الثلاثاء، أكتوبر ٢٦، ٢٠١٠

بعيدا عن مستنقع الانتخابات الحالي

عشرة أسئلة و إجابات حول:


الرؤية المستقبلية لمصر
البحث عن المنهج المناسب
ــــــــ


ما ينقص قادة ما نطلق عليه أحزاب.. وطني و معارضة ..
و ينقص العديد من الحيارى الذين يبثون عن مخرج من أزمة مصر
و يغيب عن العديد من النشطاء السياسيين
و أصحاب النيات السليمة مثل د. البرادعي

دعوة للتفكير المنظّم .. تتجاوز مستنقع الانتخابات الذي نقاد إليه


(1 ) متى يفكّر الإنسان ؟

ــ عندما تتغير الأوضاع الخاصة، أو العامة . ففي أحوال الثبات التام (و هذا فرض نظري) لا يحتاج الإنسان إلى التفكير . أمّا عندما تتغيّر بعض الأوضاع، يجد نفسه محتاجا للتفكير في أثر هذه التغيرات على نظم حياته المستقرّة، لكي يعدّل من مواقفه و تصرفاته، بما يناسبه . و التغيّر هنا قد يكون شعورا بالإجهاد، أو موقفا غير معتاد ممن هم حوله، أو ارتفاعا في سعر سلعة او خدمة، إلى تغيّر مفاجئ في الطقس .
عند التفكير في هذه الأحوال، أحوال التغيير البسيط أو النسبي، يكفي الإنسان الاعتماد على خبراته السابقة، أو خبرات من هم حوله .

(2) ما هي أمثلة التغيرات النسبية في حياة البشرية ؟

ــ امتدّ عصر الزراعة إلى ما يقرب من عشرة آلاف سنة .. و هو العصر الذي قامت فيه حياة البشر أساساعلى الزراعة في جميع قارات العالم . كلما انتقلت مجموعة من البشر من الاعتماد على القنص أو الرعي، إلى الاعتماد على الزراعة، مستقرّة فوق رقعة محددة من الأرض، سادت قوانين أساسية واحدة للحياة، رغم اختلاف الأعراق و الأجناس و الطبيعة و المناخ .
طوال ذلك الزمن الطويل، خضع أبناء المجتمعات الزراعية لنفس الأسس الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، و سادت بينهم نفس منظومة القيم و الأخلاق .
ملاحظة هامة : الثابت أن هذه الأسس جميعا نبعت من طبيعة الحياة الزراعية السائدة، و التي حددت أطر حياة البشر في المجتمعات الزراعية . و لقد بقيت تلك الأسس على حالها، طوال ذلك الزمن، رغم التغيرات النسبية العديدة التي طرأت على أفكار و عقائد و علوم أبناء المجتمع الزراعي ( و هذا يقود إلى أن طبيعة العمل السائد تحدد أسس حياة البشر ) .

(3) بماذا تختلف التغيرات النسبية عن التغيرات الكبرى ؟

ــ في حالة التغيرات النسبية، يمكننا الاعتماد على السوابق، و على رصيد خبراتنا، أو خبرات من هم حولنا ممن سبقونا إلى المرور بتلك التغيرات .. و هكذا تتوفر المرجعيات للقياس و الاستفادة . و يمكننا أن نرى أمثلة لذلك، في تبادل الخبرات و المعارف بين الحضارات المصرية والإغريقية و الفارسية و الهندية و الإسلامية ( التي كانت جميعا حضارات زراعية يعيش أهلها على الزراعة أساسا ) .

ــ في حالة التغيرات الجذرية الشاملة، تفقد الخبرات الحالية و السوابق قيمتها، و لا يجد البشر مرجعيات متاحة، في أي مكان على الأرض.. فالجميع يواجه نفس الأزمة . مثال ذلك انتقال البشر من الزراعة إلى الصناعة، في أعقاب اختراع الآلة البخارية . لم تعد الأسس الاجتماعية والاقتصادية و السياسية و منظومة القيم النابعة من واقع الحياة الزراعية صالحة للتعامل مع الحياة الصناعية، بعد أن فقدت مرجعيتها .
و هذا هو أساس المشاكل المزمنة في مصر، لكل من يتصدّي للتفكير في الإصلاح عندنا، متصورا أن بالإمكان إصلاح أو إعادة بناء أي شيء على حدة دون أن ينبع ذلك من رؤية شاملة للتغيرات التي يمر بها العالم، سواء كان الإصلاح يتصل بالتعليم، أم الموارد الاقتصادية، أم النقل، أم الأسرة، أم بالممارسة الديموقراطية ، أم بالفساد .
هذا هو سر إخفاق المخلصين الأذكياء، بين المفكرين و النشطين السياسيين، و المسئولين الأمناء في دوائر الحكم عندنا، الذين يتصورون إمكان تحقيق شيء، قبل فهم طبيعة التغيرات الحادثة و أبعادها، و دون التوصّل إلى رؤية مستقبلية شاملة لمصر، تنبع منها الاستراتيجيات و الخطط، في جميع مجالات الحياة .

(4) ماذا نفعل في مواجهة التغيرات الجذرية الشاملة ؟

ــ نفعل ما فعله مفكّروا عصر الصناعة الأوائل . درسوا مؤشرات التغير الأساسية التي فرضتها طبيعة العمل الصناعي، التي يتواصل و يتزايد أثرها، و التأثير المتبادل بين تلك المتغيرات مثل :
أ ـ ما أتاحته الطاقة الميكانيكية من إنتاج على نطاق واسع و استهلاك على نطاق واسع .
ب ـ و ما ترتّب على ذلك من انفصال للإنتاج عن الاستهلاك .
ج ـ ممّا اقتضي قيام السوق بمعناها المستجد، و ما ترتب علىّ هذا من مؤسسات اقتصادية مستجدة . و اكتشفوا سقوط النظم النابعة من عصر الزراعة،في الأسرة، و التعليم،و الإدارة و العمالة و العمل و في النظم الاقتصادية و تشكّّل منظومة جديدة للقيم و الأخلاق .
د ـ و اكتشفوا المبادئ الجديدة التي يقوم عليها عصر الصناعة، و التي تختلف ـ بل و تتناقض كثيرا ـ مع المبادئ التي قامت عليها الحياة طوال العمر الممتد لعصر الزراعة .
هـ ـ تلك المبادئ التي اقتضاها قيام الحياة على الصناعة مثل : النمطية و التوحيد القياسي لكل شيء ـ ضبط الزمن و تحقيق التزامن ـ التخصص الضيّق ـ التركيز في كل شيء ـ المركزية الشديدة ـ عشق الضخامة .
و نشط المفكرون في رسم إطار الرؤية المستقبلية لبلادهم، و فقا لمدى تحوّلهم من الزراعة إلى لصناعة . و مع كل الاختلافات بين المجتمعات الصناعية في العالم ـ على مدى ثلاثة قرون تقريبا، هي عمر عصر الصناعة ـ ظهر أن أسس الحياة الصناعية كانت واحدة، و قد خضعت لتلك الرؤية جميع المجتمعات الصناعية في جميع القارات، و سواء كانت تمضي وفق النظم الرأسمالية أم الاشتراكية .
و السرّ في هذا، هو أن التكنولوجيا السائدة، تفرض نوع العمالة السائدة، و تنتهي في آخر الأمر برسم أسس الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية .
و هذا يتم على ثلاثة مراحل:
(أولا) تقوم التكنولوجيا الجديدة بالعمل الذي كان الإنسان يقوم به .
(ثانيا) توفّر هذه التكنولوجيا إمكانات في العمل، لم يكن ـ و لن يكون ـ بإمكان الإنسان أن يقوم بها .
(ثالثا) بناء على ما سبق، تتحوّل البنى الاجتماعية و الاقتصادية القائمة، إلى نظم اجتماعية و اقتصادية جديدة .
و يمكننا فهم هذا بشكل أوضح لو تأملنا التحول في مبادئ الحياة بين عصري الزراعة و الصناعة .
و دراسة هذا التحوّل تساعدنا كثيرا في تناول التحولات الكبرى التي نمر بها الآن، و التي تتجاوز ـ في قوّتها و تسارعها ـ انتقال البشر من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة .

(5) هل يفيدنا هذا في فهم التغيرات الكبرى التي يمر بها لبشر حاليا ؟


ــ يفيدنا كثيرا أن ندرس تحوّل البشر من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة، في فهم التحوّل الحالي من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات ( لماذا هذه التسمية، و من أين أتت، سنطرحه فيما يلي من تساؤلات ) . نحن نمرّ بنفس التغيرات الكبرى التي سبقت عصر الصناعة، و لكن بشكل أكثر قوّة و تأثيرا و شمولا . تغيرات اليوم متلاحقة متسارعة بطريقة غير مسبوقة، و هي تلاحقك شئت أم أبيت .. طوال عصر الصناعة، كان بإمكان دولة ما أن تقرر المضي في حياة الزراعة بنفس أسس عصر الزراعة . هذا إذا لم يجد الاستعمار النابع من طبيعة النظام الصناعي حاجة لاستعمارها .. أمّا اليوم فليس بإمكان أي دولة صغيرة أو كبيرة، قريبة أو بعيدة، أن تتجاهل التحوّل الشامل إلى عصر المعلومات .

(6) كيف نرسم معالم الرؤية المستقبلية لمجتمع المعلومات ؟

ــ نفعل مافعله المفكرون الأوائل لعصر الصناعة، من موقع أفضل، بفضل قدرتنا على دراسة مرحلة التحوّل الأخيرة من الزراعة إلى الصناعة، و الاستفادة منها في فهم التحوّل الجديد .
أولا : ندرس مؤشرات التغير العظمى التي طرأت على حياتنا منذ منتصف القرن العشرين تقريبا .
ثانيا : نختار منها المؤشرات متزايدة التأثير،و مطّردة النمو .
ثالثا : ندرس التأثيرات المتبادلة بين تلك المؤشرات الأساسية المختارة .
رابعا : نحدد المبادئ الأساسية للمجتمع الجديد، و نتتعرّف على آثار الاعتماد على التكنولوجيا المعلوماتية ( الرقمية ) في صياغة الأسس الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية للحياة في المجتمع لجديد .
خامسا : و من هذا يمكن أن نرسي أسس الرؤية المستقبلية لمجتمع المعلومات .

(7) لماذا نطلق اسم مجتمع المعلومات على المجتمع الجديد ؟

ــ رغم انه من الصعب أن نقصر أسباب الانتقال من عصر لآخر على سبب واحد أو سببين، إلا أنه من الواضح أن التغيرات الأساسية اتي مرّت بها حياة البشر، منذ منتصف القرن العشرين، ترجع إلى حدّ كبير إلى ما يمكن أن نطلق عليه اسم "ثورة المعلومات".
و لكي نفهم مدلول هذا الاسم، نطرح ما يمكن أن نطلق عليه " الدائرة النشطة " . على محيطها تنتظم عناصرها التي تقود إلى بعضها البعض بشكل متواصل . هذه العناصر هي :
أولا : تزايد لمعلومات المتاحة و تدفقها . بفضل تطوّر و سائل الاتصال و الانتقال .
ثانيا : قاد هذا إلى ضرورة تطوير تكنولوجيات المعلومات، لمواجة ذلك التدفّق .
ثالثا : قاد هذا بدوره إلى المزيد من اندفاع و توالد المعلومات و المعارف، ممّا أتاح للبشر أن يتحرروا من نمطية المجتمع الصناعي، و أن يتعرّفوا على أساليب حياة تختلف عن أسلوب حياتهم .. فبدأ الناس يتمايزون في مشاربهم و توجّهاتهم و في رغباتهم و ساليب حياتهم .. و هذا التمايز في حدّ ذاته خلق المزيد من لمعلومات .. و هكذا مضت الدائرة النشطة .
رابعا : هذا التفاعل المتسلسل، و الذي يقوم على التعامل مع المعلومات، هو الذي قاد إلى تسمية " مجتمع المعلومات " .

(8) بماذا تفيد الرؤية المستقبلية لمجتمع المعلومات ؟

ــ الرؤية المستقبلية لمجتمع المعلومات، هي التي نستنبط منها مستقبل أي شيء في مجتمع المعلومات ، في النواحي الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ( كمسقبل الأسرة، أو التعليم، أو العمالة، أو الإدارة، أو الاقتصاد، أو الممارسة الديموقراطية، أو الإعلام) ، و تدلنا على المبادئ الأساسية لمجتمع المعلومات، من حيث اختلافها عن المبادئ التي سادت عصر الصناعة، و التي تفيد التحوّل :
* من العمل الجسدي، إلى العمل العقلي .
* من انتاج البضائع، إلى انتاج المعلومات (بالنسبة لمركز ثقل الإنتاج ) .
* من المركزية إلى اللامركزية، و من التنظيم الهرمي إلى التنظيمات الشبكية .
* من تلويث البيئة إلى حمايتها .
* من وقود الحفريات إلى أشكال جديدة ومتجددة من الطاقة .
* من الاقتصار على المواد الخام المستخرجة من جوف الأرض، إلى الاعتماد على الخامات المخلّقة .
* من فصل الإنتاج عن الاستهلاك، إلى اقتصاد تعاوني، و إنتاج من أجل الاستهلاك الشخصي .
* من التمثيل النيابي، إلى المشاركة في اتخاذ القرار .
* من الاعتماد على المؤسسات، إلى الاعتماد على الذات .
* من الاقتصاد القومي، إلى الاقتصاد العالمي (جلوبال ) .

(9) و ماذا عن الرؤية المستقبلية لمصر ؟

ــ التوصّل إلى الرؤية المستقبلية لمصر، يقتضي الوضوح حول أمرين، الهدف، و المنطلق :
أولا : الهدف المنشود هو اللحاق بركب التطور العالمي، من خلال الرؤية المستقبلية الشاملة لحقائق مجتمع المعلومات، و هو ما طرحنا جانبا من عناصره الأساسية في الأسئلة السابقة .

ثانيا : نقطة الإنطلاق، أو الأرض التي نقف عليها، و نحن نمضي في رحلة إعادة البناء نحو المستقبل . أي الوضع الراهن لمصر ..و بخاصّة ما يمكن أن نطلق عليه " الخريطة الحضارية الراهنة لمصر" .

