السبت، ديسمبر ٠١، ٢٠١٢


الثائر والدكتاتور والخروف والشيخ متلوف بقلم أ.د. محمد نبيل جامع أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية 01227435754 29 نوفمبر 2012 هل نجح عباقرة الدين السياسي في شق الشعب إلى نصفين: إسلاميين ولا إسلاميين (علمانيين، لبراليين، يساريين، قوميين، ناصريين، يعني كفرة بوذيين كما يقولون)؟ هذا هو ما يتوهمون، أو هو ما يضللون الناس به. نحن مصريون عاديون متدينون، كل واحد فينا حر، وربنا يبارك له في دينه. الصورة الأكثر تعبيرا عما رسمه عباقرة الدين السياسي، أي هؤلاء المتأسلمون، هي الآن، وبعد الإعلان الدستوري الدكتاتوري، صورة تتشكل من ثوار، ومؤسسة رئاسية دكتاتورية، وخراف، ومستشيخون منتفخون سلطويون دكتاتوريون. أيام مبارك كانت مصر مؤسسة رئاسية دكتاتورية، وخراف، وطفيليون لصوص، ومستشيخون منافقون. يعني لم يكن هناك ثوار. الثوار قاموا بالثورة بعد أن تحرروا من الخرافة والاستعباد. وفي كل الأحوال كان هناك الأزهر الشريف والكنيسة المهابان يحفظان لمصر المحروسة روحها الطاهرة السمحة الأبدية. والسؤال المهم الآن هل يستطيع الخراف المعاصرون أن يتحولوا إلى ثوار؟ وبالمناسبة أرجو ألا يُمَأمِأ من يشعر أنه خروف متعصبا من وصفه بهذا الوصف، فقد درج العلماء والفلاسفة على استخدام أسماء الحيوانات والطيور لتعبر عن الاتجاهات الأيديولوجية والسياسية (الأسود والثعالب، "أرنولد توينبي" – الصقور والحمائم – الفهود السوداء.... إلخ). والإجابة هي: نعم، يمكن أن يتحول الخراف إلى ثوار، وذلك من خلال النقاط التالية: 1. لابد أن يدرك الإنسان المَعْنى الحقيقي للوحدانية، الله فقط هو المطاع طاعة عمياء، الخالق الرب ذو النعم، مانح العقل، ضامن الغذاء والكساء والماء والدواء، الرزاق، المرتجى، المنجي، الموثوق به، والمطمأن إليه. لا طاعة عمياء لدكتاتور، ولا تقديس لشيخ أو تلبيس حذاء لمرشد. لم يأمر الله سبحانه وتعالى بالطاعة والتذلل إلا له سبحانه وتعالى ثم الوالدين فقط ما دام الأمر بعيدا عن عصيان الله جل شأنه وتعالى. هذا هو مبتدأ التحرر والخروج من دائرة الاستعباد والطاعة العمياء. 2. لابد أن يدرك الإنسان أن التفرق والجدال والتعصب لرأي أو لجماعة إن هو إلا ضعف عقلي ووهن فكري يُسلم فيه الإنسان عقله لغيره ليستريح من تعب التفكير والتأمل والاجتهاد والتدبر. وهذا مخالفة لأمر الله سبحانه وتعالى الذي يأمرنا بالتأمل والتدبر والبحث عن المعرفة والعلم ولو في الصين كما قال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام. 3. أن ندرك دائما أن الاجتهاد محمود، حتى لو أخطأ الإنسان، والاجتهاد على قدر المعرفة هو ما أعنيه. هنا أنت المسئول عن عملك، ولا تستسلم وتعلقها، وأنت قادر على العقل، في رقبة شيخ، فالله سبحانه وتعالى يعلم سرك ونيتك. العلم المطلق لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى: "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ،‏ آل عمران‏:‏ 7‏". وقد اختلف العلماء في تفسير هذه الآية الكريمة، فمنهم من يرى أن الراسخون في العلم يعلمون تأويله (ابن عباس، ومجاهد، والربيع بن سليمان، والقاسم بن محمد، والشافعية، وابن فورك، والشيخ أحمد القرطبي، وابن عطية)، ومنهم من يرى أن الله وحده هو العالم بتأويله (جمهور السلف، وهو قول ابن عمر، وعائشة، وابن مسعود، وأُبي، ورواه أشهب عن مالك في جامع العتبية، وقاله عروة بن الزبير، والكسائي، والأخفش والفراء، والحنفية، وإليه مال فخر الدين). والفقير العبد لله كاتب هذه السطور يميل إلى التفسير الثاني، وذلك لسبب بسيط جدا، ألا وهو أن واو العطف تساوي بين المعطوف والمعطوف عليه، هذا من الناحية اللغوية، ثم من الناحية العقليه: كيف أتصور أن تأويل الله سبحانه وتعالي لكلماته تتساوى مع تأويل خلقه لها. حتى فيما بين البشر أنفسهم لا تجد أبدا أن الطالب نادرا ما يتفوق على أستاذه في شيء درسه على يد أستاذه إلا بعد زمن طويل. 4. إذا تحرر عقلك فقد خطوت 90% من طريق التحول من عبد مأمور إلي ثائر، ذلك الثائر الذي ينتفض ليقضي على الفساد حتى يتمكن من أن يبني الأمجاد (ورحم الله الشيخ الشعراوي القائل لها قبل الثورة). وكيف تبني الأمجاد إذا لم تكن تعلم أن لبناء الأمجاد متخصصون علماء وتنظيم عصري حديث، ومن قبل ذلك إدراك وإيمان بقيم ومعايير الحداثة، وليس مجرد اللحية والزبيبة والسبحة والجلابيب الخليجية وفقه المرأة والبداوة والتفاخر بالزواج المتعدد ودور المرأة السجينة في المنزل، تلك المرأة التي تملأ ميدان التحرير بروح الثورة والتقدم والحداثة والطهارة؟ 5. على شبابنا الطاهر وخاصة المنتمين منهم إلى التيارات الدينية، ونحن معهم، أن نتبع أمر الله سبحانه وتعالى باستبدال المحبة بالكره، فلو كان الحبيب المصطفي فظا غليظ القلب لانفضوا من حوله. ويأمرنا صلى الله عليه وسلم بالتواد والتراحم والتعاطف لأننا جسد واحد. الإسلام كان ثورة على عبادة غير الله وتقديس السادة الطغاة المستبدين الفاسدين، ومن ثم فأنا أدعو كل ثائر خرج بالأمس الجمعة في ميدان التحرير، في مليونية "التراجع أو الرحيل" لــ "يحضن" شقيقه الغافل الذي خرج اليوم في مليونية "النهضة" ليقنعه بالحكمة والموعظة الحسنة أن مصر الجديدة، مصر الثائرة لن تبنى بعقليات خيرت الشاطر والمرشد والشيوخ المتغطرسين المكفرين لخلق الله، وإنما بهم هم أصحاب المستقبل والمنتفعون به، عسى أن يكتب الله لمصر في المدى المتوسط السلام والعزة والكرامة والحداثة والعظمة، وبركاتك يا "إبراهيم يا هضيبي".

هناك تعليق واحد: