الاثنين، يناير ٢١، ٢٠٠٨

اقتصاد جديد ... لمجتمع المعلومات

الإقتصاد الجديــــد
ماذا في صالحنا منه ؟

الإقتصاد الجديد، الذي بدأ يسود العالم بأكمله، يختلف في أسسه عن الإقتصاد الذي ساد العالم على مدى القرنين الماضيين، بل و يتناقض معه في كثير من الجوانب . و عندما نتساءل: ما الذي في صالحنا منه ؟، فنحن نتساءل بالتحديد عن جوانبه التي تشكل، بالنسبة لظروفنا الإقتصادية الحالية، ميزة نسبية تساعدنا على اقتحامه . و ليس هنك شكّ في أن تحولنا إلى الأسس الإقتصادية الجديدة ضرورة ملحّة، و مهمّة عاجلة، و هو في صالحنا بجميع المقاييس .
و دخولنا الى الإقتصاد العالمي الجديد لن يكون سهلاً . فهو يتطلّب عمليات إعادة بناء أساسية، ويتضمّن الأخذ بأفكار و ممارسات جديدة علينا . الإقتصاد الجديد يتناقض في معظمه مع ما ارتضيناه من أوضاع في حياتنا الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية .. يتناقض مع نوع الإدارة الذي نعتمد عليه، و مع التعليم الذي نأخذ به، و مع رؤيتنا للإعلام و الممارسة السياسية . و هذه من الأمور التي سنتعرّض لها بالتفصيل فيما يلي من الحديث . لكننا سنركز الآن على ما لا يتناقض معنا، و ما يمكن أن يشكّل ميزة نسبية في واقعنا الراهن .

رأس المال الأقلّ

في إقتصاد الصناعة، كان من الممكن أن يتوفّر الفهم و العزم، و تبقى مشكلة رأس المال الكبير الذي يتيح للمشروع أن يصمد للمنافسة . و في الإقتصاد الجديد، نحتاج إلى رأس مال أقلّ، للقيام بنفس الأشياء التي كانت تحتاج إلى رأس مال أكبر في الماضي .
و السبب في هذا أن تنامي التوجّه المعرفي في مجتمع المعلومات، جعل بلإمكان الإعتماد على المعرفة كبديل للمصادر التقليدية الأخرى، مثل التكنولوجيا و استهلاك المواد الخام و الطاقة .
في المصانع التقليدية، كان تغيير المنتج يتطلّب تكلفة عالية للغاية، سواء لتغيير نظام عمل الآلات أو لتدريب العمال أو لإجراء استشارات الإخصائيين . لهذا كان السبيل الأقوم، هو إنتاج سيل السلع النمطية المتطابقة . أما المصانع الجديدة، المستفيدة من تكنولوجيات الكمبيوتر، فبإمكانها أن تنتج تنوعاً هائلاً من المنتج الواحد..ملبية بذلك إحتياجات التنوع المتزايدة في السوق .
و هذا يعني أن " المعرفة " تحلّ محلّ التكلفة المرتفعة لتغيير الإنتاج .
و يحدث نفس الشيئ في مجال استهلاك المواد الخام . المخرطة التي تعمل وفق برنامج ذكي للكمبيوتر، يمكن أن تتيح لنا قطعا أكثر من كتلة الصلب، بأفضل مما يفعل أيّ خرّاط من البشر . هذا بالإضافة إلى أن المعارف الجديدة تتيح تصغير حجم المنتج، و توفّر لنا منتجات أصغر و أخفّ وزنا، مما يخفض تكلفة النقل و التخزين . هذا، بالإضافة الى ما توفّره المعارف من خامات" مخلّقة "، تتيح الإستخدام الإقتصادي .
و أيضا، ينسحب هذا على الطاقة، فالإبتكارات المعرفية الجديدة في مجال الموصّلات الفائقة، تخفّض استهلاك الطاقة بشكل ملموس . كما أن المعرفة توفّر الوقت، الذي يعتبر من أكثر الموارد أهمّية في الإقتصاد الجديد، حيث تعتبر القدرة على توفير الوقت الفيصل بين المكسب و الخسارة .
و هذا كلّه يعني أن بإمكاننا اليوم أن نحسّن أوضاعنا، بما يتوفّر لدينا من رأس المال، أكثر ممّا كان محتملا منذ عشرة أو عشرين سنة مضت .

عصر الإقتصاد الأصغر

بحكم حالة نموّنا الإقتصادي الراهنة، و عدم وصولنا إلى مرحلة الإحتكارات الكبرى، نعتمد في شقّ كبير من اقتصادنا على المشروعات الصغيرة أو المتوسّطة . و هذه نقطة في صالحنا الآن، باعتبار أن الإقتصاد الجديد يتيح فرص النجاح للإقتصاديات الصغيرة . و هذا هو السرّ في أن المؤسسات الضخمة تحاول اليوم أن تعيد بناء ذاتها، على أساس إعتمادها على وحدات إنتاج صغيرة، أشبه ما تكون بالشركات الصغيرة . الأمثلة على هذا عديدة، من بينها ما أورده آلفين توفلر في كتابه(تحوّل القوّة) .
في " فال فيبّراتّا " بشرق إيطاليا، يدير رجل الأعمال الإيطالي سيرجيو روسّي عمله، من بيته، معتمدا على ثلاثة مستخدمين، يعملون على أجهزة ذات تكنولوجيا عالية، لإنتاج محافظ و حقائب جلدية صغيرة، تباع في أرقى متاجر نيويورك .
و غير بعيد منه، يقيم ماريو بوستاشينو مؤسسته (يوروفليكس)، التي لا يتجاوز العاملين فيها 200عاملا، و تتخصّص في صناعة الأثاث، و تورده لمحلات(ميسيز) الشهيرة . و هذه الشركة تعتبر نموذجاً للشركات العائلية التي تروج في الإقتصاد الجديد . زوجته تتولّى المبيعات، و إبنه يقوم بالعمليات المالية، و تقوم إبنته بتصميم الأثاث، كما يتولّى إبن عمّها جانب الإنتاج في العمل .
مشروعان صغيران، ضمن 1650مشروعا صغيرا في ذلك الوادي، متوسّط عدد العاملين في المشروع لا يتجاوز 15عاملاً، لكنها في مجموعها تدخل إلى إيطاليا ما يزيد عن بليون دولار سنوياً .

مراكز الربح

عدم وصولنا إلى مستوى الإحتكارات الإقتصادية الكبرى، يمكن أن يحسب ميزة لنا اليوم .
فالملاحظ اليوم، أن العشرات، إن لم يكن المئات، من الشركات الكبرى، قامت بتفكيك نفسها إلى " مراكز ربح " متعدّدة، على أمل أن يقوم كل "مركز ربح " بعمله، باعتباره مشروعا اقتصادياصغيرا، يستجيب لأحوال السوق المتغيّرة بالسرعة المناسبة . بل ان بعض الشركات الكبرى فرضت على كلّ مركز ربح صغير أن يسعى إلى تمويل نفسه، من حصيلة بيع خدماته، حتّى يبرر بذلك وجوده . و هذا يعني أن الشركات العملاقة تسعى إلى أن تتحوّل إلى شركات صغيرة، حتى تستطيع أن تواجه الإقتصاد الجديد، شديد التغيّر و التنوع، سريع الإيقاع .
و من هنا تجئ الميزة النسبية لإقتصادياتنا الصغيرة في اقتصاد المعلومات الجديد .
ومن ناحية أخرى، تسعى الكيانات الإقتصادية الكبرى، في الدول الصناعية المتطوّرة، إلى إعادة بناء ذاتها في وجه مقاومة شديدة لكل ما استقرّ على مدى سنوات عصر الصناعة . في وجه القيم التي استقرّت على مدى عشرات السنين، و تتناقض اليوم مع قيم الإقتصاد الجديد . أمّا عندنا، فالتغيير سيكون أسهل، باعتبارنا في بدايات التحوّل الصناعي، قياسا على الدول الكبرى، و بالنظر إلى مساحة النشاط الإقتصادي الصغير لدينا .

* * *

هذا هو ما في صالحنا من الإقتصاد الجديد . و حتّى في هذه الحدود فإن الحاجة شديدة إلى تنمية المعارف، و التعامل مع التكنولوجيات المتطوّرة، و إلى الرسالة التالية لنرى كيف ننتقل من اقتصاد العمالقة، إلى اقتصاد االفسيفساء

ليست هناك تعليقات: