الأحد، أكتوبر ٠٧، ٢٠٠٧

إقتصاد جديد لمجتمع المعلومات



أخبار غير سارة للدول النامية
الموقع ــ الخامات ــ العمالة الرخيصة
في عالم اليوم، أصبحت المعلومات و المعارف المفتاح الرئيسي في صراع القوّة العالمي الدائر . فما هو مستقبل الدول النامية، و الدول العربية بالتحديد، في إطار هذا كلّه ؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال، يحضرني تعليق للكاتب المستقبلي آلفن توفلر حول تعبير الدول النامية، فهو لا يميل إلى تعبير " الدول منخفضة التنمية "، الشـائعة في أدبيات الغرب، و يفضّل عليه تعبير" الد ول منخفضة التنمية الاقتصادية "، باعتبار أن الكثير من هذه الدول تكون على درجة عالية من النمو الثقافي، أو النمو في مجالات أخرى أيّا كانت التسمية، فهذه الدول لم تعد تشكّل مجموعة واحدة . و بمثل ما يتنوّع كلّ شيء في حياتنا، نتيجة لثورة المعلومات، فقد انقسمت هذه الدول و تنوّعت و تمايزت، وفقا لمدى أخذها بأدوات مجتمع المعلومات، و من ثمّ وفقا لمكانتها في صراع القوّة العالمي الدائر

مجموعات الدول النامية

ما هو الوضع الحالي لما يطلق عليه تعبير الدول النامية؟
• هناك مجموعة من الدول شديدة الفقر، التي ما زالت تعتمد ـ في الأغلب ـ على العمالة الزراعية، بالطريقة التي شاعت خلال عصر الزراعة، و أمثلتها عديدة في آسيا و أفريقيا
• و مجموعة أخرى تحقّق لها وجود صناعي مؤثّر، و أخذت بالأسس و المبادئ الخاصّة بالمجتمع الصناعي، لكن الزيادة السكّانية بها جمّدت انطلاقها التنموي .. مثل مصر و البرازيل و الهند
• ثم هناك أخيرا، مجموعة دول جنوب شرق آسيا، التي استكملت تصنيعها، و بدأت تتحرّك بسرعة تجاه صناعات و خدمات عصر المعلومات.. مثل تايوان و كوريا الجنوبية و سنغافورة
داخل كل مجموعة من هذه المجموعات الرئيسية للدول النامية، يتزايد التمايز و الخلاف، وفقا للفهم و القدرة على التطبيق، فتنقسم كلّ منها إلى مجموعات فرعية
الدول السريعة و البطيئة

بعد الحرب العالمية الثانية، جرى تقسيم العالم إلى دول رأسمالية و دول اشتراكية، و إلى دول شمال و دول جنوب . إلاّ أن هذه التقسيمات تفقد دلالتها اليوم، مفسحة المجال لتقسيمات نابعة من طبيعة التحوّل العالمي، الذي تحدثه ثورة المعلومات، و تعجّل بإيقاعه
من بين أهمّ هذه التقسيمات الجديدة، تقسيم العالم إلى دول سريعة، و دول بطيئة .. أو بشكل أدقّ: دول الاقتصاد السريع، و دول الاقتصاد البطيء .. تماما كما يجري تقسيم أصناف الكائنات وفقا لسرعة نظامها العصبي .
يشرح توفلر هذا، فيشير إلى أن التكنولوجيا المتطوّرة تتيح زيادة سرعة الإنتاج، ثم يستدرك قائلا أن هذا هو أبسط ما في الأمر، ذلك لأن إيقاع الإنتاج يتحدّد بسرعة تبادل الاتّصالات، و بالوقت اللازم لاتّخاذ القرارات، خاصّة في مجال الاستثمار، و بالمعدّل الذي يصل فيه ذلك الإنتاج إلى السوق، و بسرعة تدفّق رأس المال .. و فوق هذا كلّه، بالسرعة التي تنبض بها البيانات و المعلومات و المعارف في النظام الاقتصادي .
خلاصة القول، أن الاقتصاديات السريعة تولّد الثروة و من ثمّ القوّة، بشكل أسرع ممّا يحدث في الاقتصاديات البطيئة
الضربات الثلاث المتوقّعة

النظام الجديد لخلق الثروة في العالم، يفرض على قادة الدول النامية أن يدركوا طبيعة هذا التحوّل، و أن يتّخذوا الخطوات اللازمة لإعادة البناء الاقتصادي لبلادهم، حتّى لا يتم إقصاء دولهم عن الأسواق العالمية، و عزلها عن الاقتصاد الديناميكي
لكي يدرك قادة الدول النامية أهمّية الإسراع بعملية إعادة البناء الاقتصادي لدولهم، نستعرض ثلاثة تحوّلات اقتصادية مهمّة تتعرّض لها الآن معظم الدول النامية، و هي تنبع بشكل مباشر، أو غير مباشر، من زحف النظام الجديد لخلق الثروة في عالمنا عند تحديد مدى قوّة الدولة أو ضعفها اقتصاديا، يثار سؤال أساسي ما الذي لدى هذه الدولة، ممّا يمكن أن تبيعه للعالم ؟ و يمكننا أن نحصر ما يمكن أن تبيعه الدول النامية، أو بشكل أصحّ ما كان ممكنا تقليديا، أمكننا أن نحصر ذلك في ثلاثة موارد أساسية، هي :
المواقع الاستراتيجية من الأرض
المواد الخام المستخرجة من باطن الأرض
العمالة الرخيصة
هذه الموارد ـ بالذات ـ تعرّض الدول النامية في المستقبل القريب لثلاث ضربات موجعة، تؤثّر على اقتصادها، نتيجة للتغيّرات التي يأتي بها مجتمع المعلومات
انقضاء العصر الذهبي للحرب الباردة
سنقصر الحديث اليوم على المورد الأوّل التقليدي الذي كان من الممكن لبعض الدول النامية أن تقدّمه لباقي العالم، لوقت ما، نعني بذلك الموقع الاستراتيجي . و رغم أن الاقتصاديين عادة ما يسقطون اعتبار الأرض ذات القيمة الاستراتيجية عسكريا من بين الموارد القابلة للبيع، إلاّ أن هذا المورد شكّل دخلا لا يستهان به، بالنسبة للعديد من دول آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية . لقد كانت الدول الكبرى تبحث عن دعم لقوّتها العسكرية و السياسية، و من ثمّ أبدت استعدادا دائما لأن تدفع في سبيل ذلك، و خاصّة خلال سنوات الحرب الباردة
ومع هبوط حدّة التوتّرات التي كانت قائمة بين الولايات المتّحدة و الاتّحاد السوفييتي، شعرت دول العالم الثالث أن العصر الذهبي للحرب الباردة قد انقضى
تحالفات قصيرة المدى

و يرجع تدهور سوق المواقع الاستراتيجية، و التسهيلات العسكرية إلى عدّة أسباب
• تطوّر قدرات النقل، و اتساع مدى رحلات الطائرات و الصواريخ، و تكاثر نشاط الغوّاصات الأعلى كفاءة، ممّا قاد إلى تناقص الحاجة إلى تسهيلات الصيانة و الإمدادات
• و حتى عندما تعمد القوى الكبرى مستقبلا إلى مواصلة البحث عن القواعد أو إنشاء مراكز تنصّت على الأقمار الاصطناعية، أو إلى بناء مطارات أو البحث عن تسهيلات للغوّاصات في أرض أجنبية، فإن "عقود الإيجار" ستكون لزمن قصير، فالتغيّرات المتسارعة الحالية تجعل التحالفات قصيرة العمر، و مؤقّتة
• و إذا كان صعود القوّة العسكرية لليابان في الباسفيكي ـ على سبيل المثال ـ يمكن أن يدفع الفليبين و غيرها من دول المنطقة إلى الترحيب بالولايات المتّحدة، أو غيرها من الدول العظمى، بهدف تحقيق التوازن في وجه أي تهديد ياباني محتمل، فإن هذه الدول النامية سيكون عليها أن تدفع ثمن حمايتها، لا أن تقبض
انتهاء عصر الاعتماد على بيع أو تأجير الأراضي ذات الموقع الاستراتيجي، سيخل بتوازن القوى المرهف بين الدول النامية، و يقود ـ مستقبلا ـ إلى عمليات تحوّل في القوّة داخلها، بشكل معقّد للغاية . هذا عن الضربة الأولى التي تنتظر الدول النامية .. أمّا الضربة الثانية فستأتي من إقامة تنميتها الاقتصادية على أساس تصدير المواد الخام و الوقود

و هذا هو موضوع الرسالة القادمة

ليست هناك تعليقات: