السبت، أكتوبر ١٣، ٢٠٠٧

اقتصاد جديد لمجتمع المعلومات



حتمية إعادة بناء اقتصاد الدول النامية


تحدثنا في الرسالة السابقة عن أول الضربات التي تنتظر الدول النامية، نتيجة لدخول البشر إلى عصر المعلومات، نعني بذلك انقضاء جدوى بيع أو تأجير القواعد العسكرية للدول الكبرى . و اليوم نتحدّث عن الضربتين الثانية و الثالثة، و نعني بها عدم جدوى إقامة اقتصاد هذه الدول على بيع المواد الخام أو الوقود، و انتهاء مورد العمالة الرخيصة الذي كانت تعتمد عليه الدول التي تقيم تنميتها الاقتصادية على أساس تصدير المواد الخام المستخرجة من باطن الأرض، مثل النحاس و البوكسيت و الفحم و البترول، عليها أن تفهم طبيعة التحوّلات الحالية، التي تفقد هذه المواد الخام قيمتها، و تضعف الطلب عليها، و تهبط بعائدها إلى حدّ أن تتبدّد جدواها الاقتصادية

نفايات اليوم، تصبح ثروة في الغد

الموارد التي تعتبر حيوية هذه الأيام، قد تصبح بلا قيمة غدا .. و على العكس من ذلك قد تصبح نفايات اليوم ـ فجأة ـ ذات قيمة عظمى، هذا ما يقوله ـ عن حقّ ـ آلفن توفلر
لقد نظر العالم إلى البترول باعتباره خامة غير ذات فائدة، إلى أن زحفت تكنولوجيات الصناعة، و بصفة خاصّة آلة الاحتراق الداخلي، فصار البترول من الخامات الحيوية . و ظل التيتانيوم مجرّد مسحوق أبيض لا قيمة له، إلى أن أصبحت له أهمّية كبرى في صناعة الطائرات و الغوّاصات
و اليوم، تفعل الموصّلات فائقة القدرة، "سوبر كونداكتورز"، مثل هذا الانقلاب، فهي تعمل على تخفيض الحاجة إلى الطاقة، و تحدّ من الفاقد في عمليات نقل الطاقة الكهربائية . و هذه الموصّلات فائقة القدرة، تعتمد في صناعتها على خامات جديدة
و يقول أمبرتو كولومبو، رئيس جمعية العلوم و التكنولوجيا في مجموعة الدول الأوروبية، " في مجتمعات اليوم المتقدّمة الغنية، كلّ زيادة في الدخل القومي للفرد، ترتبط بارتفاع أقلّ قي كميات المواد الخام و الطاقة المستخدمة " . هذا بالإضافة إلى أن المعلومات و المعارف العلمية تزيد من قدرتنا على خلق مواد بديلة للمواد التي كانت الدول الكبرى تستوردها

مواد مخلّقة حسب الطلب
تصبح الاقتصاديّات المتقدّمة قادرة ـ في وقت قريب ـ على خلق تنوّع كامل من المواد المخلّقة حسب الطلب، اعتمادا على بعض النفايات التي لا قيمة لها
و العلم الجديد، "علم النانو تكنولوجي"، يتيح بناء آلات أصغر آلاف المرّات من شريحة الكمبيوتر فائقة الصغر . هذه الآلات نقوم ببنائها ذرة بذرة، و جزيء بجزيء ! . و هذا يعني أنّنا نتحوّل من المواد الخام هائلة الحجم، التي تشغل أكبر الموانئ و المخازن، إلى التعامل مع الذرات التي يمكن الوصول إليها بسهولة من خامات لا قيمة لها في الطبيعة، تتوفّر في أراضي و بحار كلّ دولة
و هذا يعني أن القوّة تتحوّل من منتجي المواد الخام، ضخمة الحجم، إلى أولئك الذين يتحكّمون في المعارف اللازمة لتخليق المواد الجديدة، التي لم تكن معروفة من قبل
تصدير العمالة الرخيصة

بعد انقضاء القيمة الاستراتيجية للأرض و القواعد، و بعد تناقص قيمة تصدير المواد الخام المستخرجة من المناجم و الآبار، نأتي للضربة الثالثة التي يحتمل أن تتلقّاها الدول النامية، نعني بذلك اعتمادها على تصدير العمالة الرخيصة كمورد من مواردها
في أعقاب الثورة الصناعية، سعت الدول الصناعية إلى البحث عن عمالة رخيصة، تدعم بها موقفها التنافسي بالنسبة للدول الصناعة الأخرى . و من ثمّ أقامت العديد من الدول النامية مستقبلها الاقتصادي على وهم بيع العمالة الرخيصة، باعتبار أن هذا سيقود إلى التحديث و مواكبة العصر . و نتيجة للنجاح الذي حققته بعض هذه الدول، مثل كوريا الجنوبية و تايوان و هونج كونج و سنغافورة، شاع اعتقاد في جميع أنحاء العالم، أن التحوّل من تصدير المنتجات و المحاصيل الزراعية و المواد الخام إلى تصدير البضائع المصنّعة المعتمدة على العمالة الرخيصة، هو السبيل الأمثل ـ حاليا ـ إلى التنمية و التطوّر
العمالة الرخيصة أكثر تكلفة

و مع هذا، فإن واقع الأمر على المدى البعيد، يقول عكس هذا تماما، باعتبار أن هذا التوجّه يتناقض مع الأسس الجديدة لخلق الثروة، و مع النظام العالمي الجديد الذي يسود العالم بأكمله . نقول هذا رغم أن لعبة العمالة الرخيصة مازالت تمارس في جميع أنحاء العالم
و السرّ في هذا أنه في ظل الاقتصاد الجديد لعصر المعلومات تصبح العمالة الرخيصة أكثر تكلفة بشكل متزايد، كما تصبح أجور العمّالة ذاتها عنصرا أصغر في التكلفة الكلّية للإنتاج . و على العكس من هذا، فإن التكنولوجيات الجديدة، و التدفّق الأسرع و الأفضل للمعلومات، و نقص المخزون، يمكن أن تساعد على خفض التكلفة، أكثر بكثير ممّا يمكن أن يحقّقه خفض تكلفة ساعات العمل
و هذا هو السر في أنّه من الممكن أن تكون إقامة مصنع متطوّر في اليابان أو أمريكا أو ألمانيا، يعتمد على عدد محدود من الموظّفين أصحاب التعليم المرتفع و المرتّبات العالية، أكثر ربحية من إقامة مصنع متخلّف في الصين أو البرازيل أو كوريا الجنوبية، يعتمد على جماهير كبيرة من العمالة منخفضة التعليم و الأجور

الاقتصاد المتسارع هو الحلّ

إلاّ أن القصة أبعد من مجرّد انقضاء الاعتماد على القواعد و المواد الخام و العمالة الرخيصة . فالاقتصاد الجديد ـ كما قلنا من قبل ـ يصنّف الدول كدول اقتصاد سريع و دول اقتصاد بطيء . الاقتصاد السريع شرط تحقّقه توفّر البنية التحتية الإلكترونية، التي يتطلّبها القيام بعمليات الاقتصاد فائق السرعة . أي أن المطلوب، ليس هو توفّر الموقع العسكري الاستراتيجي، و ليس توفّر الخامات والوقود و العمالة الرخيصة، و لكنّه توفر البنية الإلكترونية اللازمة للقيام بالعمليات الاقتصادية السريعة، مع توفّر البشر المؤهّلون للتعامل مع تلك البنية، بمعارفهم و بالإيقاع المناسب لها
الخبر السعيد

الخبر السعيد، وسط هذه المخاوف، و الذي يجب أن تعيره الدول النامية اهتمامها الأكبر، هو أن النظام الجديد لخلق الثروة يجيء معه بإمكانات مستقبل أفضل جدّا، بالنسبة للتعداد الضخم الذي يضم فقراء العالم لكن هذا مشروط بالتالي
* إدراك قادة الدول النامية لجوهر التغيّرات الحادثة، و لأهمّية سرعة الاتّصال و الانتقال، و سرعة التعامل مع المعلومات و المعارف
* إدراك أن رأس الحربة في تجاوز التخلّف، و اللحاق بالمجتمعات المتقدّمة، هو إقامة بنية تحتية إلكترونية متكاملة

* إعادة بناء التعليم على أساس العلوم الجديدة و التكنولوجيات المتطوّرة، لإرساء أساس العمالة العقلية التي يفرضها مجتمع المعلومات، و وفقا لمطالب النظام الجديد لخلق الثروة .. ذلك النظام فائق الرمزية، فائق السرعة
و سنحاول في رسالة قادمة أن نوضّح تفاصيل ذلك النظام الاقتصادي الجديد الذي يجيء به مجتمع المعلومات

هناك ٣ تعليقات:

Unknown يقول...

I totally agree with what is advanced in your article but again building the personality is vital and this should be done through education and within the society that needs amendement only possible through knowledge and appropriate use of technology

غير معرف يقول...

شكرا لمقالك ولكنى اعتبر ان التعليم الاساسى الجاد هو الاساس لاى مجتمع قوى
http://basmagm.wordpress.com/

Ragy Enayat يقول...

شكرا على التعليق ..
أوافق بشدة على أهمية التعليم في بناء الإنسان المتوافق مع مجتمع المعلومات .. كني أقول دائما أن التطبيق لا يجب أن يقف عند مجال واحد، بل أن يكون وفق رؤية مستقبلية شاملة، توفّق بين عمليات إعادة البناء في المجالات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية.
راجي