(10) ما هي الخريطة الحضارية الراهنة لمصر ؟

ــ هذا يعني أن نرصد بأمانة موقعنا على سلّم تلاحق الحضارات البشرية . أو بمعنى آخر : لقد تعاقبت على البشر ثلاث حضارات كبرى، أو أنماط حياة كبري، هي نمط الحياة الزراعية، ثم نمط الحياة الصناعية، و أخيرا نمط الحياة النابع من احتياجات مجتمع المعلومات . و لقد أخذت المجتمعات و الدول المختلفة، بنسب مختلفة من تلك الأنماط، وفقا لحظوظها من استخدامات التكنولوجيات الخاصة بكل نمط، و نسب شيوع مبادئ كل عصر من عصور التطوّر المشار إليها .
الدراسة المطلوبة تستهدف معرفة نسب انتماء شعب مصر إلى كلّ من أنماط الحياة هذه .
* إلى أي مدي يعيش الشعب المصري بمنطق عصر الزراعة .
* و إلى أي مدى قد تبنّى منطق عصر الصناعة .
* و ما حجم القلّة التي اقتحمت جهد تبنّي منطق عصر المعلومات .
وضوح هذه النسب، يرسم الخريطة الواقعية التي نقف عليها .. و هذا يحدد نوع الجهد لمطلوب منا لكي ننتقل بالحياة المصريةإلى واقع مجتمع المعلومات، و يكون أساسا لعملنا و نحن نرسى استراتيجيات إعادة البناء، و نترجمها لى خطط متكاملة، و برامج زمنية واقعية، و يحدد نوعية خطط التنمية التي نأخذ .


* * *


التساؤلات العشرة السابقة، و الإجابات عنها، تفيد أن معركتنا الرئيسية هي معركة فكرية .. نحن في حاجة إلى إشاعة وعي جديد بحقيقة موقعنا و طبيعة هدفنا، ليس فقط بين الشباب و الناشئة، و لكن أيضا بين المتنفذين في حياتنا على أعلى المستويات، و بين جميع السلطات التنفيذية و القضائية و التشريعية..و بين القيادات الفكرية في المجالات الأكاديمية و الثقافية و الإعلامية .

و تجاربنا الفاشلة المتكررة لحلّ مشاكلنا، و إعادة بناء مصر على أسس معاصرة، لا ترجع إلى قصور في ذكاء القائمين على أمورنا، أو إلى نقص في جهودهم، كما لا يرجع شيوع الفساد في مختلف مستويات مجتمعنا، لكنّه يرجع أساسا إلى عدم إدراك أهمية التوصّل إلى :رؤية مستقبلية شاملة لمصر، تنبع منها استراتيجيات و خطط متزامنة، تربط بين حركتنا في مختلف المجالات الاجتماعية و الاقتصاية و السياسية، وفق الأولويات التي تناسب قدراتنا .

راجي عنايت
renayat@gmail.com

الخميس، سبتمبر ٢٣، ٢٠١٠

محاولة للخروج من عنق الزجاجة


ما تفتقده حياتنا الفكرية و السياسية :
رؤية مسـتقبلية شـاملة لمصر
تقود إلى اسـتراتيجيات متكاملة لإعـادة البنـاء
في المجالات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية
مستفيدة من التحولات الكبرى في الحياة البشرية



مشكلتنا الكبرى في مصر حاليا :
* لماذا نبدو و كأننا ندر حول أنفسنا، دون أن نتقدّم خطوة واحدة إلى الأمام ؟
* لماذا تغيب الرؤية المستقبلية الشاملة عن برامج جميع الأحزاب المصرية، و بصفة خاصة عن الحزب الوطني و أمانة سياساته .. و أيضا عن أصحاب النشاط السياسي من الجماعات و الأفراد ؟
* لماذا يتصوّر الجميع أن غاية المراد هو مواجهة السلبيات الراهنة، و تدارك حالة الهبوط المتواصل، و السعي للوصول إلى نقطة الصفر ؟
* لماذا لا نسعى إلى إرساء رؤية مستقبلية شاملة لمصر، تكون هي مرجعيتنا المعاصرة ؟

حقائق أساسية :
· منذ منتصف القرن الماضي، بدأ تدافع ثورة المعلومات، التي تقود إلى سيادة مجتمع المعلومات في حياة البشر، الذي يقوم على أسس جديدة في جميع مجالات حياة البشر .
· دخول البشرية إلى مجتمع المعلومات، ظهر على شكل تغيرات جذرية متسارعة كبرى، أثارت الكثير من الحيرة و الخلط و الارتباك .
· فهم طبيعة هذه التغيرات، و أثرها على حياة البشر، يضع حدّا لتلك الحيرة و ذلك الارتباك، و يؤكّد لنا أن ما نحتاجه يتجاوز التعديل و التوفيق و الإصلاح، إلى ضرورة القيام بعمليات إعادة بناء شاملة لجميع نواحي حياتنا، وفقا لفهمنا الواضح لطبيعة التحوّل الكبير الذي نعيشه .
· خير مرجع لفهم الحاضر و المستقبل، هو العودة إلى تأمّل التاريخ .. تاريخ تحوّل عظيم آخر مرّت به البشرية، بانتقالها من عصر الزراعة الذي امتد إلى عشرة آلاف سنة، إلى عصر الصناعة في أعقاب اختراع الآلة البخارية .
· الاستفادة من دراسة مرحلة التحوّل من الزراعة إلى الصناعة، تفيدنا في فهم أثر التكنولوجيات الابتكارية الكبرى على حياة البشر الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية .. بل و أثرها على العادات و منظومة القيم و الأخلاق .
· هذه الدراسة تساعدنا على إرساء المنهج العلمي الذي نعتمد عليه، في فهم طبيعة التغيرات الكبرى التي نمرّ بها، تمهيدا لرسم إطار الرؤية المستقبلية الشاملة، التي تحقق الانسجام و التوافق المطلوبين عند التصدّي لعمليات إعادة البناء الضرورية، في مختلف مجالات الحياة .
ركائز المنهج العلمي المطلوب :
المنهج العلمي الذي نعتمد عليه في فهم طبيعة و أبعاد مجتمع المعلومات، و التغيرات التي تطرأ على مختلف جوانب النشاط البشري، يوجب الاعتماد على نمطين ضروريين في التفكير، في حالة التغيرات الجذرية الكبرى، كالتي يمرّ بها البشر حاليا .

أوّلا ـ التفكير الناقـد :
دون الدخول في تفاصيل التفكير الناقد، و أصوله، يكفي القول بأنه التفكير الضروري لمواجهة التغيرات الكبرى، و الذي يتيح لنا أن نمضي على أرض صلبة، في مجاهل الواقع الجديد علينا . وهو التفكير الذي يتيح لنا أن الاختبار الدائم للافتراضات التي يقوم عليها تفكيرنا، و التعرّف على السياق الذي خرجت منه، لنعرف ما إذا كان ذلك السياق يتّفق مع سياق الحياة الجديدة التي نمضي إليها . و من مقوّماته :
· التعرّف على الافتراضات و تحدّيها : تفكيرنا و سلوك حياتنا يقومان على افتراضات خاصّة . و في زمن التغيرات الكبرى، يجدر بنا امتحان تلك الافتراضات، و التحقّق من مدى اتّفاقها مع الواقع الجديد لحياتنا .. هذه الافتراضات غالبا ما نأخذها مأخذ التسليم، في تنظيمنا لعملنا، و علاقاتنا مع الآخرين، أو في الأساس الذي يقوم عليه التزامنا السياسي أو العقائدي .
الانتباه إلى السياق الذي تنبع منه الافتراضات : عندما نرصد هذه الافتراضات، نصبح أكثر إدراكا لتأثير السياق الذي تنبع منه تلك الافتراضات، فجميع ممارساتنا و أفكارنا و ترتيباتنا الاجتماعية، لا تكون بلا سياق .
تصوّر و امتحان البدائل : عند رصد الافتراضات غير المناسبة، يساعد التفكير الناقد على اكتشاف و امتحان طرق جديدة للتفكير و التصرّف، و على الوعي بالسياق الذي تخرج منه الافتراضات .

ثانيا ـ التفكير الابتكاري :
التفكير الابتكاري، هو الذي يتيح لنا الوصول إلى البدائل و الطرق الجديدة، و يسمح لنا بالخروج من سيطرة مسارات التفكير النابعة من أوضاع سابقة، والتي لا تناسب الواقع الجديد . و هنا نتحدّث عمّا يتجاوز ما اعتدنا الحديث عنه من ابتكار أدبي أو فنّي، إلى الابتكار المنظّم، بآلياته المحددة المختلفة، التي تتيح للعقل البشري أن يتحرر من أسر العادة . و هو الابتكار الذي يسود مجال العمل العقلي، الذي تكون له الغلبة في مجتمع المعلومات .
و التفكير الابتكاري، هو طوق النجاة، عندما نفشل في الوصول إلى حلول نعتمد فيها على جمع المعلومات و معالجتها، و تسليط المنطق التقليدي عليها . و هو الوسيلة إلى استشراف المستقبل .

* * *

المنهج العلمي في استشراف المستقبل :
أوّلا ـ الاستفادة من دراسة مرحلة التحوّل من الزراعة إلى الصناعة :
كما أشرنا من قبل، نستفيد اليوم كثيرا في فهم طبيعة التحوّل الهائل الذي يطرأ على حياة البشر، من دراسة دقائق ما حدث ـ من قبل ـ عند انتقالنا من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة .
اليوم .. بإمكاننا أن نتكلّم بثقة عن أسس الحياة في مجتمع الصناعة، و اختلافاتها عن الأسس التي مضت
وفقا لها حياة البشر، على مدى عشرة آلاف سنة، هي عمر عصر الزراعة . يمكننا أن نتعرّف على المبادئ التي صاغت حياة البشر في عصر الصناعة، في المجالات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية .
دراسة ذلك التاريخ تفيدنا كثيرا في :
رصد المبادئ الأساسية التي قام عليها عصر الصناعة، (1) مثل النمطية و التوحيد القياسي لكل شيء، (2) و الالتزام بالتخصص الضيّق، (3) و المركزية الشديدة التي قادت إلى سيادة النظم البيروقراطية الكبرى، (4) و عشق الضخامة والسعي إلى النهايات العظمى .. إلى آخر ذلك .
كيف سيطرت تلك المبادئ على كلّ شيء في حياة البشر خلال عصر الصناعة، و كانت وراء الفلسفة التي صاغت نظم عصر الصناعة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية .. و كانت وراء ترتيبات العمل في المصانع و المكاتب، و نظم التعليم الجماهيرية، و المبادئ الإدارية التي تحكم تشكّل كل شيء في الحياة، الأسرة و المدرسة و الإعلام الجماهيري، و الممارسة الديموقراطية .. والتي جاءت جميعا على صورة المصنع، الذي انبهر به المفكرون و المنظّرون في ذلك العصر .
و الانتباه إلى أثر التكنولوجيا الابتكارية السائدة في تشكيل حياة البشر و النظم التي تحكمهم ( و هو أساس رؤيتنا لعصر الزراعة، و عصر الصناعة، و عصر المعلومات .. و الاختلافات الجذرية في الأسس التي تحكم هذه العصور ) .
ثانيا ـ صياغة الرؤية المستقبلية الشاملة :
بداية، يجب التفريق بين الأحلام و الأماني و متطلبات الأيديولوجيات و العقائد، و بين الرصد العلمي لحركة الحياة البشرية، و النظم التي تحكمها في كل مرحلة من المراحل . التغيير الحقيقي و الأساسي هو الذي يستفيد من المسار الطبيعي لحركة التاريخ البشري ( مثال : ظلّ نظام الرق و العبودية سائدا في حياة البشر، طوال عصر الزراعة، رغم صيحات المفكّرين و إبداعات الفنانين، و انتفاضات الثائرين، باعتباره عنصرا طبيعيا في حياة الزراعة .. و لم يصل إلى نهايته إلاّ بقيام الثورة الصناعية التي لم يكن نظامها يحتاج إلى تملّك جسد العامل ) .
و الرؤية المستقبلية التي نطرحها ليست عقيدة أو قدر، لكنها أشبه بما تقدمه الأرصاد الجوية . إذا كان في انتظارنا عاصفة رعدية قوية، نعدّل نشاطنا بما يتّفق مع ذلك . كذلك إذا أفادت الرؤية المستقبلية أننا ننتقل من المركزية إلى اللامركزية، يكون علينا أن نستفيد من ذلك و لا نفكّر في مقاومته .
ثالثا ـ خطوات التوصّل إلى الرؤية المستقبلية :
(1) مؤشرات التغيير الأساسية في حياة البشر . و بصفة خاصة المؤشرات متزايدة التأثير . و من بين المؤشرات التي تسود المجتمعات التي يتزايد اعتمادها على التكنولوجيات الابتكارية المعلوماتية، توصّل الدارسون و المفكرون إلى مؤشرات أساسية باقية . مثال ذلك : التحـوّل من التكنولوجيات
الصناعية الغليظة إلى التكنولوجيات الرقمية، و التحوّل من الاقتصاد القومي إلى الاقتصاد العالمي، و من المركزية إلى اللامركزية، و من التخطيط قصير المدى إلى التخطيط طويل المدى، و من التنظيم البيروقراطي إلى التنظيم الشبكي، و من النمطي و الجماهيري إلى المتنوّع و الفردي .. إلى آخر ذلك .
(2) بعد رصد المؤشرات الأساسية للتغيير، ندرس التأثيرات المتبادلة بين هذه التغييرات، لنتعرّف من ذلك على جوانب من المبادئ التي تحكم المجتمع الذي تمضي إليه لبشرية .
(3) هذه المبادئ في علاقاتها ترسم الرؤية المستقبلية للمجتمع الذي نمضي إليه، و التي تحدد أسسه المجتمعية الخاصّة .

* * *

الرؤية المستقبلية لمصر

الرؤية المستقبلية لمصر تتأسس على أمرين :
1 ـ استكمال الرؤية المستقبلية لمجتمع المعلومات .
2 ـ تحديد الخريطة الحضارية لمصر .
لقد طرحنا فكرة عن السبيل إلى صياغة الرؤية المستقبلية لمجتمع المعلومات، يبقى بعد ذلك أن نرسم ما يمكن أن نطلق عليه الخريطة الحضارية لمصر، و نعني بذلك :
ما هي نسبة الذين ما زالوا يمضون في حياتهم وفق القيم الزراعية، التي سادت عصر الزراعة، إلى نسبة الذين يمضون وفق القيم الصناعية، التي سادت عصر الصناعة، إلى نسبة الذين يلتحقون بالقيم الجديدة لعصر المعلومات . و هذا يتوقّف أساسا على مدى شيوع تكنولوجيات المعلومات في حياتنا .
على أساس هذه الخريطة، يمكن أن نضع الاستراتيجيات و الخطط التي نعيد بها بناء مصر لكي تكون قادرة على اللحاق بركب التطوّر العالمي، و الدخول إلى واقع مجتمع المعلومات ... و بحيث لا تقود اجتهادات حلّ المشاكل الراهنة إلى خلق مشاكل جديدة أكثر خطورة .

السبت، يونيو ١٩، ٢٠١٠

الخروج من الواقع المصري المؤلم

عشرة أسئلة و إجابات حول:


الرؤية المستقبلية لمصر
البحث عن المنهج المناسب
ــــــــ

ما ينقص قادة ما نطلق عليه أحزاب.. وطني و معارضة ..
و من يحاولون التفكير في الخروج من المأزق الحالي المؤلم


(1 ) متى يفكّر الإنسان ؟

ــ عندما تتغير الأوضاع الخاصة، أو العامة . ففي أحوال الثبات التام (و هذا فرض نظري) لا يحتاج الإنسان إلى التفكير . أمّا عندما تتغيّر بعض الأوضاع، يجد نفسه محتاجا للتفكير في أثر هذه التغيرات على نظم حياته المستقرّة، لكي يعدّل من مواقفه و تصرفاته، بما يناسبه . و التغيّر هنا قد يكون شعورا بالإجهاد، أو موقفا غير معتاد ممن هم حوله، أو ارتفاعا في سعر سلعة او خدمة، إلى تغيّر مفاجئ في الطقس .
عند التفكير في هذه الأحوال، أحوال التغيير البسيط أو النسبي، يكفي الإنسان الاعتماد على خبراته السابقة، أو خبرات من هم حوله .

(2) ما هي أمثلة التغيرات النسبية في حياة البشرية ؟

ــ امتدّ عصر الزراعة إلى ما يقرب من عشرة آلاف سنة .. و هو العصر الذي قامت فيه حياة البشر أساساعلى الزراعة في جميع قارات العالم . كلما انتقلت مجموعة من البشر من الاعتماد على القنص أو الرعي، إلى الاعتماد على الزراعة، مستقرّة فوق رقعة محددة من الأرض، سادت قوانين أساسية واحدة للحياة، رغم اختلاف الأعراق و الأجناس و الطبيعة و المناخ .
طوال ذلك الزمن الطويل، خضع أبناء المجتمعات الزراعية لنفس الأسس الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، و سادت بينهم نفس منظومة القيم و الأخلاق .
ملاحظة هامة : الثابت أن هذه الأسس جميعا نبعت من طبيعة الحياة الزراعية السائدة، و التي حددت أطر حياة البشر في المجتمعات الزراعية . و لقد بقيت تلك الأسس على حالها، طوال ذلك الزمن، رغم التغيرات النسبية العديدة التي طرأت على أفكار و عقائد و علوم أبناء المجتمع الزراعي ( و هذا يقود إلى أن طبيعة العمل السائد تحدد أسس حياة البشر ) .

(3) بماذا تختلف التغيرات النسبية عن التغيرات الكبرى ؟

ــ في حالة التغيرات النسبية، يمكننا الاعتماد على السوابق، و على رصيد خبراتنا، أو خبرات من هم حولنا ممن سبقونا إلى المرور بتلك التغيرات .. و هكذا تتوفر المرجعيات للقياس و الاستفادة . و يمكننا أن نرى أمثلة لذلك، في تبادل الخبرات و المعارف بين الحضارات المصرية والإغريقية و الفارسية و الهندية و الإسلامية ( التي كانت جميعا حضارات زراعية يعيش أهلها على الزراعة أساسا ) .

ــ في حالة التغيرات الجذرية الشاملة، تفقد الخبرات الحالية و السوابق قيمتها، و لا يجد البشر مرجعيات متاحة، في أي مكان على الأرض.. فالجميع يواجه نفس الأزمة . مثال ذلك انتقال البشر من الزراعة إلى الصناعة، في أعقاب اختراع الآلة البخارية . لم تعد الأسس الاجتماعية والاقتصادية و السياسية و منظومة القيم النابعة من واقع الحياة الزراعية صالحة للتعامل مع الحياة الصناعية، بعد أن فقدت مرجعيتها .
و هذا هو أساس المشاكل المزمنة في مصر، لكل من يتصدّي للتفكير في الإصلاح عندنا، متصورا أن بالإمكان إصلاح أو إعادة بناء أي شيء على حدة دون أن ينبع ذلك من رؤية شاملة للتغيرات التي يمر بها العالم، سواء كان الإصلاح يتصل بالتعليم، أم الموارد الاقتصادية، أم النقل، أم الأسرة، أم بالممارسة الديموقراطية ، أم بالفساد .
هذا هو سر إخفاق المخلصين الأذكياء، بين المفكرين و النشطين السياسيين، و المسئولين الأمناء في دوائر الحكم عندنا، الذين يتصورون إمكان تحقيق شيء، قبل فهم طبيعة التغيرات الحادثة و أبعادها، و دون التوصّل إلى رؤية مستقبلية شاملة لمصر، تنبع منها الاستراتيجيات و الخطط، في جميع مجالات الحياة .

(4) ماذا نفعل في مواجهة التغيرات الجذرية الشاملة ؟

ــ نفعل ما فعله مفكّروا عصر الصناعة الأوائل . درسوا مؤشرات التغير الأساسية التي فرضتها طبيعة العمل الصناعي، التي يتواصل و يتزايد أثرها، و التأثير المتبادل بين تلك المتغيرات مثل :
أ ـ ما أتاحته الطاقة الميكانيكية من إنتاج على نطاق واسع و استهلاك على نطاق واسع .
ب ـ و ما ترتّب على ذلك من انفصال للإنتاج عن الاستهلاك .
ج ـ ممّا اقتضي قيام السوق بمعناها المستجد، و ما ترتب علىّ هذا من مؤسسات اقتصادية مستجدة . و اكتشفوا سقوط النظم النابعة من عصر الزراعة،في الأسرة، و التعليم،و الإدارة و العمالة و العمل و في النظم الاقتصادية و تشكّّل منظومة جديدة للقيم و الأخلاق .
د ـ و اكتشفوا المبادئ الجديدة التي يقوم عليها عصر الصناعة، و التي تختلف ـ بل و تتناقض كثيرا ـ مع المبادئ التي قامت عليها الحياة طوال العمر الممتد لعصر الزراعة .
هـ ـ تلك المبادئ التي اقتضاها قيام الحياة على الصناعة مثل : النمطية و التوحيد القياسي لكل شيء ـ ضبط الزمن و تحقيق التزامن ـ التخصص الضيّق ـ التركيز في كل شيء ـ المركزية الشديدة ـ عشق الضخامة .
و نشط المفكرون في رسم إطار الرؤية المستقبلية لبلادهم، و فقا لمدى تحوّلهم من الزراعة إلى لصناعة . و مع كل الاختلافات بين المجتمعات الصناعية في العالم ـ على مدى ثلاثة قرون تقريبا، هي عمر عصر الصناعة ـ ظهر أن أسس الحياة الصناعية كانت واحدة، و قد خضعت لتلك الرؤية جميع المجتمعات الصناعية في جميع القارات، و سواء كانت تمضي وفق النظم الرأسمالية أم الاشتراكية .
و السرّ في هذا، هو أن التكنولوجيا السائدة، تفرض نوع العمالة السائدة، و تنتهي في آخر الأمر برسم أسس الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية .
و هذا يتم على ثلاثة مراحل:
(أولا) تقوم التكنولوجيا الجديدة بالعمل الذي كان الإنسان يقوم به .
(ثانيا) توفّر هذه التكنولوجيا إمكانات في العمل، لم يكن ـ و لن يكون ـ بإمكان الإنسان أن يقوم بها .
(ثالثا) بناء على ما سبق، تتحوّل البنى الاجتماعية و الاقتصادية القائمة، إلى نظم اجتماعية و اقتصادية جديدة .
و يمكننا فهم هذا بشكل أوضح لو تأملنا التحول في مبادئ الحياة بين عصري الزراعة و الصناعة .
و دراسة هذا التحوّل تساعدنا كثيرا في تناول التحولات الكبرى التي نمر بها الآن، و التي تتجاوز ـ في قوّتها و تسارعها ـ انتقال البشر من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة .

(5) هل يفيدنا هذا في فهم التغيرات الكبرى التي يمر بها لبشر حاليا ؟

ــ يفيدنا كثيرا أن ندرس تحوّل البشر من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة، في فهم التحوّل الحالي من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات ( لماذا هذه التسمية، و من أين أتت، سنطرحه فيما يلي من تساؤلات ) . نحن نمرّ بنفس التغيرات الكبرى التي سبقت عصر الصناعة، و لكن بشكل أكثر قوّة و تأثيرا و شمولا . تغيرات اليوم متلاحقة متسارعة بطريقة غير مسبوقة، و هي تلاحقك شئت أم أبيت .. طوال عصر الصناعة، كان بإمكان دولة ما أن تقرر المضي في حياة الزراعة بنفس أسس عصر الزراعة . هذا إذا لم يجد الاستعمار النابع من طبيعة النظام الصناعي حاجة لاستعمارها .. أمّا اليوم فليس بإمكان أي دولة صغيرة أو كبيرة، قريبة أو بعيدة، أن تتجاهل التحوّل الشامل إلى عصر المعلومات .

(6) كيف نرسم معالم الرؤية المستقبلية لمجتمع المعلومات ؟

ــ نفعل مافعله المفكرون الأوائل لعصر الصناعة، من موقع أفضل، بفضل قدرتنا على دراسة مرحلة التحوّل الأخيرة من الزراعة إلى الصناعة، و الاستفادة منها في فهم التحوّل الجديد .
أولا : ندرس مؤشرات التغير العظمى التي طرأت على حياتنا منذ منتصف القرن العشرين تقريبا .
ثانيا : نختار منها المؤشرات متزايدة التأثير،و مطّردة النمو .
ثالثا : ندرس التأثيرات المتبادلة بين تلك المؤشرات الأساسية المختارة .
رابعا : نحدد المبادئ الأساسية للمجتمع الجديد، و نتتعرّف على آثار الاعتماد على التكنولوجيا المعلوماتية ( الرقمية ) في صياغة الأسس الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية للحياة في المجتمع لجديد .
خامسا : و من هذا يمكن أن نرسي أسس الرؤية المستقبلية لمجتمع المعلومات .

(7) لماذا نطلق اسم مجتمع المعلومات على المجتمع الجديد ؟

ــ رغم انه من الصعب أن نقصر أسباب الانتقال من عصر لآخر على سبب واحد أو سببين، إلا أنه من الواضح أن التغيرات الأساسية اتي مرّت بها حياة البشر، منذ منتصف القرن العشرين، ترجع إلى حدّ كبير إلى ما يمكن أن نطلق عليه اسم "ثورة المعلومات".
و لكي نفهم مدلول هذا الاسم، نطرح ما يمكن أن نطلق عليه " الدائرة النشطة " . على محيطها تنتظم عناصرها التي تقود إلى بعضها البعض بشكل متواصل . هذه العناصر هي :
أولا : تزايد لمعلومات المتاحة و تدفقها . بفضل تطوّر و سائل الاتصال و الانتقال .
ثانيا : قاد هذا إلى ضرورة تطوير تكنولوجيات المعلومات، لمواجة ذلك التدفّق .
ثالثا : قاد هذا بدوره إلى المزيد من اندفاع و توالد المعلومات و المعارف، ممّا أتاح للبشر أن يتحرروا من نمطية المجتمع الصناعي، و أن يتعرّفوا على أساليب حياة تختلف عن أسلوب حياتهم .. فبدأ الناس يتمايزون في مشاربهم و توجّهاتهم و في رغباتهم و ساليب حياتهم .. و هذا التمايز في حدّ ذاته خلق المزيد من لمعلومات .. و هكذا مضت الدائرة النشطة .
رابعا : هذا التفاعل المتسلسل، و الذي يقوم على التعامل مع المعلومات، هو الذي قاد إلى تسمية " مجتمع المعلومات " .

(8) بماذا تفيد الرؤية المستقبلية لمجتمع المعلومات ؟

ــ الرؤية المستقبلية لمجتمع المعلومات، هي التي نستنبط منها مستقبل أي شيء في مجتمع المعلومات ، في النواحي الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ( كمسقبل الأسرة، أو التعليم، أو العمالة، أو الإدارة، أو الاقتصاد، أو الممارسة الديموقراطية، أو الإعلام) ، و تدلنا على المبادئ الأساسية لمجتمع المعلومات، من حيث اختلافها عن المبادئ التي سادت عصر الصناعة، و التي تفيد التحوّل :
* من العمل الجسدي، إلى العمل العقلي .
* من انتاج البضائع، إلى انتاج المعلومات (بالنسبة لمركز ثقل الإنتاج ) .
* من المركزية إلى اللامركزية، و من التنظيم الهرمي إلى التنظيمات الشبكية .
* من تلويث البيئة إلى حمايتها .
* من وقود الحفريات إلى أشكال جديدة ومتجددة من الطاقة .
* من الاقتصار على المواد الخام المستخرجة من جوف الأرض، إلى الاعتماد على الخامات المخلّقة .
* من فصل الإنتاج عن الاستهلاك، إلى اقتصاد تعاوني، و إنتاج من أجل الاستهلاك الشخصي .
* من التمثيل النيابي، إلى المشاركة في اتخاذ القرار .
* من الاعتماد على المؤسسات، إلى الاعتماد على الذات .
* من الاقتصاد القومي، إلى الاقتصاد العالمي (جلوبال ) .

(9) و ماذا عن الرؤية المستقبلية لمصر ؟

ــ التوصّل إلى الرؤية المستقبلية لمصر، يقتضي الوضوح حول أمرين، الهدف، و المنطلق :
أولا : الهدف المنشود هو اللحاق بركب التطور العالمي، من خلال الرؤية المستقبلية الشاملة لحقائق مجتمع المعلومات، و هو ما طرحنا جانبا من عناصره الأساسية في الأسئلة السابقة .

ثانيا : نقطة الإنطلاق، أو الأرض التي نقف عليها، و نحن نمضي في رحلة إعادة البناء نحو المستقبل . أي الوضع الراهن لمصر ..و بخاصّة ما يمكن أن نطلق عليه " الخريطة الحضارية الراهنة لمصر" .

(10) ما هي الخريطة الحضارية الراهنة لمصر ؟

ــ هذا يعني أن نرصد بأمانة موقعنا على سلّم تلاحق الحضارات البشرية . أو بمعنى آخر : لقد تعاقبت على البشر ثلاث حضارات كبرى، أو أنماط حياة كبري، هي نمط الحياة الزراعية، ثم نمط الحياة الصناعية، و أخيرا نمط الحياة النابع من احتياجات مجتمع المعلومات . و لقد أخذت المجتمعات و الدول المختلفة، بنسب مختلفة من تلك الأنماط، وفقا لحظوظها من استخدامات التكنولوجيات الخاصة بكل نمط، و نسب شيوع مبادئ كل عصر من عصور التطوّر المشار إليها .
الدراسة المطلوبة تستهدف معرفة نسب انتماء شعب مصر إلى كلّ من أنماط الحياة هذه .
* إلى أي مدي يعيش الشعب المصري بمنطق عصر الزراعة .
* و إلى أي مدى قد تبنّى منطق عصر الصناعة .
* و ما حجم القلّة التي اقتحمت جهد تبنّي منطق عصر المعلومات .
وضوح هذه النسب، يرسم الخريطة الواقعية التي نقف عليها .. و هذا يحدد نوع الجهد لمطلوب منا لكي ننتقل بالحياة المصريةإلى واقع مجتمع المعلومات، و يكون أساسا لعملنا و نحن نرسى استراتيجيات إعادة البناء، و نترجمها لى خطط متكاملة، و برامج زمنية واقعية، و يحدد نوعية خطط التنمية التي نأخذ .


* * *


التساؤلات العشرة السابقة، و الإجابات عنها، تفيد أن معركتنا الرئيسية هي معركة فكرية .. نحن في حاجة إلى إشاعة وعي جديد بحقيقة موقعنا و طبيعة هدفنا، ليس فقط بين الشباب و الناشئة، و لكن أيضا بين المتنفذين في حياتنا على أعلى المستويات، و بين جميع السلطات التنفيذية و القضائية و التشريعية..و بين القيادات الفكرية في المجالات الأكاديمية و الثقافية و الإعلامية .

و تجاربنا الفاشلة المتكررة لحلّ مشاكلنا، و إعادة بناء مصر على أسس معاصرة، لا ترجع إلى قصور في ذكاء القائمين على أمورنا، أو إلى نقص في جهودهم، كما لا يرجع فقط إلى شيوع الفساد في مختلف مستويات مجتمعنا، لكنّه يرجع أساسا إلى عدم إدراك أهمية التوصّل إلى :رؤية مستقبلية شاملة لمصر، تنبع منها استراتيجيات و خطط متزامنة، تربط بين حركتنا في مختلف المجالات الاجتماعية و الاقتصاية و السياسية، وفق الأولويات التي تناسب قدراتنا .

راجي عنايت ــ يناير2008
renayat@gmail.com

الأربعاء، مارس ٠٣، ٢٠١٠

من غادة تعليقا على الرسالة السابقة
بمناسبة حجر البرادعي و تحريك المياه الراكدة :
لايوجد لدينا أي كيان سياسي ..يمتلك رؤية مسـتقبلية لمصر!


ما هو هذا الشىء الذى يسمى التغيير ؟؟؟

استاذى العزيز
لأول مرة اشعر برغبة فى المشاركة و لو بالرأى حيث كنت اشعر انه لا جدوى حتى من الكلام و اذا كان حقا الدكتور البرادعى كما يقول البعض لا يملك رؤية شاملة لكل شىء فهذا شىء طبيعى لانه حتى حكامنا لا يملكون رؤية لأى شىء و لكن يكفينى كمواطنة مهمشة - مثل الملايين لم يعد يشغلنى سوى تدبير نفقات المعيشة و اجتياز اليوم بسلام دون امل فى الغد - انه بارقة امل فى التغيير و هو الشىء الذى لم اذق طعمه و لا اعرف كنهه طوال حياتى ما هو هذا الشىء الذى يسمى التغيير ؟؟؟
هل هناك امل ان احلم و استطيع تحقيق احلامى بعدما خذلتنى كل وعود الاصلاح و الغد الافضل الذى اسمع عنه منذ وعيت للحياة و اصبح الغد بالنسبة لى شىء مرعب قد يجلب على ضرائب جديدة و مفاجآت غير سارة و انا مثلى مثل الملايين من جيلى و الاجيال اللاحقة لا نعلم عن السياسة شىء و لم نمارسها فى حياتنا و الانتخاب الوحيد الذى اشارك فيه هو انتخابات النادى الذى انتمى اليه .و انا شخصيا اشفق على البرادعى مما ينتظره من ويلات و لا اتعجب الا من استعداده لخوض تلك الويلات لاحداث تغيير و يكفينى ذلك الوعد فهو لم يعدنى بالفعل و انما بالمحاولة و نحن شعب قانع يكفينا القليل و نرضى باى قليل يجود به الزمان حتى لم نعد نجد ذلك القليل فلم يعد لدينا ما نخسره حتى نخشى من المجازفة و لأول مرة اجد نفسى مستعدة للمجازفة لانه لم يكن هناك من يستحق.. و يتعجب البعض من تجمهر الناس حول البرادعى و السبب ان الناس ضاقت بحالها و على استعداد لمؤازرة اى شخص .. اى وجه جديد من خارج النظام الفاسد و خارج دائرة الشبهات التى تحيط بكل الشخصيات العامة و بالنسبة لى يكفينى ان يحدث مجرد تغيير فى الوضع اى تغيير لا يهم فقد شهدنا الاسوأ و لم نعد نخشاه فربما .. ربما يحدث الافضل و اشاهد هذا الغد و اتعرف على المستقبل الذى ظللت تنادى به لمدة ربع قرن و لا حياة لمن تنادى لانك كنت تتحدث عن شىء بالنسبة للكثيرين خيالى و لا وجود له الا فى الاحلام التى لا نعرفها الا فى منامنا اما فى اليقظة فلا نعرف الا الكوابيس و اعود و اكرر اننى اصبحت مستعدة للحلم و للايمان بهذا الحلم و هو حال الكثيرين و اريد ان اطمئن الدكتور كافى الذى ذكر فى تعليقه ان الجماهير لا تعى الازمة التى سيتعرض لها البرادعى فى حال ما اذا استطاع احداث ذلك التغيير .. اطمئنة ان الجماهير تعى الكثير اكثر مما يتخيل البعض و لكنهم لم يظهروا سوى اللامبالاه و السلبية لانه لم يكن هناك فائدة من اى شىء اما الان فهناك امل و هذا ما نتعلق كلنا به و يكفينا الامل و الحلم فى زمن افقدنا حتى القدرة على الحلم بمستقبل افضل .

غادة
٢‏/٣‏/٢٠١٠ ٢:٤٠ م

* * *

أشكرك على هذه الرسالة التي تبعث الأمل، ليس في مستقبل دكتور البرادعي، و لكن أساسا في الأجيال الجديدة، التي فشل نظام الحكم الراكد الطويل أن يقتل فيها : الفهم، و الأمل .. و الفضيلة الكبرى لظاهرة البرادعي هو نجاحه في كشف فشل و فساد نظام الحكم، و موات أحزاب المعارضة الي تكفّل ذلك النظام بحرمانها من الهواء الذي تتنفسه، و نجح في تآمره على عناصرها .. ثم ـ وهذا هو الأهم ـ فضيلة بعث الأمل في نسبة عالية من الشعب المصري، و بخاصة أجيالنا الجديدة .

و لكن ..

الحلم جميل و مطلوب .. لكن الحلم الذي نحتاجه حلم عقلاني، يبلور فهمنا لطبيعة مرحلة التطوّر التي تمر بها البشرية، أو تسعى للوصول إليها .. و فهمنا لطبيعة الأسس الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية الجديدة التي يقوم عليها المجتمع البشري الجديد، و الي تتكشّف يوما بعد يوم،رغم كلّ ضروب التآمر و العنف التي يمارسها أنصار الوضع القائم، في مواجهة مسيرة التقدّم التي نلمح إيحاءاتها .

و ملحوظة ..

تفاصيل هذه الرؤية المستقبلية الشاملة، سيجدها كل من يقلّب في رسائل هذا الموقع، و المواقع الأخرى التي تظهر مداخلها في صدر هذه الرسالة .
و إلى المزيد من الأمل رغم أنف المسيطرين و خدّامهم .

راجي عنايت

الأحد، فبراير ٢٨، ٢٠١٠

البرادعي .. و المياه الراكدة

بمناسبة حجر البرادعي و تحريك المياه الراكدة

لايوجد لدينا أي كيان سياسي ..
يمتلك رؤية مسـتقبلية لمصر!
ــــ


أولا : اهتمامي بالمستقبل، ينبع من رغبتي في البحث عن منهج علمي لإعادة بناء حياتنا في مصر، بشكل ينسجم مع التغيّرات الجذرية التي تمر بها البشرية، في تحوّلها إلى مجتمع المعلومات
ثانيا : على مدى ربع قرن، ناديت بأهمية الرؤية المستقبلية لمصر، كأساس لأي تحرّك نحو تجاوز فجوة التخلّف، التي تفصلنا عن باقي المجتمعات المتقدّمة
ثالثا : شرحت، المرّة تلو الأخرى، استحالة الإصلاح و التجويد، أو حتّى مواجهة المشاكل الكبرى، بالتناول الجزئي لكل مشكلة أو مجال على حدة، خاصّة في زمن التغيّرات الكبرى في الحياة، مثل التحوّل من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة، أو التحوّل من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات
رابعا : طرحت عام 1992، في كتابي " أفيقوا يرحمكم الله "، منهجا متكاملا لرصد و فهم التغيّرات الحادثة، و وضع الرؤية المستقبلية الشاملة .. كما تضمّن الكتاب ـ بالتفصيل ـ أهم معالم الحياة الجديدة في عصر المعلومات، و طبيعة الأسس التي تقوم عليها مجالات النشاط البشري المختلفة، الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية
خامسا : و في ذلك الكتاب، طرحت بعض التطبيقات الأساسية التي تعتمد على الفهم النابع من الرؤية المستقبلية، فحددت نظم مجتمع المعلومات الجديدة ـ و المختلفة، بل و المتناقضة مع نظم المجتمع الصناعي التي عرفناها ـ في التعليم، و الإدارة، و الاقتصاد، و الممارسة السياسية، و الإعلام
سادسا : على مدى ما يزيد عن 20 سنة، كتبت أحذر قيادات مصر من مواصلة عدم المبالاة بما يجري، و عدم قيامنا بتطوير أوضاعنا، وفقا للتحوّلات التي تتم حولنا في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية . و قلت أكثر من مرّة أن العزلة عمّا يجري مستحيلة في عصر المعلومات، و أنّه إذا لم نبادر بالحركة، فستجبرنا على ذلك القوى العظمى، ليس لحسابنا، و لكن لحسابها هي !

فماذا كانت النتيجة ؟

ربما تكون بيروقراطيتنا قد توقّفت للحظات لقراءة تلك التحذيرات، لكنها سرعان ما أشاحت بنظرها، مواصلة تركيزها على تثبيت الأوضاع القائمة، حرصا على البقاء في موقع السلطة، و مواصلة تحقيق مكاسبها الخاصّة على حساب شعب مصر
و كما توقعت، تحرّكت الولايات المتحدة لترغمنا على قبول ما كان يوما ما في صالحنا، ثم استنزفت منافعه بالنسبة لنا .. و رضخنا المرّة بعد الأخرى للضغط الأمريكي، و لضغوط الشركات الرأسمالية متعدية الجنسيات، مع علمنا بأن تلك الضغوط كانت لحسابهم، و على حساب مصالح الشعب المصري .. لقد حدث ما حذّرت منه مرارا و تكرارا
راحت أوضاع مصر تتدهور عاما بعد عام .. و رحنا نفقد مكانتنا، ليس بين الدول المتقدمة، و لكن أيضا بين الدول لعربية، و الدول النامية في آسيا و أمريكا اللاتينية
أصبحنا أشبه بمن يسعى ـ بعناد غبي ـ لفتح باب جديد، بمفتاح قديم ..!
و بدأت أفقد الأمل نهائيا في أن يستمع أحد إلى صوت العقل في مصر .. و لم يبق لي سوى أن أتصور الحل مشروطا بسيناريو الكارثة الكبرى، الذي قد يصل بنا إلى الإفاقة، و تبيّن سواء السبيل، ولكن في أعقاب محن و خسائر كبرى، ما كان أغنانا عنها

طريق الخـــلاص

أولا : حقيقة مريرة يجب الاعتراف بها .. لا يوجد لدينا أي كيان سياسي ـ حكومي أم معارض، حزب أم جماعة من الناشطين ـ يمتلك رؤية مستقبلية لمصر
ثانيا : حتّى لجنة السياسات التي زعمت أنها تنطلق من رؤية مستقبلية، اكتشفت ـ من واقع أوراقها ـ أنها اعتمدت في الأغلب ـ عند وضع تلك الأوراق ـ على بعض بقايا قيادات منظمة الشباب القديمة، التي اكتسبت على مرّ العهود مقدرة على إرضاء الزبون، أو على أصحاب الأفكار البراجماتية من شباب الاقتصاديين، مثل الآلاف الذين كنت ألتقي بهم في المؤتمر العام لجمعية مستقبل العالم، في واشنطون، و الذين لم تكن لديهم النيّة، أو القدرة، على الفهم الشامل الذي يسمح بوضع الرؤية المستقبلية المطلوبة، يعتمدون على قشور الأفكار دون أن يكلّفوا أنفسهم مشقّة الغوص إلى جوهرها
ثالثا : الفوران السياسي الحالي، قد يشكّل ضغطا إضافيا على البيروقراطية الحاكمة، إلى جانب الضغوط الأمريكية، فيجبرها على تقديم بعض التنازلات غير الجوهرية، التي تعرف سبيل النكوص عنها فيما بعد عندما تهدأ الأمور . و الأحداث الأخيرة، تفيد أن بيروقراطيتنا ولاّدة ! .. و أنها قد بدأت الإعداد لبيروقراطية شابة، إذا ما تداعت العناصر التقليدية، و سقطت في الطريق
رابعا : و الولايات المتحدة، لديها أجنداتها و أولوياتها، التي تتغيّر وفق حسابات خاصة بنظامها الحاكم .. و لا يعلم إلاّ الله ما يمكن أن تطالب به أو ترفضه . و في جميع الأحوال صالحنا ليس مربوطا أبدا بصالح أمريكا، بل إن التناقض قائم على الدوام
ما هي القوى السياسية المصرية، القادرة على أن ترتفع بممارساتها إلى المستوى الفكري، الذي يسمح لها أن تقيم جهدها على رؤية مستقبلية شاملة لمصر، تتيح لنا أن نعيد بناء حياتنا ـ بالكامل ـ على أسس الحياة الجديدة لعصر المعلومات ؟
سؤال يجب أن تلتزم بالإجابة عنه كافة القوي الإجابية و السلبية التي يتصاعد صراعها اليوم.. أمّا أنا فلا أملك له إجابة في إطار الصراع الحالي .. و من قال لا أدري، فقد أفتى

راجي عنايت