الاثنين، أغسطس ١٣، ٢٠٠٧

من حضيض التلقين .. إلى التفكير الناقــد

هل يمكن أن ننقذ الأجيال القادمة
من حضيض النقـل و التلقـين ؟

يجب أن ننتبه للأهمية القصوى، و الأولوية الأولى، لهدف التحوّل من التلقين إلى التفكير، عند إعادة بناء التعليم، بما يتّفق مع احتياجات مجتمع المعلومات .. فالثابت أن إعمال العقل و التفكير و الابتكار سيشكّل احتياجا جماهيريا للقوة العاملة في عصر المعلومات ..
:و رغم وجود عناصر أخرى هامّة في عملية إعادة بناء التعليم التي نحتاجها، مثل
التعليم و التدريب على مدى الحياة للجميع، نتيجة للتغيرات التي لا تتوقّف في المعلومات و المعارف، بالنسبة لجميع الاختصاصات .. و نتيجة لسقوط النظريات، و بزوغ نظريات جديدة .. بل نتيجة لاختفاء علوم تقليدية و ظهورعلوم جديدة، لم نسمع عنها من قبل
الاعتماد على التكنولوجيات المعلوماتية في تطبيق التعليم الشخصي، الذي يراعي الفروق بين البشر في الاستيعاب و التحصيل، و يحترم القدرات المختلفة للدارس عن غيره من الدارسين
تيسير احتياجات التعليم الذاتي، التي تتيح للفرد أن يعلّم نفسه بشكل دائم، حتّى يتابع ما يطرأ على مجال عمله من معلومات و معارف و تكنولوجيات جديدة
انتزاع التعليم من المحاذير التقليدية للمدرسة، و التحوّل من البيئة التعليمية المغلقة الحالية، إلى بيئة تعليمية مفتوحة، تعتمد على شبكات المعرفة الإلكترونية، ممّا يجعل من الممكن تحقيق العناصر السابقة، كالتعليم الشخصي، و التعليم الذاتي

ما هي المشكلة ؟

ما هي الصعوبة التي تواجهنا عندما نحاول الانتقال بتعليمنا : من التلقين و النقل، إلى التفكير و العقل ؟ . تكمن الصعوبة في أن حياتنا كلّها تمضي في مصر وفق اعتماد النقل و التلقين، و كراهية التفكير الناقد الذي قد يجترئ على الثوابت .. في البيت و الشارع و المدرسة و الجامعة و الحكومة بكل أجهزتها
و لكي نفهم أبعاد هذه المشكلة الكبرى، التي يعجز جميع من يخططون للتعليم و يضعون له النظم، في وزارة التعليم، أو في أمانة السياسات أيضا .. علينا أن نفهم أبعاد التفكير الناقد الذي نقول بحتميته في مرحلة الانتقال من نمط الحياة
الصناعية، إلى نمط الحياة المعرفية
علينا أن نفهم حاجتنا الشديدة إلى أن نفكّر و نراجع مدى سلامة الأسس التي قامت عليها حياتنا الشخصية و العائلية و العملية و السياسية، ليس على سبيل التزيد أو التباهي، و لكن من أجل الحصول على مواطن مصري قادر على العمل و الإنتاج و المنافسة، في ظل نظم مجتمع المعلومات
و علينا أن نفهم أن إعمال العقل في هذا الزمن، يستند على ما يطلق عليه " التفكير الناقد " . و لا بد هنا من التنبيه إلى أن هذا التحول لن يتم في هدوء .. و أنه سيلقى مقاومة مستميتة من جميع العناصر الحريصة على استمرا الأوضاع الحالية التي تسمح بجلب المنافع الشخصية على حساب مصر و أجيال مصر القادمة . و هذا يعنى أن إشاعة التفكير الناقد في مدارسنا و جامعاتنا بين الأجيال الجديدة من شباب مصر، وانتقاله كممارسة طبيعية في حياتنا بعد ذلك، سيحدث ثورة حقيقية في حياتنا العقلية و العملية
التفكير الناقـد
في زمن التغيّرات الجذرية الشاملة، كالتي يمرّ بها العالم منذ منتصف القرن الماضي، و التي تبدّل ما استقر من شئون حياتنا الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية .. في هذا الزمن، نفقد القدرة على الاستناد إلى الخبرات السابقة، ونحتاج إلى إبداء حرص شديد في تناولنا للأفكار و المعاني و الأوضاع، اعتمادا على حصيلتنا السابقة، و دون اختبار جديد لمدى مصداقية ما أخذنا به، في الزمن الحالي
التفكير الناقد، ينصبّ أساسا على : امتحان الافتراضات التي تقوم عليها أفكارنا و نظرياتنا وعقائدنا.. ثم التعرّف على السياق الذي خرجت منه تلك الأفكار و النظريات و العقائد، لنرى إذا ما كان ذلك السياق ما زال متفقا مع سياق حياتنا الحالي، و المستقبلي
من مقومات التفكير الناقد
( 1 ) التعرّف على الافتراضات و تحدّيها
من أهم أسس التفكير الناقد، محاولة التعرّف على الافتراضات التي يقوم عليها تفكيرنا، و تتأسس عليها ضروب سلوكنا .. و ذلك تمهيدا لامتحانها و التحقق من مدى سلامتها و اتفاقها مع الواقع المعاصر . نحن هنا نتساءل بالنسبة لكل ما نأخذه مأخذ التسليم، و نعتبره من الأمور البديهية، سواء في تنظيم العمل، أو في علاقاتنا مع الآخرين، إو في الأساس الذي يقوم عليه التزامنا السياسي و العقائدي .
( 2 ) الانتباه إلى السياق الذي تخرج منه الافتراضات
مع اكتشاف الافتراضات التي تحكم عاداتنا، و سلوكنا، و مداركنا، و فهمنا للأمور، و تفسيرنا للعالم من حولنا .. مع حدوث ذلك نصبح أكثر إدراكا لتأثير السياق الذي تنبع منه تلك الافتراضات ..و ممارس التفكيرالناقد، يعلم أن جميع
الممارسات و التصرفات و الترتيبات الاجتماعية لا تكون بلا سياق يحكمها.
( 3 ) تصوّر و امتحان البدائل
من الأمور الأساسية في التفكير الناقد، القدرة على تخيّل الاحتمالات، و امتحان البدائل المختلفة للطرق الحالية التي يلتزم بها الفرد في تفكيره و في حياته . عندما يتحقق الفرد من أن العديد من أفكاره و تصرفاته تنبع من افتراضات لا تناسب الحياة الراهنة، ينشغل باكتشاف و امتحان طرق جديدة للتفكير و التصرّف، واعيا بأهمية أثر السياق في تشكيل كل ما يعتبره عاديا و طبيعيا
( 4 ) التشكّك التأمّلي
عندما نكتشف بدائل جديدة لما رسخ في تفكيرنا و سلوكنا، نصبح أكثر تشككا فيما اعتدنا أن نطلق عليه تعبير " الحقيقة النهائية "، أو " التفسير الكامل " . و هذا النوع من التشكك يطلق عليه اسم التشكك التأملي .. و هو لا يعني التشكك من أجل الرفض، و لكن التشكك من أجل التأمّل و التثبّت من المصداقية . ممارس التشكك التأملي، يدرك أن التمسّك بممارسة ما، أو الاعتماد على بنية ما، لزمن طويل، لا يعني أنها الأنسب لجميع الأزمان، و بالتحديد للحظة الراهنة . كما أن مجرّد قبول الفكرة من أعداد كبيرة، لا يعفينا من امتحانها على أرض الواقع الراهن، ثم قبولها أو رفضها و استبدالها، وفقا لما يتمخّض عنه ذلك الامتحان
محنة استجداء التيار الإسلامي
صدّقوني .. أي حديث عن إعادة بناء التعليم لا ينطلق من هذا الهدف الأكبر، هدف التحوّل من النقل و التلقين إلى التفكير و الابتكار، سيكون مصيره إلى الفشل المطبق، في ظلّ مجتمع المعلومات
المطلوب من الحزب الوطني، و أمانة سياساته، و باقي التشكيلات السياسية من أحزاب و جماعات .. و من هيئات البحث و الدراسات الاستراتيجية أن تراجع عملها على هذا الأساس .. علينا أن نتوقّف عن ترديد التوصيات الساذجة عن ضمان جودة التعليم، في الوقت الذي لم نتوصّل بعد على معايير متفق عليها للجودة، علينا أن نتوقّف عن ترديد شعارات مخلفات منظمة الشباب الاشتراكي، شعارات دعم الانتماء، و طابور الصباح، و تحية العلم، من السمات الأساسية لتعليم عصر الصناعة .. و لعل مرجع هذه الرواسب أن يكون توصيات مؤتمرات التعليم التي كان د. حسين كامل بهاء الدين ينظّمها، أو إلى أفكار التثقيف التي يعمّمها د. على الدين هلال على شباب الحزب الوطني .
كفانا عبثا .. أم أنكم سعداء بما يتم حاليا من تمسّح الأحزاب بالتيار الإسلامي، و السعي إلى رضاه، باعتبار أن بين يديه مفاتيح الجماهير ؟.. و هذه حقيقة .. أتعرفون كيف ؟، لأن التيار الإسلامي هو صاحب الحق الأوّل في شعارات النقل و التلقين، على مدى التاريخ .. و لأننا بتمسّكنا بالتعليم القائم على النقل و التلقين، نعد أجيال المستقبل لكي تنضوي تحت راية الأخ عاكف
عوضا عن ترديد الشعارات الغوغائية السائدة .. حاولوا أن تفكّروا فيما أقول

هناك تعليقان (٢):

غير معرف يقول...

مجرد تجربة نتمنى لها النجاح
هدى

Ibn Mazzhar يقول...

To save the next generations at least two things must be changed. The education system and the news media. We need a revolutionary reform in education, and we need responsible educated men and women in news media. Without continuous pressures from the society and communities nothing will chang. A third element is important for change is the family. Education and learning inside the egyptain families should change.

Ibn Mazzhar