الثلاثاء، أغسطس ١٤، ٢٠٠٧

بين الحل الإسلامي .. و الحل الماركسي

بين الحلّ الإسلامي و الحل الماركسي


أصحاب العقائد القويّة و الأيديولوجيات الحاكمة يفشلون عادة في اكتشاف انقضاء زمن الافتراضات التي تقوم عليها عقائـدهم . و مرجـع ذلك إلى عجـزهم عن اكتشـاف الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها أفكارهم، و من ثم عدم قدرتهم على امتحان مدى مصداقية تلك الافتراضات في ظل التغيّرات الجذرية المتلاحقة في حياة البشر .
قبل أن أضع أفكاري في الكتب، كنت أكتب أوراقا حول التفكير المستقبلي، و التحوّلات التي تقودنا إلى مجتمع المعلومات . عرضت واحدة من هذه الأوراق على الصديق أحمد حمروش، رئيس اللجنة المصرية للتضامن، فقرأها و اقترح عرضها على الأستاذ محمد حسنين هيكل، فتحمّست لذلك الاقتراح . ثم اكتشفت بعد ذلك أنّه لم يأخذ الورقة مأخذ الجد، و وقف عند التعليق على خطأ مطبعي ! .

في مواجهة الماركسيين

قال حمروش " لماذا لا تناقش ورقتك في اللجنة الفرعية للفكر السياسي .. هذه فرصة للحوارالمثمر، خاصّة و أنّ رئيس هذه اللجنة هو الدكتور فؤاد مرسي .." . تحدّد موعد للقاء، و قد جلس على رأس المنضدة الدكتور مرسي( رحمه الله )، و جلست في مقابله، بينما اصطفّ على الجانبين مجموعة من غلاة الماركسيين، أعضاء اللجنة، أعرف بعضهم و لا أعرف البعض الآخر .
طرحت أفكاري حول مرحلة التحوّل الحالية في العالم، من المجتمع الصناعي إلى مجتمع المعلومات .. لماذا تمت ؟، و ماذا يترتّب عليها من تغيّرات كبرى في جميع مجالات حياة البشر ؟.
فلاحظت التململ على الحاضرين، و الرفض الضمني لكلام يخرج عن نطاق القاموس الماركسي، و كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير، كما يقولون، ما قلته من انقضاء صلاحية كل من الاقتصاد الرأسمالي و الاقتصاد الاشتراكي، في التعامل مع الواقع الجديد، باعتبار أن الرأسمالية و الاشتراكية هما وجهان لعملة واحدة هي عصر الصناعة، و رؤيتان مختلفتان للتعامل مع واقع المجتمع الصناعي . و رحت أشرح هذا على ضوء التطورات التي أحدثتها ثورة المعلومات .
كانت ردّة فعل الحاضرين، مزيج من الرفض و الوجـوم ..
ثم توجّه أحدهم إلى الدكتور مرسي سائلا بسخرية " ما هو رأيك يا دكتور فيما يقال ؟ ! ". تحيّر دكتور مرسي قليلا، ثم قال " لا أعرف ماذا أقول له .. إن ما يقوله أشبه بما يقوله جورباتشوف هذه الأيام .." .
أدركت في ذلك الوقت صعوبة مراجعة صاحب العقيدة لافتراضاته ـ و لو كانت الاشتراكية العلمية ـ دون وجود أداة مثل التفكير الناقد تساعده على ذلك .

في جامعة الإسكندرية

بعد هذا، جاءت تجربة اللقاء مع أعضاء نادي هيئة التدريس بجامعة الإسكندرية . عندما تلقيت الدعوة للحديث عن المستقبل و عن مجتمع المعلومات، وسط نخبة من الأسـاتذة و العلمـاء تحمّست لذلك اللقاء، و اعتبرته فرصة لحوار ناضج مسئول .
الذي لم أكن أعلمه، أن النادي كان قد مرّ بتحوّل كبير، بعد استبعاد العناصر التقدّمية من أعضاء مجلس إدارته، ليقتصر مجلس الإدارة على مجموعة من الأساتذة الإسلاميين .
قبل المحاضرة، استقبلني بحفاوة أحد الأساتذة، أظنّه على ما أذكر عميد كلية العلوم . بعد أن احتسينا القهوة، قادني إلى قاعة اللقاء، التي حفلت بجمع كبير من أعضاء هيئات التدريس بالجامعة .
كان موضوع المحاضرة " الرؤية المستقبلية، و مجتمع المعلومات " . و كان لا بد أن أبدأ بطرح منهجي في التوصّل للرؤية المستقبلية، و تحدثت عن التحوّلات الكبرى في حياة البشر، من عصر الزراعة، إلى الصناعة، إلى المعلومات، و كيف لعبت التكنولوجيات الابتكارية العظمى دورا أساسيا في إعادة صياغة مختلف مجالات حياة البشر، الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية . ثم طرحت التحوّلات الحالية من مبادئ مجتمع الصناعة إلى مبادئ مجتمع المعلومات .
لماذا نعتمد على علوم الغرب ؟ !
عندما انتهيت من كلامي، و قبل أن يبدأ النقـاش مع جمهور الحاضرين، حدثت مفاجأة أدهشتني . الأستاذ الدكتور الوقور الذي استقبلني، و قادني إلى القاعة، و الذي قدمني في بداية الأمر، و جلس إلى جواري، وجدته يهب واقفا، و يصيح بأعلى صوته هاتفا بشعار طويل لا أذكر نصّه حاليا، و لكن أذكر قوله في النهاية " .. و الإسلام مستقبلنا .." .
رسمت ابتسامة ساذجة على وجهي، لإخفاء دهشتي و حيرتي فيما هو مطلوب منّي أن أفعله . و ما أن انتهت موجة التصفيق ـ التي مازلت لا أعلم إن كانت موجّهة لكلماتي أم لهتاف الأستاذ الوقور ! ـ حتّى بدأت أسئلة الحاضرين .
كان محور تساؤلات ذلك الجمع العلمي حول استنكار الاعتماد على العقل في مكان النقل ! . قال أحد الأساتذة أن ما أقوله من أفكار وارد من الغرب، قد ينطبق على مجتمعاتهم، لكنه لا يصلح لنا كأمّة إسلامية . و تساءل ـ و هو أستاذ جامعي ـ عمّا يدفعنا إلى علوم و معارف الغرب، بينما لدينا منبع العلم و المعرفة .
قلت أن النهضة العلمية الإسلامية، في بغداد، قامت على ترجمة المراجع الإغريقية و الهندية و الفارسية . اطّلع العلماء المسلمون على ما سبق من علوم الغرب و الشرق، و فكّروا، و ابتدعوا، و أضافوا إلى تلك العلوم، ما حفلت به مراجعهم في الطب و الكيمياء و الرياضيات و الجغرافيا، إلى آخر ذلك، ممّا صنع ما نطلق عليه الحضارة العلمية الإسلامية . و لم يجدوا من يلومهم على الاستفادة من علوم الآخرين .
و الغرب، الذي كان يعيش في جهالة القرون الوسطى، قرأ إنتاج علماء الإسلام، و ظلّ يدرّسه في معاهده و جامعاته على مدى عدّة قرون، و أضاف إليه، ممّا صنع بدايات النهضة الأوروبية الحديثة .. و هنا أيضا، لم يجدوا من يؤاخذه على هذا .

الرؤية المستقبلية، و الحلّ الإسلامي

ثم نهض أحد الجالسين في الصفوف الأولى، و سألني قائلا " و ما هي علاقة ما قلته لنا عن التحوّل إلى مجتمع المعلومات بالحلّ الإسلامي ؟ " .
قلت له صادقا " أنا لا أعرف ما تسمّيه بالحلّ الإسلامي .. لا شكّ أنّك أدرى به منّي " . ثم قلت له أنّني تكلمت عن مجموعة من التحوّلات تقودنا إلى مجتمع المعلومات، مثل التحوّل من المركزية إلى اللامركزية، و من القولبة و النمطية إلى التنوّع و التمايز و احترام ذاتية الفرد، و من التزامن إلى الزمن المرن الذي يوسّع نطاق حرية الفرد، و من العمل العضلي البدني المتكرّر الذي لا يستوجب التفكير، إلى العمل العقلي الذي يعتمد على التفكير و الابتكار.. تكلّمت عن هذا و غيره، فهل وجدت شيئا ممّا أوردته متناقضا مع الحلّ الإسلامي الذي تقول به .
بعد صمت قصير قال " لا .." . فقلت مبتسما " هذا هو الذي يهمّني في الأمر .." .
هنا أيضا أدركت أهمية إشاعة التفكير الناقد، من اكتشاف الافتراضات الأساسية التي يقوم عليها فكرنا و عملنا، و فحص مدى مصداقية تلك الافتراضات في ظل الواقع المتغيّر الذي نعيشه، ثم البحث عن افتراضات جديده نابعة من الواقع الجديد، تحكم فكرنا و عملنا .

راجي عنايــت – 2005
من كتاب "حكايتي مع المستقبل"




هناك تعليق واحد:

Ibn Mazzhar يقول...

I belive that for reliable and feasible solutions to our problems we need to change the way of our thinking. We need to deal with the problems directly. We do not need to borrow terminlogy, definitions, theories from the books and solve our problems by just using these words. Conservatisim, liberalism, modernism, post-modernism,marxism, left, right, structuralisim,etc. All these words are over used terms. These words most likely will confuse us and it will not solve. We need a creative a new start.