشري، خلال محاضراتي، غالبا ما يواجهني نفس السؤال
ما تقوله قد ينطبق على أمريكا أو روسيا أو اليابان، لكن أين نقف نحن من هذا في مصر ؟ ما هو مستقبلنا نحن ؟
و كانت إجابتي دائما هي " الرؤية المستقبلية لمصر يجب أن تقوم على أساسين : أوّلهما، جوهر مؤشّرات التغيّر للجنس البشـري بصفة عامّة . و ثانيهما، التعرّف الصادق و المخلص للواقع المصري الحالي . و كنت أوضّح هذا قائلا أنّ مهمّتي رجل التنبّؤات الجوّية، الذي يقرأ نتائج أجهزة القياس الخاصّة بالرصد الجوّي، و يمتحن صور الأقمار الصناعية، ثم يعلن في نهاية الأمر درجة الحرارة المتوقّعة، و غير ذلك من العناصر الجوّية كالأمطار و الرياح . و يكون على كلّ فرد أن يتفهّم احتياجاته المباشرة، و ما يمكن للرؤية الجوّية المطروحة أن تؤثّر به على سعيه.. كيف يستفيد من ذلك التنبّؤ، أو يتجنّب سلبياته
و قد لا نحتاج إلى الإشارة أن التكنولوجيات الإلكترونية المعلوماتية المتطوّرة قد أسقطت الحواجز بين الدول و الأقاليم و القارات، فأضحت مؤشّرات التغيير عالمية في تأثيرها .. و أصبحت مشكلة أيّ فرد في أي مكان على سطح كوكب الأرض، هي مشكلة جميع البشر، في كلّ مكان من الأرض، لهذا، فأيّ رؤية لحل مشاكل مصر، الراهنة و المستقبلة، يجب أن تبدأ بفهم جوهر التغيّرات العالمية الجارية، و المفروضة علينا، شئنا أم أبينا
و إلى الوهم السابع ، في الرسالة التالية .. راجي

هناك تعليقان (٢):

Unknown يقول...

و منظومة القيم السائدة .
و هي، بنفس الدرجة من الأهمية، عدم قدرة القيادات الفكرية في مختلف المجالات على ممارسة التفكير الناقد، الذي يحرر العقل من قبضة التعوّد، و يسمح له أن ينظر إلى الأشياء في صورتها الحقيقية و حجمها الحالي الفعلي .. و عدم استعداد هذه القيادات للاعتماد على التفكير الابتكاري الذي يفتح أمامها أبواب الحلول الجديدة، غير المسبوقة، الصالحة للتعامل مع الواقع الجديد

ثقافة الإنسانية

إذا تم تعريف كلمة ثقافة بالمعرفة والتعلم والرقى والتهذيب, فنحن نطالب المثقفين بالكثير ونطالب القائمين على الثقافة ونشرها بالأكثر, فقد إنتشرت مؤخرا تعبيرات متعددة تصف الثقافة بالغربية والشرقية والإسلامية وخلافة من الصفات المتعددة التى تحدد الثقافة فى إطار خاص جدا, ولكن فى واقع الأمر فإن الثقافة معنى مطلق المعايير يستوعب التعددية فى الفكر وفى تطبيقاته.

ولذا كان من الضرورى على كل من يشرف على موقع ثقافى معين أن يتحلى بالكثير من المفاهيم فكريا وعمليا كى يقود سفينته نحو أهدافها السليمة. وإنطلاقا من هذا المفهوم كان البحث عن مبدأ هام هل ثقافتنا إسلامية أم أخلاقية أم معرفية؟ وهل ثقافتنا بمعزل عن ثقافات العالم؟

لقد خلق الله البشر وهيأ لهم سبل الحياة فبدأ الصراع, وكان على البشرية إيجاد سبل تعايش بين الأفراد ثم بين القبائل ثم بين الشعوب فالأمم, وكان من الضرورى اللجؤ لسبل تقنن العلاقات بين الأطراف المتنوعة والمختلفة. ونشأت الحضارات وإختلفت الثقافات ولكن الأديان وحدها هى التى وحدت بين الإنسانية الحائرة " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم", فكانت التقوى دعوة صريحة لخلق ثقافة إنسانية عالية المفاهيم وهى الحب والتسامح والتعايش السلمى بين الجميع تحت لواء ثقافى واحد تتجه البشرية من خلاله نحو الإمتزاج والتعاون وتقبل الإختلاف الحتمى. وقد يدعى البعض أنها دعوة مثالية صعبة التحقيق ولكن التطلع للمثل هو فى حد ذاته هدف سام يستحق المعاناه ولا يجب أبدا تحت أى مسمى التنازل عن الخط التصاعدى نحو الهدف بدعوى أن الحياة العملية تقتضى عكس هذا فقد أوجدت ميول بعض البشر هذا الطريق الجانح عن المسار المحدد للبشرية والإنسانية.

وتبقى مرة أخرى أهمية القائمين على المحافل الثقافية وإيمانهم بنشر الثقافة الإنسانية التى تتلخص ببساطة فى السلام والدعوة للخير من ناحية ونشر جوهر الثقافة المعرفية وتطبيقاتها, ولا يتأتى هذا إلا بالبدء بالذات مما يدعو لأهمية تخير القائمين على هذا العمل طبقا لمعايير أخلاقياتهم وميولهم وتعاملاتهم الإنسانية, فأهمية وظائفهم تعادل أهمية وظيفة الدعاة والمبشرين الذين يدعون للتعامل الأفضل بين الناس طبقا للمعتقدات الدينية, بينما الثقافة العامة تدعو للتعامل طبقا للضمير الإنسانى فهى تخاطب المتدينين بديانات متنوعة ولكنهم فى الجوهر يعبدون الواحد الأحد بصور مختلفة ويجتمعون حول مفهوم واحد وهو الإنسانية وأحقية البشر فى حياة كريمة.

ومن هنا أهمية وحساسية هذا القطاع الهام فى نشر مضمون واع حر التعبير عن ذاته ولكن حرية تخضع لمعايير أخلاقية تكون الوسطية محورها الرئيسى, فخير الأمور الوسط, ويجب عدم إغفال أهمية التظر للحرية بمنظور عدم المساس بحرية الآخرين فلكل مفهوم معاييره التى تحكمه والإطلاق فقط للخالق الواحد.

وإذا طبقت هذه المعايير الإنسانية فى قطاع الثقافة العالمى, قلت الحروب وعم تيار واع يدعو للتفاهم البناء بين شعوب العالم ونبذ الحروب بقدر المستطاع, فقد لمس الجميع أن الحرب مهما عظمت أسلحتها لا تؤتى بنتائج بنائة, بل على النقيض تخلق أحقادا وكراهية ودمارا لا قبل للإنسانية بها.

وقد آن الآوان للضمير الإنسانى أن يحيا ويمارس حيويته, وللثقافة الإنسانية أن تعم وأن تطبق, ولكى يؤتى هذا المفهوم ثماره يجب على كل مسؤول واع راغب فى الإصلاح سواء كان إصلاحا سياسيا أو إجتماعيا أو ثقافيا, نشر المعرفة على أيدى فئة واعية مؤمنة بأهمية البشرية الإنسانية وتوجيهها نحو الطريق السليم الذى يختاره طواعية كل ذى معرفة, ولكن يخضع هذا الإختيار لمعايير إنسانية يلم بها من خلال الرقى النفسى والروحى والتطبيق الواعى للثقافة المكتسبة فيقبل كل طرف التنوع الثقافى الذى ينشأ عن المؤثرات المحلية لكل بلد.

فلكل بلد حضارته وثقافاته وممارساته الحياتية وكلما قلت التعقيدات كلما سهلت سبل المعيشة, والمحاكاة للأفضل تدل على سعة الأفق ولكن الإبداع طريق مثمر لمن يقدر عليه, فالتنمية المعرفية والإنفتاح على الآخرين تؤدى للإبداع الذى يعتبر فى حد ذاته تجديدا مستمرا وشحذا للهمم.

ونظرا لكثرة الكم المعرفى المعاصر وجب على كل بلد حر قبل الخوض فى الجديد إستيعاب الماضى بكل أبعاده الحضارية حتى يتسنى له الإستزادة وتفادى تكرار الأخطاء مع إعتبار هذا التاريخ الحضارى جذرا لا يقتلع.

ولا أعظم من حضارة هذا البلد الأصيل وجذوره الثقافية والمعرفية المطبقة عبر العصور التاريخية المتواصلة, فمصر تملك كما من التفاصيل الدقيقة التى ساهمت فى ترسيخ أسس حضارتها القديمة منذ عصور ما قبل التاريخ, ولكن ما يحصده المصرى المعاصر من هذه المصادر المعرفية والحضارية والثقافية لا يتناسب مع عمق هذه الأحداث التاريخية الهامة. وعلى صعيد آخر فإن الشعوب الأخرى تركز إهتماماتها على تراثنا تستزيد منه وتستفيد بأبعاده, ولن أدعى أن هذا يحدث فى غيبة منا, ولكن ما هو أعظم أن هذا يتم بتعاون كامل معنا, هل هو لعدم ثقتنا فى كفائاتنا المتعددة والمتنوعة ولكنها مغمورة ضائعة فى خضم سيطرة بيروقراطية محدودة الأفق, أم لأطماع ومنافع يسيرة الحجم والأهمية يجنيها القليلون من أصحاب النظرة المحدودة, فالدعوة للإنسانية لا تلغى أبدا الدعوة للقومية والإعتزاز بها وبإنتمائاتها التى تؤدى فى النهاية للتعاون الإنسانى السليم. إن عدم ثقتنا فى قدراتنا لجهلنا بها يؤدى بنا للتهاون فى حق هذا البلد ومعطياته التاريخية والحضارية.

أما آن الأوان لصحوة واعية تهز التائهين فى خضم الحياة باحثين عن الإستزادة المادية متجاهلين عظمة حضارتنا! أما آن الأوان بحجة قلة الموارد من إحياء حقنا فى إدارة مصالحنا القومية طبقا للنظم العلمية والبحثية السليمة أبسطها يتلخص فى مخاطبة الفئة السليمة المستهدفة بالأسلوب اللائق والأمثل؟ وذلك بأن تعد البرامج التقنية الحديثة بأسلوب علمى مبسط يتناسب مع قدرات كل من يتطلع لمعرفة أحداثنا التاريخية.

.

Ragy Enayat يقول...

شكرا على التعليق، و ما يؤشر به عن نضوج، و تفكير حر ..
أحب أن أذكر تعريفا للثقافة أعجبت به، صاحبه وزير ثقافة أسبق (للأسف نسيت إسمه) .. قال :
" الثقافة هي الاختيار " ..بمعنى أن الشخص المثقّف هو المطلع على خيارات متعددة، و الفاهم للبدائل المختلفة، و القادر على أن يختار من بينها، ما ينسجم مع فكره و منطقه و مزاجه .
من الممكن تطبيق هذا على الابتكار و التفكير الابتكاري .. و على المعنى الأعمق للديموقراطية، وعنصر الاختيار السياسي ..
أكرر شكري..
راجي عنايت